الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ} (4)

وقوله تعالى : { قُتِلَ أصحاب الأخدود } معناه فَعَلَ اللَّه بهم ذلكَ ؛ لأنَّهم أهل له ؛ فهو على جهة الدعاءِ بحسَبِ البشر ، لا أنّ اللَّه يدعُو على أَحَدٍ ، وقيل عن ابن عباس : معناه لُعِنَ وهذا تفسيرٌ بالمعنى ، وقال الثعلبي : قال ابن عباس : كل شيء في القرآن { قُتِلَ } فهو : لُعِنَ ، انتهى . وقيلَ : هو إخبارٌ بأنّ النارَ قَتَلَتْهُم ؛ قاله الربيع بن أنس ، ( ص ) : وجوابُ القَسَمِ محذوفٌ أي : والسماءِ ذاتِ البروجِ لَتُبْعَثُنَّ ، وقال المبردُ : الجوابُ : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } ، وقيل الجوابُ : { قُتِلَ } واللامُ محذوفةٌ أي : لَقُتِلَ ، وإذا كانَ { قُتِلَ } هو الجوابُ فهو خَبَرٌ انتهى . وصَاحِبُ الأخدودِ : مذكورٌ في السِّيَرِ وغيرِها وحديثُه في مُسْلِمٍ مُطَوَّلٌ وهو مَلكٌ دَعَا المؤمنينَ باللَّهِ إلى الرجوعِ عن دينِهم إلى دينهِ ، وخَدَّ لَهُمْ في الأرْضِ أخَادِيدَ طويلةً ؛ وأضْرَمَ لهم ناراً وجَعَلَ يَطْرَحُ فيها من لم يرجعْ عن دينهِ ؛ حتى جَاءَتْ امرأةٌ مَعِا صبيٌّ فَتَقَاعَسَتْ ؛ فقال لها الطفل : يا أُمَّهْ ؛ اصْبِرِي فِإنَّكِ عَلى الحق ، فاقْتَحَمَتِ النارَ .

وقوله : { النار } بدلٌ من الأخدودِ وهو بدلُ اشتمالٍ ، قال ( ع ) : وقال الربيع بن أنس وأبو إسحاق وأبو العالية : بعثَ اللَّهُ على أولئك المُؤْمِنينَ رِيحاً فَقَبَضَتْ أرواحَهم أو نحوَ هذا ، وخَرَجَتِ النارُ فأحْرَقَتِ الكافرينَ الذينَ كانُوا على حَافَّتَيِ الأخْدُودِ ؛ وعلى هذا يجيءُ { قُتِلَ } خبراً لاَ دُعاء .