البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ} (4)

الأخدود : الخد في الأرض ، وهو الشق ونحوهما بناء ، ومعنى الخق والأخقوق ، ومنه :فساحت قوائمه في أخافيق جردان

والظاهر ما قلناه أولاً ، وجواب القسم قيل محذوف ، فقيل : لتبعثن ونحوه .

وقال الزمخشري : يدل عليه { قتل أصحاب الأخدود } .

وقيل : الجواب مذكور فقيل : { إن الذين فتنوا } .

وقال المبرد : { إن بطش ربك لشديد } .

وقيل : قتل وهذا نختاره وحذفت اللام أي لقتل ، وحسن حذفها كما حسن في قوله : { والشمس وضحاها } ثم قال : { قد أفلح من زكاها } أي لقد أفلح من زكاها ، ويكون الجواب دليلاً على لعنة الله على من فعل ذلك وطرده من رحمة الله ، وتنبيهاً لكفار قريش الذين يؤذون المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم ، على أنهم ملعونون بجامع ما اشتركا فيه من تعذيب المؤمنين .

وإذا كان { قتل } جواباً للقسم ، فهي جملة خبرية ، وقيل : دعاء ، فكون الجواب غيرها .

وقرأ الحسن وابن مقسم بالتشديد ، والجمهور بالتخفيف .

وذكر المفسرون في أصحاب الأخدود أقوالاً فوق العشرة ، ولكل قول منها قصة طويلة كسلنا عن كتابتها في كتابنا هذا ؛ ومضنها أن ناساً من الكفار خدوا أخدوداً في الأرض وسجروه ناراً وعرضوا المؤمنين عليها ، فمن رجع عن دينه تركوه ، ومن أصرّ على الإيمان أحرقوه ؛ وأصحاب الأخدود هم المحرقون للمؤمنين .

وقال الربيع وأبو العالية وابن إسحاق : بعث الله على المؤمنين ريحاً فقبضت أرواحهم أو نحو هذا ، وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الأخدود ، فعلى هذا يكون القتل حقيقة لا بمعنى اللعن ، ويكون خبراً عن ما فعله الله بالكفار والذين أرادوا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم .

وقول هؤلاء مخالف لقول الجمهور ولما دل عليه القصص الذي ذكروه .