النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ} (4)

{ قُتِل أصحابُ الأُخْدُودِ } قال الفراء : هذا جواب القسم ، وقال غيره : الجواب { إنّ بَطْشَ ربِّكَ لَشديدٌ } والأخدود : الشق العظيم في الأرض ، وجمعه أخاديد ، ومنه الخد لمجاري الدموع فيه ، والمخدّة لأن الخد يوضع عليها ، وهي{[3237]} حفائر شقت في الأرض وأوقدت ناراً وألقي فيها مؤمنون امتنعوا من الكفر .

واختلف فيهم ، فقال عليّ : إنهم من الحبشة ، وقال مجاهد : كانوا من أهل نجران ، وقال عكرمة كانوا نبطاً ، وقال ابن عباس : كانوا من بني إسرائيل ، وقال عطية العوفي : هم دانيال وأصحابه ، وقال الحسن : هم قوم من أهل اليمن ، وقال عبد الرحمن بن الزبير : هم قوم من النصارى كانوا بالقسطنطينية زمان قسطنطين ، وقال الضحاك : هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة ، أخذهم يوسف بن شراحيل بن تُبَّع الحميري وكانوا نيفاً وثمانين رجلاً ، وحفر لهم أخدوداً أحرقهم فيه ، وقال السدي : الأخدود ثلاثة : واحد بالشام ، وواحد بالعراق ، وواحد باليمن{[3238]} .

وفي قوله : { قُتِل أصحابُ الأُخْدُودِ } وجهان :

أحدهما : أُهلك المؤمنون .

الثاني : لُعن الكافرون الفاعلون ، وقيل إن النار صعدت إليهم وهم شهود عليها فأحرقتهم ، فلذلك قوله تعالى : { فلهُم عذابُ جهنَّمَ ولهم عذابُ الحريق } يعني في الدنيا .


[3237]:أي الأخاديد.
[3238]:نسب القرطبي هذا القول إلى مقاتل لا إلى السدي.