المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

180- وللَّه - دون غيره - الأسماء الدالة على أكمل الصفات ، فأجروها عليه دعاء ونداء وتسمية ، وابتعدوا عن الذين يميلون فيها إلى ما لا يليق بذاته العلية وإنهم سيُجْزُون جزاء أعمالهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } ، قال مقاتل : وذلك أن رجلاً دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن . فقال بعض مشركي مكة : إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو اثنين ؟ فأنزل الله عز وجل : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } . والحسنى تأنيث الأحسن ، كالكبرى والصغرى ، فادعوه بها .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله ابن بشران ، أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لله تسعةً وتسعين اسماً ، مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة ، وإنه وتر يحب الوتر ) .

قوله تعالى : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } ، قرأ حمزة : { يلحدون } بفتح الياء والحاء حيث كان ، وافقه الكسائي في النحل ، والباقون بضم الياء وكسر الحاء ، ومحنى الإلحاد هو : الميل عن القصد ، يقال : ألحد يلحد إلحادا ، ولحد يلحد لحدا ولحودا ، إذا مال ، قال يعقوب بن السكيت : الإلحاد هو العدول عن الحق ، وإدخال ما ليس منه فيه ، يقال : ألحد في الدين ، ولحد ، وبه قرأ حمزة .

قوله تعالى : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } هم المشركون ، عدوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه ، فسموا بها أوثانهم ، فزادوا ونقصوا ، فاشتقوا اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، هذا قول ابن عباس ، ومجاهد . وقيل : هو تسميتهم الأصنام آلهة . وروي عن ابن عباس : يلحدون في أسمائه أي يكذبون . وقال أهل المعاني : الإلحاد في أسماء الله ، تسميته بما لم يتسم به ، ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجملته : أن أسماء الله تعالى على التوقيف ، فإنه يسمى جواداً ولا يسمى سخياً ، وإن كان في معنى الجواد ، ويسمى رحيماً ولا يسمى رفيقاً ، ويسمى عالماً ولا يسمى عاقلاً . وقال تعالى : { يخادعون الله وهو خادعهم } [ النساء : 142 ] وقال عز من قائل : { ومكروا ومكر الله } [ آل عمران : 54 ] ، ولا يقال في الدعاء يا مخادع ، يا مكار ، بل يدعى بأسمائه التي ورد بها التوقيف على وجه التعظيم فيقال : يا الله ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا عزيز ، يا كريم ، ونحو ذلك .

قوله تعالى : { سيجزون ما كانوا يعملون } في الآخرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

180 وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه ، بأن له الأسماء الحسنى ، أي : له كل اسم حسن ، وضابطه : أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة ، وبذلك كانت حسنى ، فإنها لو دلت على غير صفة ، بل كانت علما محضا لم تكن حسنى ، وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال ، بل إما صفة نقص أو صفة منقسمة إلى المدح والقدح ، لم تكن حسنى ، فكل اسم من أسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها ، مستغرق لجميع معناها .

وذلك نحو العليم الدال على أن له علما محيطا عاما لجميع الأشياء ، فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .

و كالرحيم الدال على أن له رحمة عظيمة ، واسعة لكل شيء .

و كالقدير الدال على أن له قدرة عامة ، لا يعجزها شيء ، ونحو ذلك .

ومن تمام كونها " حسنى " أنه لا يدعى إلا بها ، ولذلك قال : فَادْعُوهُ بِهَا وهذا شامل لدعاء العبادة ، ودعاء المسألة ، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب ، فيقول الداعي مثلا اللّهم اغفر لي وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم ، وتب عَلَيَّ يا تواب ، وارزقني يا رزاق ، والطف بي يا لطيف ونحو ذلك .

وقوله : وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي : عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه ، وحقيقة الإلحاد الميل بها عما جعلت له ، إما بأن يسمى بها من لا يستحقها ، كتسمية المشركين بها لآلهتهم ، وإما بنفي معانيها وتحريفها ، وأن يجعل لها معنى ما أراده اللّه ولا رسوله ، وإما أن يشبه بها غيرها ، فالواجب أن يحذر الإلحاد فيها ، ويحذر الملحدون فيها ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه صلى الله عليه وسلم ( أن للّه تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنة )

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

وبعد أن بين - سبحانه - حال المخلوقين لجهنم بسبب غفلتهم وإهمالهم لعقولهم وحواسهم ، أعقبه ببيان العلاج الذي يشفى من ذلك ، وبالنهى عن اتباع المائلين عن الحق فقال - تعالى - : { وَللَّهِ الأسمآء الحسنى . . . } .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَللَّهِ الأسمآء الحسنى فادعوه بِهَا } أمر بإخلاص العبادة لله - تعالى - ومجانبة الملحدين والمشركين . قال مقاتل وغيره من المفسرين : نزلت الآية في رجل من المسلمين كان يقول في صلاته : يا رحمن يا رحيم . فقال رجل من مشركى مكة : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ فنزلت " .

