المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

164- وكذلك أرسلنا رسلاً كثيرين ذكرنا لك أنباءهم من قبل ، ورسلاً آخرين لم نذكر قصصهم ، وكانت طريقة الوحي إلى موسى أن كلَّمه الله تكليماً من وراء حجاب بلا واسطة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

قوله تعالى : { ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل } ، أي :وكما أوحينا إلى نوح وإلى الرسل ، { رسلاً } نصب بنزع حرف الصفة ، وقيل معناه : وقصصنا عليك رسلاً ، وفي قراءة أبي : { ورسل قد قصصناهم عليك من قبل } ،

قوله تعالى : { ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً } ، قال الفراء : العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصل ، ولكن لا تحققه بالمصدر ، فإذا حقق بالمصدر ، لم يكن إلا حقيقة الكلام ، كالإرادة ، يقال : أراد فلان إرادةً ، يريد حقيقة الإرادة ، ويقال :أراد الجدار ، ولا يقال أراد الجدار إرادة ، لأنه مجاز غير حقيقة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله ، ومنهم من لم يقصصه عليه ، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم ، بالسعادة الدنيوية والأخروية ، ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا : { مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ }

فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى يبينون لهم أمر دينهم ، ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار ، فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه .

وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ، وذلك أيضا من فضله وإحسانه ، حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر فأزال هذا الاضطرار ، فله الحمد وله الشكر . ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم ، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم ، إنه جواد كريم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

ثم أجمل - سبحانه - بيان الرسل الذين أرسلهم فقال : { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } .

وقوله : { وَرُسُلاً } منصوب بفعل مقدر قبله . أى : وأرسلنا رسلا قد أخبرناك عنهم ، وقصصنا عليك أنباءهم فيما نزل عليك من قرآن قبل نزول الآيات عليك . وأرسلنا رسلا آخرين غيرهم لم نقصص عليك أخبارهم ؛ لأن حكمتنا تقتضى ذلك ، ولأن فيما قصصناه عليك من أخبار بعضهم عظات وعبرا لقوم يؤمنون .

هذا ، وقد تكلم بعض العلماء عن عدد الأنبياء والرسل ، واستندوا فى كلامهم على أخبار وأحاديث لم تسلم أسانيدها من الطعن فيها .

قال ابن كثير : وقد اختلف فى عدة الأنبياء والمرسلين ، والمشهور فى ذلك حديث أبى ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مردويه فى تفسيره حيث قال : حدثنا إبراهيم بن محمد . عن أبى إدريس الخولانى " عن أبى ذر قال : قلت يا رسول الله : كم عدد الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا . قلت يا رسول الله . كم الرسل منهم ؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر . . " " .

وقوله : { وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً } تشريف لموسى - عليه السلام - بهذه الصفة ولهذا يقال له : موسى الكليم . أى . وخاطب الله موسى مخاطبة من غير واسطة .

قال الجمل : والجملة إما معطوفة على قوله : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } عطف القصة على القصة ، وإما حال بتقدير قد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات .

وقوله { تَكْلِيماً } مصدر مؤكد لعامله رافع لاحتمال المجاز .

قال الفراء : العرب تسمى ما وصل إلى الإِنسان كلاما بأى طريق وصل . ما لم يؤكد بالمصدر . فإن أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام .

فدل قوله { تَكْلِيماً } على أن موسى قد سمع كلام الله - تعالى - حقيقة من غير واسطة ، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا هو - سبحانه - .

وقد سابق بعض المفسرين نقولا حسنة فى مسألة كلام الله - تعالى - فارجع إليها إن شئت .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

148

( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )

وغيرهم ممن قصهم الله على نبيه [ ص ] في القرآن ، وممن لم يقصصهم عليه . . موكب من شتى الأقوام والأجناس ، وشتى البقاع والأرضين . في شتى الآونة والأزمان . لا يفرقهم نسب ولا جنس ، ولا أرض ولا وطن . ولا زمن ولا بيئة . كلهم آت من ذلك المصدر الكريم . وكلهم يحمل ذلك النور الهادي . وكلهم يؤدي الإنذار والتبشير . وكلهم يحاول أن يأخذ بزمام القافلة البشرية إلى ذلك النور . . سواء منهم من جاء لعشيرة . ومن جاء لقوم . ومن جاء لمدينة ومن جاء لقطر . . ثم من جاء للناس أجمعين : محمد رسول الله [ ص ] خاتم النبيين .

