تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ} (4)

الآية 4 : وقوله تعالى : { قتل أصحاب الأخدود } اختلف في تأويله ؛ فمنهم من صرفه إلى المعذبين ، ومنهم من صرفه إلى المعذبين . فمن صرفه إلى المعذبين حمل قوله : { قتل } على اللعن ، أي لعنوا ، كقوله تعالى : { قتل الخراصون } [ الذريات : 10 ] أي لعنوا ، ومن صرفه إلى الذين عذبوا حمله على القتل المعروف .

ثم اختلف في قصة أولئك الذين عذبوا .

فإن كان القسم في الكفرة فما ينبغي أن يفسر على وجه من ذلك ما لم يتواتر فيه الخبر عن المصطفى عليه السلام ، لأنهم وجدوها موافقة للأنباء المذكورة في كتبهم ، وقد علموا أنه لم يصل إلى معرفتها [ إلا بالله ]{[23403]} تعالى ؛ إذ لم يروه يختلف إلى من عنده علم الأنباء ليصل إلى معرفتها بهم .

فإذا فسرت على وجه ، أمكن أن يقع فيها زيادة أو نقصان على ما ذكروا في الكتاب ، فيجدوا به موضع الطعن والقدح لذلك ، لم يسع أن يزاد [ أو ينقص عن ]{[23404]} القدر الذي جرى ذكره في الكتاب إلا من الوجه الذي ذكرنا .

وإن كان القسم في المؤمنين وسع القول بحمل التأويلات التي ذكرها أصحاب التفسير لارتفاع المعنى الذي ذكرنا في الكفرة ، والله أعلم .

ثم [ في ]{[23405]} ذكر هذه الأنباء تقرير رسالته ونبوته عليه السلام ، لما ذكرنا أنه لم يختلف إلى من عنده علم هذه الأنباء ليعلم به . فإذا أنبأهم على وجهها تيقنوا أنه بالله تعالى/635 – أ/ علم .

وفيه تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتخفيف الأمر عليه لأنه يخبره أن قومك ليسوا بأول من [ آذوا ، وعاندوا ]{[23406]} بل لم يزل سلفهم ، تلك عادتهم بأهل الإسلام .

وفائدة أخرى ، ما ذكرنا أن في ذكره ما يستعين به من ابتلي بأذى الكفرة ، وفيه أن أولئك الكفرة بلغ من ضنهم بدينهم ما يقاتلون عليه{[23407]} من أظهر مخالفتهم في الدين ليعلموا أن القتال لمكان الدين ليس بأمر شاق خارج عن الطباع ، بل الطباع جبلت على القتال مع من عاداهم في الدين ، فيكون فيه ترغيب للمسلمين على القتال مع الكفرة إذا امتحنوا ، والله أعلم .


[23403]:في الأصل وم: إلى الله.
[23404]:في الأصل وم: على.
[23405]:ساقطة من الأصل وم.
[23406]:في الأصل وم: أذوك وعاندوك.
[23407]:من م، في الأصل: عليهم.