والأسماء : جمع اسم ، وهو اللفظ الدال على الذات فقط أو على الذات مع صفة من صفاتها سواء كان مشتقا كالرحمن ، والرحيم ، أو مصدراً كالرب والسلام .

والحسنى : تأنيث الأحسن أفعل تفضيل ، ومعنى ذلك أنها أحسن الأسماء وأجلها ، لأنبائها عن أحسن المعانى وأشرفها .

والمعنى : ولله - تعالى - وحده جميع الأسماء الدالة على أحسن المعانى وأكمل الصفات فادعوه أى سموه واذكروه ونادوه بها .

روى الشيخان عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعة وتسعين اسماً من حفظها دخل الجنة والله وتر يحب الوتر " .

قال الآلوسى : والذى أراه أنه لا حصر لأسمائه - عزت أسماؤه - في التسعة والتسعين ، ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقى عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أصابه هم أو حزن فليقل : اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتى في يدك ماضى في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استاثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وذهاب همى وجلاء حزنى . . . إلخ " فهذا الحديث صريح في عدم الحصر .

وحكى النووى اتفاق العلماء على ذلك وأن المقصود من الحديث الإخبار بأن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة ، وهو لا ينافى أن له - تعالى - أسماء غيرها " .

ثم قال - تعالى - { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

ويلحدون من الإلحاد وهو الميل والانحراف ، يقال : ألحد إلحاداً إذا مال عن القصد والاستقامة ، وألحد في دين الله : حاد عنه ؛ ومنه لحد القبر لأنه يمال بحفره إلى جانبه بخلاف الضريح فإنه يحفر في وسطه .

والمعنى : ولله - تعالى - أشرف الأسماء وأجلها فسموه بها أيها المؤمنون ، واتركوا جميع الذين يلحدون في أسمائه - سبحانه - بالميل لألفاظها أو معانيها عن الحق من تحريف أو تأويل أو تشبيه أو تعطيل أو ما ينافى وصفها بالحسنى اتركوا هؤلاء جميعا فإنهم سيلقون جزاء عملهم من الله رب العالمين .

ومن مظاهر إلحاد الملحدين في أسمائه - تعالى - تسمية أصنامهم باسماء مشتقة منها ، كاللات : من الله - تعالى - ، والعزى : من العزيز ، ومناة : من المنان وتسميته - تعالى - بما يوهم معنى فاسدا ، كقولهم له - سبحانه - : يا أبيض الوجه كذلك من مظاهر الإلحاد في أسمائه - تعالى - ، تسميته بما لم يسم به نفسه في كتابه ، أو فيما صح من حديث رسوله ، إلى غير ذلك مما يفعله الجاهلون والضالون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

172

وبعد استعراض مشهد الميثاق الكوني بالتوحيد ؛ واستعراض مثل المنحرف عن هذا الميثاق وعن آيات الله بعد إذ آتاه الله إياها . . يعقب بالتوجيه الآمر بإهمال المنحرفين - الذين كانوا يتمثلون في المشركين الذين كانوا يواجهون دعوة الإسلام بالشرك - الذين يلحدون في أسماء الله ويحرفونها ، فيسمون بها الشركاء المزعومين :

( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، وذروا الذين يلحدون في أسمائه ، سيجزون ما كانوا يعملون ) .

والإلحاد هو الإنحراف أو التحريف . . وقد حرف المشركون في الجزيرة أسماء الله الحسنى ، فسموا بها آلهتهم المدعاة . . حرفوا اسم( الله )فسموا به " اللات " . واسم( العزيز )فسموا به " العزى " . . فالآية تقرر أن هذه الأسماء الحسنى لله وحده . وتأمر أن يدعوه المؤمنون وحده بها ، دون تحريف ولا ميل ؛ وأن يدعوا المحرفين المنحرفين ؛ فلا يحفلوهم ولا يأبهوا لما هم فيه من الإلحاد . فأمرهم موكول إلى الله ؛ وهم ملاقون جزاءهم الذي ينتظرهم منه . . وياله من وعيد ! . .

