ثم ذكر تعالى من لوازم السماء والأرض قيامهما بقوله تعالى : { ومن آياته } أي : على تمام القدرة وكمال الحكمة { أن تقوم السماء والأرض بأمره } قال ابن مسعود ، قامتا على غير عمد بأمره أي : بإرادته ، فإنّ الأرض لثقلها يتعجب الإنسان من وقوفها وعدم نزولها وكون السماء في علوها يتعجب من علوها وثباتها من غير عمد وهذا من اللوازم ، فإنّ الأرض لا تخرج عن مكانها الذي هي فيه ، وإنما أفرد السماء والأرض لأنّ السماء الأولى والأرض الأولى لا تقبل النزاع ؛ لأنها مشاهدة مع صلاحية اللفظ بالكل لأنه جنس .
تنبيه : ذكر تعالى من كل باب أمرين أما من الأنفس فقوله تعالى { خلقكم } { وخلق لكم } واستدل بخلق الزوجين ، ومن الآفاق السماء والأرض فقال تعالى { خلق السماوات والأرض } ( الروم : 22 ) ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان واختلاف الألوان ومن عوارض الآفاق البرق والأمطار ، ومن لوازمهما قيام السماء والأرض ؛ لأنّ الواحد يكفي للإقرار بالحق والثاني يفيد الاستقرار ، ومن هذا اعتبر شهادة شاهدين ، فإنّ قول أحدهما يفيد الظنّ وقول الآخر يفيد تأكيده ولهذا قال إبراهيم عليه السلام { بلى ولكن ليطمئن قلبي } ( البقرة : 260 ) . فإن قيل : ما الفائدة في قوله تعالى هنا { ومن آياته أن تقوم } ( الروم : 25 ) وقال تعالى قبله { ومن آياته يريكم البرق } ( الروم : 24 ) ولم يقل أن يريكم ليصير كالمصدر بأن ؟ أجيب : بأنّ القيام لما كان غير معتبر أخرج الفعل بأن عن الفعل المستقبل ولم يذكر معه الحروف المصدرية ، فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر ست دلائل وذكر في أربع منها { إنّ في ذلك لآيات } ولم يذكر في الأوّل وهو قوله تعالى { ومن آياته أن خلقكم من تراب } ولا في الآخر وهو قوله { من آياته أن تقوم السماء والأرض } ( الروم : 25 ) ؟ أجيب : عن ذلك : أما عن الأوّل فلأنّ قوله بعده { ومن آياته أن خلق لكم } ( الروم : 21 ) أيضاً دليل الأنفس فخلق الأنفس ، وخلق الأزواج من باب واحد على ما تقدّم من أنه تعالى ذكر من كل باب أمرين للتقرير والتوكيد ، فلما قال في الثانية إنّ في ذلك لآيات كان عائداً إليهما ، وأمّا في قيام السماء والأرض فلأنه ذكر في الآيات السماوية أنها آيات للعالمين ولقوم يعقلون وذلك لظهورها ، فلما كان في أوّل الأمر ظاهراً ففي آخر الأمر بعد سرد الأدلة يكون أظهر فلم يميز أحداً في ذلك عن الآخر ، ثم إنه تعالى لما ذكر الدليل على القدرة والتوحيد ذكر مدلوله وهو قدرته على الإعادة بقوله تعالى : { ثم إذا دعاكم } وأشار إلى هوان ذلك القول عنده بقوله عز وجل { دعوة } أي : واحدة { من الأرض } بأن ينفخ إسرافيل في الصور للبعث من القبور فيها فيقول : أيها الموتى اخرجوا { إذا أنتم تخرجون } أي : منها أحياء بعد اضمحلالكم بالموت والبلا فلا تبقى نسمة من الأوّلين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال تعالى { ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ( الزمر : 68 ) فإن قيل : بم يتعلق من الأرض بالفعل أم بالمصدر ؟ أجيب : بهيهات إذا جاء نهر الله وهو الفعل بطل نهر معقل وهو المصدر ، وثم إما لتراخي زمانه أو لعظم ما فيه . فإن قيل : ما الفرق بين إذا وإذا ؟ أجيب : بأنّ الأولى للشرط والثانية للمفاجأة وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط ، ولذلك نابت مناب الفاء في جواب الأولى .
تنبيه : قال ههنا : إذا أنتم تخرجون وقال تعالى في خلق الإنسان أوّلاً ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ، لأنّ هناك يكون خلق وتقدير وتدريج حتى يصير التراب قابلاً للحياة فينفخ فيه روحه فإذا هو بشر ، وأمّا في الإعادة فلا يكون تدريج وتراخ بل يكون بدء خروج فلم يقل ههنا ثم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.