كلهم تلقى الوحي من الله . فما جاء بشيء من عنده . وإذا كان الله قد كلم موسى تكليما فهو لون من الوحي لا يعرف أحد كيف كان يتم . لأن القرآن - وهو المصدر الوحيد الصحيح الذي لا يرقى الشك إلى صحته - لم يفصل لنا في ذلك شيئا . فلا نعلم إلا أنه كان كلاما . ولكن ما طبيعته ؟ كيف تم ؟ بأية حاسة أو قوة كان موسى يتلقاه ؟ . . . كل ذلك غيب من الغيب لم يحدثنا عنه القرآن . وليس وراء القرآن - في هذا الباب - إلا أساطير لا تستند إلى برهان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

وقوله { وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } أي : من قبل هذه الآية ، يعني : في السور المكية وغيرها .

وهذه تسمية الأنبياء الذين نُصَّ{[8722]} على أسمائهم في القرآن ، وهم : آدم وإدريس ، ونوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ، وأيوب ، وشعيب ، وموسى ، وهارون ، ويونس ، وداود ، وسليمان ، وإلياس ، والْيَسَع ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى [ عليهم الصلاة والسلام ]{[8723]} وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين ، وسيدهم محمد صلى الله وعليه وسلم .

وقوله : { وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } أي : خلقا آخرين لم يذكروا في القرآن ، وقد{[8724]} اختلف في عدة الأنبياء والمرسلين والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مَرْدُويه ، رحمه الله ، في تفسيره ، حيث قال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن ، والحسين بن عبد الله بن يزيد قالا حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني{[8725]} حدثني أبي عن جدي ، عن أبي إدريس الخَوْلاني ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا " . قلت : يا رسول الله ، كم الرسل منهم ؟ قال : " ثلاثمائة وثلاثة عشر جَمّ غَفِير " . قلت : يا رسول الله ، من كان أولهم ؟ قال : " آدم " . قلت : يا رسول الله ، نبي مرسل ؟ قال : " نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، ثم سَوَّاه قِبَلا " . ثم قال : " يا أبا ذر ، أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، ونوح ، وخَنُوخ - وهو إدريس ، وهو أول من خط بقلم - وأربعة من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا أبا ذر ، وأول نبي من أنبياء بني إسرائيل موسى ، وآخرهم عيسى . وأول النبيين آدم ، وآخرهم نبيك " .

قد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه : " الأنواع والتقاسيم " وقد وَسَمَه بالصحة ، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي ، فذكر هذا الحديث في كتابه " الموضوعات " ، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا ، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث{[8726]} فالله أعلم .

وقد روي الحديث{[8727]} من وجه آخر ، عن صحابي آخر ، فقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا مُعَان بن رفاعة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمَامة قال : قلت : يا نبي الله ، كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غَفِيرًا " .

مُعَان بن رفاعة السَّلامي ضعيف ، وعلي بن يزيد ضعيف ، والقاسم أبو عبد الرحمن ضعيف أيضا{[8728]} .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أحمد بن إسحاق أبو عبد الله الجوهري البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الرَّبَذي ، عن يزيد الرَّقَاشي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعث الله ثمانية آلاف نبي ، أربعة آلاف إلى بني إسرائيل ، وأربعة آلاف إلى سائر الناس " .

وهذا أيضا إسناد ضعيف فيه الربذي ضعيف ، وشيخه الرَّقَاشي أضعف منه أيضا{[8729]} والله أعلم .

وقال أبو يعلى : حدثنا أبو الربيع ، حدثنا محمد بن ثابت العَبْدِي ، حدثنا محمد بن خالد الأنصاري ، عن يزيد الرَّقَاشي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي ، ثم كان عيسى ابن مريم ، ثم كنت أنا " {[8730]} .

