السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ} (25)

ثم ذكر تعالى من لوازم السماء والأرض قيامهما بقوله تعالى : { ومن آياته } أي : على تمام القدرة وكمال الحكمة { أن تقوم السماء والأرض بأمره } قال ابن مسعود ، قامتا على غير عمد بأمره أي : بإرادته ، فإنّ الأرض لثقلها يتعجب الإنسان من وقوفها وعدم نزولها وكون السماء في علوها يتعجب من علوها وثباتها من غير عمد وهذا من اللوازم ، فإنّ الأرض لا تخرج عن مكانها الذي هي فيه ، وإنما أفرد السماء والأرض لأنّ السماء الأولى والأرض الأولى لا تقبل النزاع ؛ لأنها مشاهدة مع صلاحية اللفظ بالكل لأنه جنس .

تنبيه : ذكر تعالى من كل باب أمرين أما من الأنفس فقوله تعالى { خلقكم } { وخلق لكم } واستدل بخلق الزوجين ، ومن الآفاق السماء والأرض فقال تعالى { خلق السماوات والأرض } ( الروم : 22 ) ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان واختلاف الألوان ومن عوارض الآفاق البرق والأمطار ، ومن لوازمهما قيام السماء والأرض ؛ لأنّ الواحد يكفي للإقرار بالحق والثاني يفيد الاستقرار ، ومن هذا اعتبر شهادة شاهدين ، فإنّ قول أحدهما يفيد الظنّ وقول الآخر يفيد تأكيده ولهذا قال إبراهيم عليه السلام { بلى ولكن ليطمئن قلبي } ( البقرة : 260 ) . فإن قيل : ما الفائدة في قوله تعالى هنا { ومن آياته أن تقوم } ( الروم : 25 ) وقال تعالى قبله { ومن آياته يريكم البرق } ( الروم : 24 ) ولم يقل أن يريكم ليصير كالمصدر بأن ؟ أجيب : بأنّ القيام لما كان غير معتبر أخرج الفعل بأن عن الفعل المستقبل ولم يذكر معه الحروف المصدرية ، فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر ست دلائل وذكر في أربع منها { إنّ في ذلك لآيات } ولم يذكر في الأوّل وهو قوله تعالى { ومن آياته أن خلقكم من تراب } ولا في الآخر وهو قوله { من آياته أن تقوم السماء والأرض } ( الروم : 25 ) ؟ أجيب : عن ذلك : أما عن الأوّل فلأنّ قوله بعده { ومن آياته أن خلق لكم } ( الروم : 21 ) أيضاً دليل الأنفس فخلق الأنفس ، وخلق الأزواج من باب واحد على ما تقدّم من أنه تعالى ذكر من كل باب أمرين للتقرير والتوكيد ، فلما قال في الثانية إنّ في ذلك لآيات كان عائداً إليهما ، وأمّا في قيام السماء والأرض فلأنه ذكر في الآيات السماوية أنها آيات للعالمين ولقوم يعقلون وذلك لظهورها ، فلما كان في أوّل الأمر ظاهراً ففي آخر الأمر بعد سرد الأدلة يكون أظهر فلم يميز أحداً في ذلك عن الآخر ، ثم إنه تعالى لما ذكر الدليل على القدرة والتوحيد ذكر مدلوله وهو قدرته على الإعادة بقوله تعالى : { ثم إذا دعاكم } وأشار إلى هوان ذلك القول عنده بقوله عز وجل { دعوة } أي : واحدة { من الأرض } بأن ينفخ إسرافيل في الصور للبعث من القبور فيها فيقول : أيها الموتى اخرجوا { إذا أنتم تخرجون } أي : منها أحياء بعد اضمحلالكم بالموت والبلا فلا تبقى نسمة من الأوّلين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال تعالى { ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ( الزمر : 68 ) فإن قيل : بم يتعلق من الأرض بالفعل أم بالمصدر ؟ أجيب : بهيهات إذا جاء نهر الله وهو الفعل بطل نهر معقل وهو المصدر ، وثم إما لتراخي زمانه أو لعظم ما فيه . فإن قيل : ما الفرق بين إذا وإذا ؟ أجيب : بأنّ الأولى للشرط والثانية للمفاجأة وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط ، ولذلك نابت مناب الفاء في جواب الأولى .

تنبيه : قال ههنا : إذا أنتم تخرجون وقال تعالى في خلق الإنسان أوّلاً ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ، لأنّ هناك يكون خلق وتقدير وتدريج حتى يصير التراب قابلاً للحياة فينفخ فيه روحه فإذا هو بشر ، وأمّا في الإعادة فلا يكون تدريج وتراخ بل يكون بدء خروج فلم يقل ههنا ثم .