ثم ذكر بعض لوازم الآفاق قائلاً { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } فقيام السموات والأرض استمساكهما بغير عمد ، ومن نسب ذلك إلى الطبيعة فلا بد أن يستند الطبع إلى واجب لذاته وأمره أن يقول لهما كونا كذلك نظيره قوله { إن الله يمسك } إلى قوله { من بعده } [ فاطر : 41 ] واعلم أن الأمر عند المعتزلة موافق للإرادة ، وعند الأشاعرة ليس كذلك . ولكن النزاع في الأمر الذي هو للتكليف لا الذي للتكوين ، فإن قوله { كن فيكون } [ يس : 82 ] موافق للإرادة بالاتفاق . قال جار الله : قوله { إذا دعاكم } بمنزلة قوله { يريكم } في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى كأنه قال : ومن آياته قيام السموات والأرض ، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاكم مرة واحدة يا أهل القبور اخرجوا والمراد سرعة الخروج من غير توقف وإلا فلا أمر ظاهراً . أو أراد نداء الملك والأرض مكان المدعو على التقديرين لا الداعي إذ لا مكان لله مطلقاً ولا للملك في جوف الأرض . نعم ، لو كان المراد أن الملك يدعوهم وهو على وجه الأرض جاز . ومعنى " ثم " عظم ما يكون من ذلك الأمر وتهويل لتلك الحالة ، وإذا الأولى للشرط ، والثانية للمفاجأة نائبة مناب الفاء . واعلم أنه تعالى ذكر في كل باب أمرين : أما من الأنفس فخلق البشر ثم خلقهم زوجين ، وأما من الآفاق فخلق السموات والأرض . ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان والألوان ، ومن عوارضه المنام والابتغاء ، ومن عوارض الآفاق البروق والأمطار ، ومن لوازمها قيام السماء والأرض . والواحد يكفي للإقرار بالحق ، إلا أن الثاني يجري مجرى الشاهد الآخر .
وراعى في تعداد العرضيات لطيفة ، بدأ باللوازم وختم باللوازم وذلك أن الإنسان متغير الحال ، فالأحوال اللازمة له أغرب والأفلاك ثابتة بالنسبة إلى الإنسان فعوارضها أغرب ، وبدأ في كل باب بما هو أعجب ، وإنما ختم الآية الأولى بقوله { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } لأن الفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني المقتضية للإنس والسكون وعلى دقائق صنع الله في خلق الإنسان وبثهم في الأرض ، أو نقول : إن من الأشياء ما يعلم بمجرد الفكر كدقائق حكمة الله في خلق الإنسان ، لأن أقرب الأشياء إلى الإنسان هو ذاته فلذلك قال هنالك { لقوم يتفكرون } ومنها ما يعلم من غير تجشم فكر كالاستدلال على قدرة الله بخلق السماء والأرض ، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم ، فإن الكل تظلهم السماء وتقلهم الأرض . وكل واحد منفرد بلطيفة في صورته يمتاز بها عن غيره ، ولهذا يشترك في معرفتها الناس جميعاً فلهذا قال { لآيات للعالمين } ومن حمل اختلاف الألسن على اللغات اختلاف الألوان على البياض والسواد والصفرة والسمرة ، فالاشتراك في معرفتها أيضاً ظاهر . ومن قرأ { للعالمين } بكسر اللام فقد أحسن ، فبالعلم يمكن الوصول إلى معرفة ما سبق ذكره ، ومن الأشياء ما يحتاج الفكر فيه إلى إعانة مرشد كالمنام والابتغاء فإنهما لزوالهما في بعض الأوقات قد يرفعان لوازمهما فلهذا قال { لقوم يسمعون } ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد ، ومن هنا ذهب بعضهم إلى أن معنى { يسمعون } ههنا يستجيبون لما يدعون إليه ، ثم إن حدوث الولد من الوالدين كالأمر المطرد العادي فكان الولد يمكن أن يسبق إلى الوهم إسناده إلى الطبيعة فأمر هنالك بالفكر . وأما البرق والمطر فليس أمراً عادياً ولذلك يختلف بالشدة والضعف وبحسب الأوقات والأمكنة فالعقل الصحيح يجزم بأن من فعل الفاعل المختار فلذلك قال { لقوم يعقلون } وقيل : إن العقل ملاك الأمر وهو المؤدي إلى العلم فوقع الختم عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.