وقد رويناه عن أنس من وجه آخر ، فأخبرني الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، أخبرنا أبو الفضل بن عساكر ، أنبأنا الإمام أبو بكر القاسم بن أبي سعيد الصفار ، أخبرتنا عمة أبي ، عائشة بنت أحمد بن منصور بن الصفار ، أخبرنا الشريف أبو السنابك هبة الله بن أبي الصهباء محمد بن حيدر القُرَشِي ، حدثنا الإمام الأستاذ أبو إسحاق الإسْفَراييني قال : أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن طارق ، حدثنا مسلم بن خالد ، حدثنا زياد بن سعد ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن صفوان بن سُلَيْم ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت على إثر من ثلاثة آلاف نبي من بني إسرائيل " . وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده لا بأس به ، رجاله كلهم معروفون إلا أحمد بن طارق هذا ، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح{[8731]} والله أعلم .

حديث أبي ذر الغفاري الطويل في عدد الأنبياء عليهم السلام :

قال محمد بن الحسين الآجري : حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الفِرْيابي إملاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين ، حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغسَّاني ، حدثنا أبي ، عن جده عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر قال : دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده ، فجلست إليه فقلت : يا رسول الله ، إنك أمرتني بالصلاة . قال : " الصلاة خير موضوع فاستكثر أو استقل " . قال : قلت : يا رسول الله ، فأي الأعمال أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ، وجهاد في سبيله " . قلت : يا رسول الله ، فأي المؤمنين أفضل ؟ قال : " أحسنهم خلقا " . قلت : يا رسول الله ، فأي المسلمين أسلم ؟ قال : " من سَلِمُ الناسُ من لسانه ويده " . قلت : يا رسول الله ، فأي الهجرة أفضل ؟ قال : " من هَجَر السيئات " . قلت : يا رسول الله ، أيّ الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " . قلت : يا رسول الله ، فأي الصيام أفضل ؟ قال : " فَرْضٌ مجزئ وعند الله أضعاف كثيرة " . قلت : يا رسول الله ، فأي الجهاد أفضل ؟ قال : " من عُقِر جَواده وأهرِيق دَمُه " . قلت : يا رسول الله ، فأيّ الرقاب أفضل ؟ قال : " أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها " . قلت : يا رسول الله فأيّ الصدقة أفضل ؟ قال : " جَهْد من مُقِلٍّ ، وسر إلى فقير " . قلت : يا رسول الله ، فأيّ آية ما أنزل عليك أعظم [ منها ]{[8732]} ؟ قال : " آية الكرسي " . ثم قال : " يا أبا ذر ، وما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فَلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " . قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا " قال : قلت : يا رسول الله ، كم الرسل من ذلك ؟ قال : " ثلاثمائة ، وثلاثة عشر جمٌّ غَفيرٌ كثير طيب " . قلت : فمن كان أولهم ؟ قال : " آدم " . قلت : أنبي مرسل ؟ قال : " نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ{[8733]} فيه من روحه ، وسَوَّاه قَبِيلا{[8734]} ثم قال : " يا أبا ذر ، أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، وخَنُوخ - وهو إدريس ، وهو أول من خط بقلم - ونوح . وأربعة من العرب : هود ، وشعيب ، وصالح ، ونبيك يا أبا ذر . وأول أنبياء بني إسرائيل موسى ، وآخرهم عيسى . وأول الرسل{[8735]} آدم ، وآخرهم محمد " . قال : قلت : يا رسول الله ، كم كتابًا أنزله الله ؟ قال : " مائة كتاب وأربعة كتب ، وأنزل الله على شيث خمسين ، صحيفة ، وعلى خَنُوخ ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، وأنزل على موسى من قبل التوراة عشر صحائف والإنجيل والزبور والفرقان " . قال : قلت : يا رسول الله ، ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : " كانت كلها : يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر . وكان فيها مثال : وعلى العاقل أن يكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفكر في صنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب . وعلى العاقل ألا يكون ضاغنا إلا لثلاث : تزود لمعاد ، أو مَرَمَّة لمعاش ، أو لذة في غير محرم . وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظًا للسانه ، ومَنْ حَسِب كلامه من عمله قَلَّ كلامه إلا فيما يعنيه " . قال : قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف موسى ؟ قال : " كانت عِبَرًا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالقَدَر ثم هو يَنْصب ، وعجبت لمن يرى الدنيا وتَقَلُّبَهَا بأهلها ثم يطمئن إليها ، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم هو لا يعمل " قال : قلت : يا رسول الله ، فهل في أيدينا شيء مما في أيدي إبراهيم وموسى ، وما أنزل الله عليك ؟ قال : " نعم ، اقرأ يا أبا ذر : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } [ الأعلى : 14 - 19 ] .

