غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ} (25)

1

ثم ذكر بعض لوازم الآفاق قائلاً { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } فقيام السموات والأرض استمساكهما بغير عمد ، ومن نسب ذلك إلى الطبيعة فلا بد أن يستند الطبع إلى واجب لذاته وأمره أن يقول لهما كونا كذلك نظيره قوله { إن الله يمسك } إلى قوله { من بعده } [ فاطر : 41 ] واعلم أن الأمر عند المعتزلة موافق للإرادة ، وعند الأشاعرة ليس كذلك . ولكن النزاع في الأمر الذي هو للتكليف لا الذي للتكوين ، فإن قوله { كن فيكون } [ يس : 82 ] موافق للإرادة بالاتفاق . قال جار الله : قوله { إذا دعاكم } بمنزلة قوله { يريكم } في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى كأنه قال : ومن آياته قيام السموات والأرض ، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاكم مرة واحدة يا أهل القبور اخرجوا والمراد سرعة الخروج من غير توقف وإلا فلا أمر ظاهراً . أو أراد نداء الملك والأرض مكان المدعو على التقديرين لا الداعي إذ لا مكان لله مطلقاً ولا للملك في جوف الأرض . نعم ، لو كان المراد أن الملك يدعوهم وهو على وجه الأرض جاز . ومعنى " ثم " عظم ما يكون من ذلك الأمر وتهويل لتلك الحالة ، وإذا الأولى للشرط ، والثانية للمفاجأة نائبة مناب الفاء . واعلم أنه تعالى ذكر في كل باب أمرين : أما من الأنفس فخلق البشر ثم خلقهم زوجين ، وأما من الآفاق فخلق السموات والأرض . ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان والألوان ، ومن عوارضه المنام والابتغاء ، ومن عوارض الآفاق البروق والأمطار ، ومن لوازمها قيام السماء والأرض . والواحد يكفي للإقرار بالحق ، إلا أن الثاني يجري مجرى الشاهد الآخر .

وراعى في تعداد العرضيات لطيفة ، بدأ باللوازم وختم باللوازم وذلك أن الإنسان متغير الحال ، فالأحوال اللازمة له أغرب والأفلاك ثابتة بالنسبة إلى الإنسان فعوارضها أغرب ، وبدأ في كل باب بما هو أعجب ، وإنما ختم الآية الأولى بقوله { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } لأن الفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني المقتضية للإنس والسكون وعلى دقائق صنع الله في خلق الإنسان وبثهم في الأرض ، أو نقول : إن من الأشياء ما يعلم بمجرد الفكر كدقائق حكمة الله في خلق الإنسان ، لأن أقرب الأشياء إلى الإنسان هو ذاته فلذلك قال هنالك { لقوم يتفكرون } ومنها ما يعلم من غير تجشم فكر كالاستدلال على قدرة الله بخلق السماء والأرض ، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم ، فإن الكل تظلهم السماء وتقلهم الأرض . وكل واحد منفرد بلطيفة في صورته يمتاز بها عن غيره ، ولهذا يشترك في معرفتها الناس جميعاً فلهذا قال { لآيات للعالمين } ومن حمل اختلاف الألسن على اللغات اختلاف الألوان على البياض والسواد والصفرة والسمرة ، فالاشتراك في معرفتها أيضاً ظاهر . ومن قرأ { للعالمين } بكسر اللام فقد أحسن ، فبالعلم يمكن الوصول إلى معرفة ما سبق ذكره ، ومن الأشياء ما يحتاج الفكر فيه إلى إعانة مرشد كالمنام والابتغاء فإنهما لزوالهما في بعض الأوقات قد يرفعان لوازمهما فلهذا قال { لقوم يسمعون } ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد ، ومن هنا ذهب بعضهم إلى أن معنى { يسمعون } ههنا يستجيبون لما يدعون إليه ، ثم إن حدوث الولد من الوالدين كالأمر المطرد العادي فكان الولد يمكن أن يسبق إلى الوهم إسناده إلى الطبيعة فأمر هنالك بالفكر . وأما البرق والمطر فليس أمراً عادياً ولذلك يختلف بالشدة والضعف وبحسب الأوقات والأمكنة فالعقل الصحيح يجزم بأن من فعل الفاعل المختار فلذلك قال { لقوم يعقلون } وقيل : إن العقل ملاك الأمر وهو المؤدي إلى العلم فوقع الختم عليه .

/خ32