محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ} (25)

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ } أي إرادته لقيامهما . قال أبو السعود : والتعبير عنها بالأمر ، للدلالة على كمال القدرة ، والغنى عن المبادئ والأسباب . وليس المراد بإقامتها إنشاؤهما . لأنه قد بين حاله بقوله تعالى {[6062]} : { ومن آياته خلق السماوات والأرض } ولا إقامتهما بغير مقيم محسوس ، كما قيل . فإن ذلك من تتمات إنشائهما ، وإن لم يصرح به ، تعويلا على ما ذكر في غير موضع من قوله تعالى {[6063]} : { خلق السماوات بغير عمد ترونها } الآية . بل قيامهما واستمرارهما على ما هما عليه ، إلى أجلهما الذي نطق به قوله تعالى فيما قبل {[6064]} : { مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } وحيث كانت هذه الآية متأخرة عن سائر الآيات المعدودة ، متصلة بالبعث في الوجود ، أخرت عنهن وجعلت متصلة به في الذكر أيضا ، فقيل : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } فإنه كلام مسوق للإخبار بوقوع البعث ووجوده ، بعد انقضاء أجل قيامهما ، مترتب على تعداد آياته الدالة عليه ، غير منتظم في سلكها كما قيل . كأنه قيل : ومن آياته قيام السماوات والأرض على هيآتهما بأمره تعالى ، إلى أجل مسمى قدره الله تعالى لقيامهما . ثم إذا دعاكم ، أي بعد انقضاء الأجل من الأرض وأنتم في قبوركم ، دعوة واحدة ، بأن قال : أيها الموتى ! اخرجوا ، فاجأتم الخروج منها ، وذلك قوله تعالى {[6065]} : { يومئذ يتبعون الداعي } انتهى .

لطائف :

الأولى – الدعاء إما على حقيقته ، أو الكلام تمثيل . شبه سرعة ترقب حصول ذلك ، على تعلق إرادته بلا توقف ، واحتياج إلى تجشم عمل ، بسرعة ترقب إجابة الداعي المطاع على دعائه . أو هو مكنية وتخييلية بتشبيه الموتى بقوم يريدون الذهاب إلى محل ملك عظيم يتهيئون لذلك ، وإثبات الدعوة لهم قرينتها .

الثانية – قوله تعالى { من الأرض } متعلق ب ( دعا ) كقوله : دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي ، لا ب { تخرجون } لأن ما بعد { إذا } لا يعمل فيما قبله .

الثالثة – قال الكرخي : قال هنا { إذا أنتم تخرجون } وقال في خلق الإنسان {[6066]} : { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } لأنه هناك يكون خلق وتقدير وتدريج ، حتى يصير التراب قابلا للحياة ، فنفخ فيه الروح ، فإذا هو بشر . وأما في الإعادة فلا يكون تدريج . بل يكون بدء وخروج فلم يقل هنا : ( ثم ) . انتهى .


[6062]:(30 الروم 22).
[6063]:(31 لقمان 10).
[6064]:(30 الروم 8).
[6065]:(20 طه 108).
[6066]:(30 الروم 20).