قال : قلت يا رسول الله ، فأوصني . قال : " أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس أمرك " .

قال : قلت يا رسول الله ، زدْني . قال : " عليك بتلاوة القرآن ، وذِكْر الله ، فإنه ذكرٌ لك في السماء ، ونورٌ لك في الأرض " .

قال : قلت : يا رسول الله ، زدني . قال : " إياك وكثرة الضحك . فإنه يميت القلب ، ويُذْهِبُ بنور الوجه " . قلت : زدني . قال : " عليك بالجهاد ، فإنه رهبانية أمتي " . قلت : زدني . قال : " عليك بالصمت إلا من خير ، فإنه مَطْرَدَةٌ للشيطان{[8736]} وعون لك على أمر دينك " .

قلت : زدني . قال : " انظر إلى من هو تحتك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإنه أجدر لك ألا تزدري نعمة الله عليك " .

قلت : زدني . قال : " أحبب المساكين وجالسهم ، فإنه أَجْدرُ أن لا تزدري نعمة الله عليك " . قلت : زدني . قال : " صل قرابتك وإن قطَعوك " . قلت : زدني . قال : " قل الحق وإن كان مرا " .

قلت : زدني . قال : " لا تخف في الله لومة لائم " .

قلت : زدني . قال : " يَرُدَّك عن الناس ما تعرف عن نفسك ، ولا تَجِدُ عليهم فيما تحب ، وكفى بك عيبًا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك . أو تجد عليهم فيما تحب " .

ثم ضرب بيده صدري ، فقال : " يا أبا ذر ، لا عَقْل كالتدبير ، ولا وَرَع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق " {[8737]}

وروى الإمام أحمد ، عن أبي المغيرة ، عن مُعَان بن رفاعة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة : أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر أمر الصلاة ، والصيام ، والصَدقة ، وفَضْلَ آية الكرسي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأفضلَ الشهداءِ ، وأفضلَ الرقاب ، ونبوة آدم ، وأنه مُكَلَّم ، وعددَ الأنبياء والمرسلين ، كنحو ما تقدم{[8738]} .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثني عبد المتعالي بن عبد الوهاب ، حدثنا يحيى بن سعيد الأمَوي ، حدثنا مُجَالِد عن أبي الوَدَّاك قال : قال أبو سعيد : هل تقول الخوارج بالدجال ؟ قال : قلت : لا . فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني خاتمُ ألفِ نبيّ أو أكثرَ ، وما بُعِثَ نبيٌّ يُتَّبعُ إلا وقد حذر أمته منه ، وإني قد بُيِّنَ لي ما لم يُبَيَّن [ لأحد ]{[8739]} وإنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى ، كأنها نخامة في حائط مُجَصَّص ، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري ، معه من كل لسان ، ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء ، وصورة النار سوداء تَدْخُن " {[8740]} .

وقد رويناه في الجزء الذي فيه رواية أبي يعلى الموصلي ، عن يحيى بن مَعين ، حدثنا مروان بن معاوية ، حدثنا مُجَالِد ، عن أبي الودَّاك ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أختم ألفَ ألفَ نبيٍّ أو أكثرَ ، ما بعث الله من نبي إلى قومه إلا حذَّرهم الدجالَ . . . . " وذكر تمام الحديث ، هذا لفظه بزيادة " ألْف " وقد تكون مُقْحَمة{[8741]} والله أعلم . وسياق رواية الإمام أحمد أثبت وأولى بالصحة ، ورجال إسناد هذا الحديث لا بأس بهم ، وروي هذا الحديث من طريق جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال الحافظ أبو بكر البزار :

حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا مُجَالد ، عن الشَّعبي ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لخاتمُ ألف نبيٍّ أو أكثر ، وإنه ليس منهم نبيٌّ إلا وقد أنذر قومه الدَّجالَ ، وإني قد بُيِّن{[8742]} لي ما لم يُبَيَّن لأحد منهم وإنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعورَ " {[8743]} .

