معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ} (4)

وقوله جل وعز : { قُتِلَ أَصْحابُ الأُخْدُودِ } .

يقال في التفسير : إن جواب القسم في قوله : «قُتِلَ » ، كما كان جواب { وَالشّمسِ وَضُحاها } في قوله ! { قَدْ أفْلَحَ } : هذا في التفسير ، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يُسْتَقْبَل بها أو «لا » أو «إن » أو «ما » فإن يكن كذلك فكأنه مما ترك فيه الجواب : ثم استؤنف موضع الجواب بالخير ، كما قيل : يأيها الإنسان في كثير من الكلام .

وقوله جل وعز : { أصْحَابُ الأُخْدُودِ } .

كان ملك خدّ لقوم أخاديد في الأرض ، ثم جمع فيها الحطب ، وألهب فيها النيران ، فأحرق بها قوما وقعد الذين حفروها حولها ، فرفع الله النار إلى الكفرة الذين حفروها فأحرقتهم ، ونجا منها المؤمنون ، فذلك قوله عز وجل : { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } في الآخرة { وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ } في الدنيا . ويقال : إنها أحرقت من فيها ، ونجا الذين فوقها .

واحتج قائل هذا بقوله : { وَهُمْ على ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } ، والقول الأول أشبه بالصواب ، وذلك لقوله : { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهنَّمَ ، ولَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } ولقوله في صفة الذين آمنوا { ذَلِكَ [ 134/ا ] الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } ، يقول : فازوا من عذاب الكفار ، وعذاب الآخرة ، فأكْبِر به فوزا .

وقوله عز وجل : { قُتِلَ أَصْحابُ الأُخْدُودِ } .

يقول : قتلهم النار ، ولو قرئت : «النارُ ذاتُ الوَقُودِ » ، بالرفع كان صوابا ، وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلْمّي ، { وكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهم } . رفع الشركاء بإعادة الفعل : زينه لهم شركاؤهم . كذلك قوله : { قُتِلَ أَصْحابُ الأُخْدُودِ } قتلتهم النار ذات الوقود . ومن خفض : «النارِ ذاتِ الْوَقُودِ » وهي في قراءة العوام جعل النار هي الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قال : قتل أصحاب النار ذات الوقود .