غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ} (4)

1

أما جواب القسم فعن الأخفش أنه { قتل } واللام مقدّر والكلام على التقديم والتأخير أي قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج . وعن ابن مسعود وقتادة واختاره الزجاج أن الجواب هو قوله { إن بطش ربك لشديد } وقيل : إن الذين فتنوا وما بينهما اعتراض . واختار الزمخشري وطائفة من المتقدمين أنه محذوف . ثم اختلفوا فقال المتقدمون : المحذوف هو إن الأمر حق في الجزاء على الأعمال . وقال في الكشاف : هو ما دل عليه قتل فكأنه أقسم بهذه الأشياء أن كفار قريش ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود ، وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة وتذكيرهم بما جرى على من قبلهم من التعذيب على الإيمان حتى يقتدوا بهم ويصبروا على أذى قومهم ويعلموا أن كفارهم أحقاء بأن يقال فيهم قتلت قريش ، أي لعنوا كما قتل أصحاب الأخدود وهو الخد أي الشق في الأرض يحفر مستطيلاً ونحوهما بناء . ومعنى الخق والأخقوف بالخاء الفوقانية منه الحديث " فساخت قوائمه في أخاقيق جرذان " عني به فرس سراقة حين تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من الغار . والمعتمد من قصص أصحاب الأخدود ما جاء في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لبعض الملوك ساحر ، فلما كبر ضم إليه غلاماً ليعلمه السحر . وكان في طريق الغلام راهب يتكلم بالمواعظ لأجل الناس ، فمال قلب الغلام إلى حديثه . فرأى في طريقه ذات يوم دابة أوحية قد حبست الناس فأخذ حجراً فقال : اللهم إن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها بهذا الحجر فقتلها . وكان الغلام بعد ذلك يتعلم من الراهب إلى أن صار بحيث يبرئ الأكمه والأبرص ويشفي من الداء ، وعمي جليس للملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله : من ردّ عليك بصرك ؟ فقال : ربي . فغضب فعذبه فدل على الغلام ، فعذب الغلام حتى دل على الراهب ، فلم يرجع الراهب عن دينه فقدّ بالمنشار ، وأبى الغلام فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فطاحوا ونجا ، فذهبوا به إلى قرقور وهي سفينة صغيرة فلججوا به ليغرقوه فدعا فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ونجا . قوال للملك : لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني على جذع وتأخذ سهماً من كنانتي وتقول : بسم الله رب الغلام . ثم ترميني به فرماه فوقع في صدغه فوضع يده عليه ومات فقال الناس : آمنا برب الغلام . فقيل للملك : نزل بك ما كنت تحذر فأمر بأخاديد في أفواه السكك ، وأوقدت فيها النيران فمن لم يرجع منهم طرحه فيها ، حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست أن تقع فيها فقال الصبي : يا أماه اصبري فإنك على الحق ، وما هي إلا غميضة فصبرت واقتحمت . وعن علي رضي الله عنه أنهم حين اختلفوا في أحكام المجوس ، وكان بعض ملوكهم أهل كتاب وكانوا متمسكين بكتابهم ، وكانت الخمر قد أحلت لهم فتناولها فسكر فوقع على أخته ، فلما صحا ندم وطلب المخرج فقالت : إن المخرج أن تخطب الناس فتقول : إن الله عز وجل أحل لكم نكاح الأخوات ثم تخطبهم إن الله حرمه . فخطب فلم يقبلوا منه قالت له : ابسط فيهم السوط فلم يقبلوا . فقالت : ابسط فيهم السيف فلم يقبلوا . فأمرته بالأخاديد وإيقاد النيران وطرح من أبى فيها . وقيل : وقع إلى نجران رجل ممن كان على دين عيسى فدعاهم فأجابوه فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنود من حمير ، فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا فأحرق منهم اثني عشر ألفاً في الأخاديد . وقيل : سبعين ألفاً . وذكر أن طول الأخدود أربعون ذراعاً وعرضه اثنا عشر .

وقد أشار سبحانه إلى عظم النار إشارة مجملة بقوله { ذات الوقود } أي لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس . وهذه الروايات لا تعارض بينها ولا منافاة فيحتمل أن يكون الكل واقعاً والمجموع مراد الله أو بعضه هو أعلم به .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا وصل إلى ذكر أصحاب الأخدود قال : نعوذ بالله من جهد البلاء .

/خ22