وقوله : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } وهذا تشريف لموسى ، عليه السلام ، بهذه الصفة ؛ ولهذا يقال له : الكليم . وقد قال الحافظ أبو بكر بن مَرْدويه : حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان المالكي ، حدثنا مَسيحُ بن حاتم ، حدثنا عبد الجبار{[8744]} بن عبد الله قال : جاء رجل إلى أبي بكر بن عيَّاش فقال : سمعت رجلا يقرأ : " وكلم الله موسى تكليما " فقال أبو بكر : ما قرأ هذا إلا كافر ، قرأتُ على الأعمش ، وقرأ الأعمش على [ يحيى ]{[8745]} بن وثاب ، وقرأ يحيى بن وثَّاب على أبي عبد الرحمن السَّلْمِيّ ، وقرأ أبو عبد الرحمن ، عَلَى عَلِيِّ بن أبي طالب ، وقرأ علي بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }{[8746]} .

وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش ، رحمه الله ، على مَن قرأ كذلك ؛ لأنه حَرّف لفظ القرآن ومعناه ، وكان هذا من المعتزلة الذين ينكرون أن [ يكون ]{[8747]} الله كلَّم موسى ، عليه السلام ، أو يكلم أحدًا من خلقه ، كما رويناه{[8748]} عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ : " وكلم الله موسى تكليما " فقال له : يا ابن اللَّخْنَاء ، فكيف تصنع بقوله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [ الأعراف : 143 ] ، يعني : أن هذا لا يحتمل التحريف ولا التأويل .

وقال ابن مَرْدُوَية : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن الحسين بن بَهْرَام ، حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا هانئ بن يحيى ، عن الحسن بن أبي جعفر ، عن قتادة عن يحيى بن وَثَّاب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَما كلم الله موسى كان يُبْصِرُ دبيبَ النمل على الصفا في الليلة الظلماء " . وهذا حديث غريب ، وإسناده لا يصح ، وإذا صح موقوفًا كان جيدًا{[8749]} .

وقد روى الحاكم في مستدركه وابن مردويه ، من حديث حميد بن قيس الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان على موسى يوم كلمه ربُّه جبة صوف ، وكساء صوف ، وسراويل صوف ، ونعلان من جلد حمار غير ذكي " {[8750]} .

وقال ابن مردويه بإسناده عن جُوَيْبر ، عن الضَّحاك عن ابن عباس قال : إن الله ناجَى موسى بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة ، في ثلاثة أيام ، وصايا كلها ، فلما سمع موسى كلام الآدميين مَقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب ، عز وجل .

وهذا أيضًا إسناد ضعيف ، فإن جُوَيْبِرًا ضعيف ، والضَّحاك لم يدرك ابنَ عباس ، رضي الله عنه . فأما الأثر الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مَرْدُويه وغيرهما من طريق الفضل بن عيسى الرَّقَاشي ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : لما كلم الله موسى يوم الطورِ ، كلَّمه بغير الكلام الذي كلَّمه يوم ناداه ، فقال له موسى : يا رب ، هذا كلامك الذي كلمتني به ؟ قال : لا يا موسى ، أنا كلمتك بقوة عَشَرةِ آلاف لسان ، ولي قوةُ الألْسِنة كلها ، وأنا أقوى من ذلك . فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، صِفْ لنا كلام الرحمن . قال : لا أستطيعه . قالوا : فشبه لنا . قال : ألم تسمعوا{[8751]} إلى صوت الصواعق فإنها قريب منه ، وليس به . وهذا إسناد ضعيف ، فإن الفضلَ هذا الرقاشي ضعيف بمرة .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن جَزْء بن جابر الخَثْعَمي ، عن كعب قال : إن الله لما كلم موسى كلمه بالألسنة كلها سِوَى كلامه ، فقال له موسى يا رب ، هذا كلامك ؟ قال : لا ولو كلمتك بكلامي لم تَستَقِمْ له . قال : يا رب ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا وأشد خلقي شبها بكلامي أشد ما تسمعون من الصواعق .