وهذا الأمر بإهمال شأن الذين يلحدون في أسماء الله ؛ لا يقتصر على تلك المناسبة التاريخية ، ولا على الإلحاد في أسماء الله بتحريفها اللفظي إلى الآلهة المدعاة . . إنما هو ينسحب على كل ألوان الإلحاد في شتى صوره . . ينسحب على الذين يلحدون - أي يحرفون أو ينحرفون - في تصورهم لحقيقة الألوهية على الإطلاق . كالذين يدّعون له الولد . وكالذين يدّعون أن مشيئته - سبحانه - مقيدة بنواميس الطبيعة الكونية ! وكالذين يدعون له كيفيات أعمال تشبه كيفيات أعمال البشر - وهو سبحانه ليس كمثله شيء - وكذلك من يدعون أنه سبحانه إله في السماء ، وفي تصريف نظام الكون ، وفي حساب الناس في الآخرة . ولكنه ليس إلهاً في الأرض ، ولا في حياة الناس ، فليس له - في زعمهم - أن يشرع لحياة الناس ؛ إنما الناس هم الذين يشرعون لأنفسهم بعقولهم وتجاربهم ومصالحهم - كما يرونها هم - فالناس - في هذا - هم آلهة أنفسهم . أو بعضهم آلهة بعض ! . . وكله إلحاد في الله وصفاته وخصائص ألوهيته . . والمسلمون مأمورون بالإعراض عن هذا كله وإهماله ؛ والملحدون موعدون بجزاء الله لهم على ما كانوا يعملون !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " .

أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عنه{[12418]} رواه البخاري ، عن أبى اليمان ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبي الزناد به{[12419]} وأخرجه الترمذي ، عن الجوزجاني ، عن صفوان بن صالح ، عن الوليد بن مسلم ، عن شعيب فذكر بسنده مثله ، وزاد بعد قوله : " يحب الوتر " : هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الأحد ، الفرد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفوّ ، الرءوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور{[12420]}

ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[12421]} ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث .

ورواه ابن حبان في صحيحه ، من طريق صفوان ، به{[12422]} وقد رواه ابن ماجه في سننه ، من طريق آخر{[12423]} عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعا{[12424]} فسرد الأسماء كنحو ما تقدم بزيادة ونقصان .

والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه ، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني ، عن زهير بن محمد : أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك ، أي : أنهم جمعوها من القرآن كما رود{[12425]} عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي ، والله أعلم .

ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين{[12426]} بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، عن يزيد بن هارون ، عن فضيل بن مرزوق ، عن أبي سلمة الجهني ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أعلمته{[12427]} أحدًا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا " . فقيل : يا رسول الله ، أفلا نتعلمها ؟ فقال : " بلى ، ينبغي لكل من سمعها{[12428]} أن يتعلمها " .

وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه بمثله{[12429]}

وذكر الفقيه الإمام أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية في كتابه : " الأحوذي في شرح الترمذي " ؛ أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم ، فالله أعلم .

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال : إلحاد الملحدين : أن دعوا " اللات{[12430]} في أسماء الله .

وقال ابن جريج ، عن مجاهد : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال : اشتقوا " اللات " من الله ، واشتقوا " العزى " من العزيز .

وقال قتادة : { يُلْحِدُونَ } يشركون . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الإلحاد : التكذيب . وأصل الإلحاد في كلام العرب : العدل عن القصد ، والميل والجور والانحراف ، ومنه اللحد في القبر ، لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر .


[12418]:صحيح البخاري برقم (6410) وصحيح مسلم برقم (2677).
[12419]:صحيح البخاري برقم (7392).
[12420]:بعدها في م: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
[12421]:زيادة من أ.
[12422]:سنن الترمذي برقم (3507).
[12423]:في أ: "أخرى".
[12424]:سنن ابن ماجة برقم (3861)، وقال البوصيري: "إسناد طريق ابن ماجة ضعيف لضعف عبد الملك بن محمد الصنعاني".
[12425]:في ك، م، أ: "روى".
[12426]:في د: "تسعة وتسعين".
[12427]:في م: "علمته".
[12428]:في أ: "ينبغي لمن سمعها".
[12429]:المسند (1/392)، وصحيح ابن حبان برقم (2372) "موارد".
[12430]:في أ: "اللات والعزى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَللّهِ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيَ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . .

