فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ} (25)

{ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض } هذا شروع في بيان بقائهما وثباتهما بعد بيان إيجادهما في قوله : ومن آياته خلق السماوات والأرض ، وأظهر كلمة ( أن ) هنا التي هي علم الاستقبال لأن القيام هنا يعني البقاء لا الإيجاد ، وهو مستقبل باعتبار أواخره وما بعد نزول هذه الآيات .

{ بأمره } أي : قيامهما واستمساكهما بإرادته سبحانه ، وقدرته بلا عمد يعمدهما ، ولا مستقر يستقران عليه . قال الفراء : يقول أن تدوما قائمتين بأمره ، وإنما ذكر قوله : إن في ذلك لآيات ، في أربع مواضع ، ولم يذكره في الأول ، وهو قوله : ومن آياته أن خلقكم من تراب ، ولا في الأخيرة وهي هذا لأن في الأول خلق الأنفس وخلق الأزواج من باب واحد ، وهو الإيجاد فاكتفى فيهما بذكره مرة واحدة . وأما قيام السماوات والأرض الذي هو الأخير فلأن في الآيات السماوية ذكر أنها آيات للعالمين ، ولقوم يسمعون ؛ ولقوم يعقلون ، لظهورها ، فلما كان في أول الأمر ظاهرا ففي آخر الأمر بعد سرد الدلائل يكون أظهر ؛ فلم يميز أحدا عن أحد وذكر ما هو مدلوله ؛ وهو قدرته على الإعادة قاله الرازي .

{ ثم } أي بعد موتكم ومصيركم في القبور { إذا دعاكم دعوة } واحدة { من الأرض } التي أنتم فيها كما يقال : دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي وقيل : أي خرجتم من الأرض ولا يجوز أن يتعلق ب { تخرجون } لأن ما بعد إذا يعمل فيما قبلها وهذه الدعوة هي نفخة إسرافيل الآخرة في الصور على ما تقدم بيانه { إذا أنتم تخرجون } أي فاجأتم الخروج منها بسرعة من غير تلبث ولا توقف كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعي المطاع وإذا الفجائية تقوم مقام الفاء في جواب الشرط ، وقال هنا : إذا أنتم ، وقال في خلق الإنسان : ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ، لأن هناك يكون خلق وتقدير وتدريج حتى يصير التراب قابلا للحياة فتنفخ فيه الروح فإذا هو بشر وأما في الإعادة فلا يكون تدريج بل يكون بدء وخروج فلم يقل هنا ( ثم ) ذكره الكرخي ، وقد أجمع القراء على فتح التاء في { تخرجون } هنا وإنما قرئ بضمها في الأعراف