فهذا موقوف على كعب الأحبار ، وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل ، وفيها الغَثُّ والسَّمِين .


[8722]:في د: "نص الله".
[8723]:زيادة من أ.
[8724]:في د: "ولذا".
[8725]:في أ: "يحيى بن يحيى الغساني".
[8726]:صحيح ابن حبان برقم (94) "موارد" ورواه أبو نعيم في الحلية (1/166) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى به.وإبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال الذهبي: "وهو صاحب حديث أبي ذر الطويل انفرد به عن أبيه عن جده".
[8727]:في ر: "هذا".
[8728]:ذكره السيوطي في الدر المنثور(2/746).
[8729]:مسند أبي يعلى (7/160) ورواه أبو نعيم في الحلية(3/53) من طريق مكي بن إبراهيم به.قال الهيثمي في المجمع (8/210): "فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف جدًا".
[8730]:مسند أبي يعلى (7/131) وقال الهيثمي في المجمع (8/211): "فيه محمد بن ثابت العبدي وهو ضعيف".
[8731]:ورواه أبو نعيم في الحلية (3/162) من طريق مسلم بن خالد الزنجي به. وقال: "غريب".
[8732]:زيادة من أ.
[8733]:في د: "ثم نفخ".
[8734]:في أ: "قبلا".
[8735]:في د: "النبيين".
[8736]:في أ: "للشياطين".
[8737]:الشريعة للآجري (ص 404) وفي إسناده إبراهيم بن هشام الغساني، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، وقد انفرد به عن أبيه عن جده.
[8738]:المسند (5/265).
[8739]:زيادة من أ، والمسند.
[8740]:المسند(3/79) وقال الهيثمي في المجمع (7/346): "فيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي في رواية، وقال في أخري: ليس بالقوي. وضعفه جماعة.
[8741]:ورواه الحاكم في المستدرك (2/597) من طريق يحيى بن معين به، وقال الذهبي: مجالد وهو ضعيف، وليس فيه زيادة "ألف" وهي مقمحة كما ذكر المؤلف.
[8742]:في أ: "تبين".
[8743]:مسند البزار برقم (3380) "كشف الأستار".
[8744]:في د: "عبد الجليل".
[8745]:زيادة من أ.
[8746]:ورواه الطبراني في الأوسط برقم (3325) "مجمع البحرين" من طريق مسيح بن حاتم به. وقال الطبراني: "لم يروه عن الأعمش إلا أبو بكر، تفرد به عبد الجبار بن عبد الله لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
[8747]:زيادة من أ.
[8748]:في أ: "تروا".
[8749]:ورواه الطبراني في المعجم الصغير برقم (77)، من طريق أحمد بن الحسين بن بهرام به، وقال الهيثمي في المجمع (8/203): "فيه الحسين بن أبي جعفر الجفري: وهو متروك".
[8750]:المستدرك (2/379) ورواه الترمذي في السنن برقم (1734) من طريق حميد الأعرج به.قال الحاكم: "على شرط البخاري"، وتعقبه الذهبي بقوله: "بل ليس على شرطه، وإنما غره أن في إسناده حميد بن قيس كذا، وهو خطأ، إنما هو حميد الأعرج الكوفي ابن علي أو ابن عمار أحد المتروكين فظن أنه المكي الصادق.
[8751]:في أ: "تروا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَىَ تَكْلِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : إنا أوحينا إليك ، كما أوحينا إلى نوح ، وإلى رسل قد قصصناهم عليك ، ورسل لم نقصصهم عليك . فلعل قائلاً أن يقول : فإذا كان ذلك معناه ، فما بال قوله : وَرُسُلاً منصوبا غير مخفوض ؟ قيل : نصب ذلك إذا لم تعد عليه «إلى » التي خفضت الأسماء قبله ، وكانت الأسماء قبلها وإن كانت مخفوضة ، فإنها في معنى النصب ، لأن معنى الكلام : إنا أرسلناك رسولاً كما أرسلنا نوحا والنبيين من بعده ، فعطفت الرسل على معنى الأسماء قبلها في الإعراب ، لانقطاعها عنها دون ألفاظها ، إذ لم يعد عليها ما خفضها ، كما قال الشّاعر :