يقول تعالى ذكره ولِلّهِ الأسْماءُ الحُسْنَى ، وهي كما قال ابن عباس .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ولِلّهِ الأسْماءُ الحُسْنَى فادْعُوهُ بِها ومن أسمائه : العزيز الجبار ، وكلّ أسماء الله حسن .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «إنّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما ، مِئَةً إلاّ وَاحِدا ، مَنْ أحْصَاها كُلّها دَخَلَ الجَنّةَ » .

وأما قوله : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ فإنه يعني به المشركين . وكان إلحادهم في أسماء الله أنهم عدلوا بها عما هي عليه ، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم ، وزادوا فيها ونقصوا منها ، فسموا بعضها اللات اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو الله ، وسموا بعضها العزّى اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو العزيز .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ قال : إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَذَرُوا الّذينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ قال : اشتقوا العُزّى من العزيز ، واشتقوا اللات من الله .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله يُلْحِدُونَ فقال بعضهم : يكذّبون . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ قال : الإلحاد : التكذيب .

وقال آخرون : معنى ذلك : يشركون . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا أبو ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يُلْحِدُونَ قال : يشركون .

وأصل الإلحاد في كلام العرب : العدول عن القصد ، والجور عنه ، والإعراض ، ثم يستعمل في كلّ معوجّ غير مستقيم ، ولذلك قيل للحد القبر لحد ، لأنه في ناحية منه وليس في وسطه ، يقال منه : ألحد فلان يُلْحِد إلحادا ، ولَحد يَلْحَدُ لَحْدا ولُحُودا . وقد ذكر عن الكسائي أنه كان يفرّق بين الإلحاد واللحد ، فيقول في الإلحاد : إنه العدول عن القصد ، وفي اللحد إنه الركون إلى الشيء ، وكان يقرأ جميع ما في القرآن «يُلحدون » بضمّ الياء وكسر الحاء ، إلاّ التي في النحل ، فإنه كان يقرؤها : «يَلحَدون » بفتح الياء والحاء ، ويزعم أنه بمعنى الركون . وأما سائر أهل المعرفة بكلام العرب فيرون أن معناهما واحد ، وأنهما لغتان جاءتا في حرف واحد بمعنى واحد .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين : يُلْحِدون بضمّ الياء وكسر الحاء من ألحد يُلحِد في جميع القرآن . وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة : «يَلْحَدون » بفتح الياء والحاء من لحد يلحد .

والصواب من القول في ذلك أنهما لغتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب في ذلك . غير أني أختار القراءة بضمّ الياء على لغة من قال : «ألحد » ، لأنها أشهر اللغتين وأفصحهما . وكان ابن زيد يقول في قوله : وَذرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ إنه منسوخ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدونَ فِي أسْمائِهِ قال : هؤلاء أهل الكفر ، وقد نسخ ، نسخه القتال .

ولا معنى لما قال ابن زيد في ذلك من أنه منسوخ ، لأن قوله : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدونَ فِي أسْمائِهِ ليس بأمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بترك المشركين أن يقولوا ذلك حتى يأذن له في قتالهم ، وإنما هو تهديد من الله للملحدين في أسمائه ووعيد منه لهم ، كما قال في موضع آخر : ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ . . . الاَية ، وكقوله : لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وهو كلام خرج مخرج الأمر بمعنى الوعيد والتهديد ، ومعناه : إن تُمهل الذين يُلحدون يا محمد في أسماء الله إلى أجل هم بالغوه ، فسوف يجزون إذا جاءهم أجل الله الذي أجّله إليهم جزاء أعمالهم التي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

{ ولله الأسماء الحسنى } لأنها دالة على معان هي أحسن المعاني ، والمراد بها الألفاظ وقيل الصفات . { فادعوه بها } فسموه بتلك الأسماء . { وذروا الذين يُلحدون في أسمائه } واتركوا تسمية الزائغين فيها الذين يسمونه بما لا توقيف فيه ، إذ ربما يوهم معنى فاسدا كقولهم يا أبا المكارم يا أبيض الوجه ، أو لا تبالوا بإنكارهم ما سمى به نفسه كقولهم : ما نعرف إلا رحمان اليمامة ، أو وذروهم وإلحادهم فيها بإطلاقها على الأصنام واشتقاق أسمائها منها كاللات من " الله " ، والعزى من " العزيز " ولا توافقوهم عليه أو أعرضوا عنهم فإن الله مجازيهم كما قال : { سيُجزون ما كانوا يعملون } وقرأ حمزة هنا وفي " فصلت " { يلحدون } بالفتح يقال : لحد وألحد إذا مال عن القصد .