وقوله - تعالى - : { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى . أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى } .
أى : أرأيت - أيها الرسول الكريم - إن كذب هذا الكافر بما جئته به من عندنا ، وتولى وأعرض عما تدعوه إليه من إيمان وطاعة لله رب العالمين . أرأيت إن فعل ذلك ، أفلا أرشده عقله إلى أن خالق هذا الكون يراه ، وسيجازيه بما يستحقه من عذاب مهين ؟
فالمقصود من هذه الآيات الكريمة التى تكرر فيها لفظ " أرأيت " ثلاث مرات : تسلية النبى صلى الله عليه وسلم . وتعجيبه من حال هذا الإِنسان الطاغى الشقى ، الذى أصر على كفره . وآثر الغي على الرشد . والشرك على الإِيمان . . وتهديد هذا الكافر الطاغي بسوء المصير ، لأن الله - تعالى - مطلع على أعماله القبيحة . . وسيعاقبه العقاب الأكبر .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : فأين جواب الشرط - أي فى قوله - تعالى - : { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الهدى } ؟ قلت : هو محذوف تقديره : إن كان على الهدى ، ألم يعلم بأن الله يرى ، وإنما حذف لدلالة ذكره فى جواب الشرط الثانى .
فإن قلت : فكيف صح أن يكون " ألم يعلم " جوابا للشرط ؟ قلت : كما صح فى قولك : إن أكرمتك أتكرمنى ؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه ؟
ثم قال تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى } نزلت في أبي جهل ، لعنه الله ، توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت ، فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا فقال : { أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى } أي : فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ، أو { أَمَرَ بِالتَّقْوَى } بقوله ، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ؛ ولهذا قال : { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } أي : أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه ، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنّ اللّهَ يَرَىَ * كَلاّ لَئِن لّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُو الزّبَانِيَةَ * كَلاّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب } .
يقول تعالى ذكره : ألم يعلم أبو جهل إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه ، والصلاة له ، بأن الله يراه فيخاف سطوته وعقابه . وقيل : { أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ، أرأيت إن كان على الهدى } ، فكررت أرأيت مرات ثلاثا على البدل . والمعنى : أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ، وهو مكذّب متولّ عن ربه ، ألم يعلم بأن الله يراه .
وكذا الذي في قوله { أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى } والشرطية مفعوله الثاني ، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب الشرط الثاني الواقع موقع القسيم له ، والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه ، أو آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده ، أو إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الصواب كما تقول ، { ألم يعلم بأن الله يرى } ويطلع على أحواله من هداه وضلاله . وقيل : المعنى أرأيت الذي ينهى عبدا يصلي ، والمنهي على الهدى آمرا بالتقوى ، والناهي مكذب متول ، فما أعجب من ذا . وقيل : الخطاب في الثانية مع الكافر ، فإنه سبحانه وتعالى كالحاكم الذي حضره الخصمان : يخاطب هذا مرة ، والآخر أخرى ، وكأنه قال : يا كافر ، أخبرني إن كان صلاته هدى ودعاؤه إلى الله سبحانه وتعالى أمرا بالتقوى أتنهاه ؟ ولعله ذكر الأمر بالتقوى في التعجب والتوبيخ ، ولم يتعرض له في النهي ؛ لأن النهي كان عن الصلاة والأمر بالتقوى ، فاقتصر على ذكر الصلاة ؛ لأنه دعوة بالفعل ، أو لأن نهي العبد إذا صلى يحتمل أن يكون لها ولغيرها وعامة أحوالها محصورة في تكميل نفسه بالعبادة وغيره بالدعوة .
وقوله تعالى : { أرأيت } توقيف ، وهو فعل لا يتعدى إلى مفعولين على حد الرؤية من العلم بل يقتصر به ، وقوله تعالى : { ألم يعلم بأن الله يرى } إكمال للتوبيخ والوعيد بحسب التوقيفات الثلاث يصلح مع كل واحد منهما ، فجاء بها في نسق ، ثم جاء بالوعيد الكافي لجميعها اختصاراً واقتضاباً ، ومع كل تقرير من الثلاثة تكملة مقدرة تتسع العبارات فيها ، وقوله : { ألم يعلم } دال عليها مغن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.