لَوْ جِئْتَ بالخُبْزِ لَهُ مُنَشّرَا ***والبَيْضَ مَطْبُوخا مَعا والسّكّرَا

*** لمْ يُرْضِهِ ذَلِكَ حتى يَسْكَرَا ***

وقد يحتمل أن يكون نصب الرسل ، لتعلق الواو بالفعل ، بمعنى : وقصصنا رسلاً عليك من قبل ، كما قال جلّ ثناؤه : يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ أعَدّ لَهُمْ عَذَابا ألِيما ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أُبَيّ : «وَرُسُلٌ قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلٌ لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » فرفع ذلك إذا قرىء كذلك بعائد الذكر في قوله : قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ .

وأما قوله : وكَلّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيما فإنه يعني بذلك جلّ ثناؤه : وخاطب الله بكلامه موسى خطابا . وقد :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا نوح بن أبي مريم ، وسئل : كيف كلّم الله موسى تكليما ؟ فقال : مشافهة .

وقد حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن مبارك ، عن معمر ويونس ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، قال : أخبرني جزء بن جابر الخثعمي ، قال : سمعت كعبا يقول : إن الله جلّ ثناؤه لمّا كلم موسى ، كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه يعني كلام موسى فجعل يقول : يا ربّ لا أفهم حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة ، فقال : يا ربّ هكذا كلامك ؟ قال : لا ، ولو سمعت كلامي أي على وجهه لم تك شيئا . قال ابن وكيع ، قال أبو أسامة : وزادني أبو بكر الصغاني في هذا الحديث : أن موسى قال : يا ربّ هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما تسمع الناس من الصواعق .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت محمد بن كعب القُرَظيّ ، يقول : سئل موسى : ما شبّهتَ كلام ربك مما خلق ؟ فقال موسى : الرعد الساكن .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن ، أنه أخبره عن جزء بن جابر الخثعمي ، قال : لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق يقول : والله يا ربّ ما أفقه هذا حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته ، فقال موسى : يا ربّ هذا كلامك ؟ قال : لا ، قال : هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع الناس من الصواعق .

حدثني أبو يونس المكيّ ، قال : حدثنا ابن أبي أُوَيس ، قال : أخبرني أخي ، عن سليمان ، عن محمد بن أبي عتيق ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، أنه أخبره جَزْء بن جابر الخثعمي ، أنه سمع الأحبار تقول : لمّا كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق موسى يقول : أي ربّ ، والله ما أفقه هذا حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته ، فقال موسى : أي ربّ ، أهكذا كلامك ؟ فقال : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا . قال : أي ربّ هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ فقال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع من الصواعق .

حدثنا ابن عبد الرحمين ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا زهير ، عن يحيى ، عن الزهريّ ، عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن جزء بن جابر ، أنه سمع كعبا يقول : لما كلم الله موسى بالألسنة قبل لسانه ، طفق موسى يقول : أي ربّ ، إني لا أفقه هذا حتى كلمه الله آخر الألسنة بمثل لسانه ، فقال موسى : أي ربّ هذا كلامك ؟ قال الله : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا . قال : يا ربّ ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خَلْقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع من الصواعق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

{ ورسلا } نصب بمضمر دل عليه أوحينا إليك كأرسلنا أو فسره : { قد قصصناهم عليك من قبل أي من قبل هذه السورة أو اليوم . { ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما } وهو منتهى مراتب الوحي خص به موسى من بينهم ، وقد فضل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن أعطاه مثل ما أعطى كل واحد منهم .