قوله تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار } ، أي : الغداة والعشي : يعني : صلاة الصبح والمغرب ، قال مجاهد : طرفا النهار صلاة الصبح والظهر والعصر . { وزلفاً من الليل } ، صلاة المغرب والعشاء . وقال مقاتل : صلاة الفجر والظهر طرف ، وصلاة العصر والمغرب طرف ، وزلفا من الليل ، يعني : صلاة العشاء . وقال الحسن : طرفا النهار . الصبح والعصر ، وزلفا من الليل : المغرب والعشاء . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : طرفا النهار الغداة والعشي ، يعني صلاة الصبح والمغرب . قوله : { وزلفاً من الليل } أي : ساعاته واحدتها زلفة وقرأ أبو جعفر زلفاً بضم اللام . " إن الحسنات يذهبن السيئات " ، يعني : إن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات . روي أنها نزلت في أبي اليسر ، قال : أتتني امرأة تبتاع تمرا فقلت لها إن في البيت تمرا أطيب منه فدخلت معي البيت ، فأهويت إليها فقبلتها ، فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فذكرت ذلك له فقال : استر على نفسك وتب ، فأتيت عمر رضي الله عنه فذكر ذلك له ، فقال : استر على نفسك وتب ، فلم أصبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا ، حتى ظن أنه من أهل النار ؟ فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } ، الآية ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألهذا خاصة أم للناس عامة ؟ قال : بل للناس عامة " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنبأنا قتيبة بن سعيد حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود رضي الله عنه " أن رجلا أصاب من امرأة قبله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } ، قال الرجل : يا رسول الله ألي هذا ؟ قال : لجميع أمتي كلهم " .
وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني أبو طاهر ، وهارون بن سعيد الأيلي : قالا : حدثنا ابن وهب ، عن أبي صخر ، أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " .
وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا محمد الحسين بن أحمد المخلدي ، أنبأنا العباس محمد بن إسحاق السراج ، أنبأنا قتيبة ، أنبأنا الليث وبكر بن مضر ، عن ابن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا . قال : فكذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بهن الخطايا " . قوله عز وجل : { ذلك } ، أي : ذلك الذي ذكرنا . وقيل : هو إشارة إلى القرآن ، { ذكرى }عظة { للذاكرين } أي : لمن ذكره .
{ 114 - 115 ْ } { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ْ }
يأمر تعالى بإقامة الصلاة كاملة { طَرَفَيِ النَّهَارِ ْ } أي : أوله وآخره ، ويدخل في هذا ، صلاة الفجر ، وصلاتا الظهر والعصر ، { وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ْ } ويدخل في ذلك ، صلاة المغرب والعشاء ، ويتناول ذلك قيام الليل ، فإنها مما تزلف العبد ، وتقربه إلى الله تعالى .
{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ْ } أي : فهذه الصلوات الخمس ، وما ألحق بها من التطوعات من أكبر الحسنات ، وهي : مع أنها حسنات تقرب إلى الله ، وتوجب الثواب ، فإنها تذهب السيئات وتمحوها ، والمراد بذلك : الصغائر ، كما قيدتها الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل قوله : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر " ، بل كما قيدتها الآية التي في سورة النساء ، وهي قوله تعالى : { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ْ }
ذلك لعل الإشارة ، لكل ما تقدم ، من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم ، وعدم مجاوزته وتعديه ، وعدم الركون إلى الذين ظلموا ، والأمر بإقامة الصلاة ، وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات ، الجميع { ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ْ } يفهمون بها ما أمرهم الله به ، ونهاهم عنه ، ويمتثلون لتلك الأوامر الحسنة المثمرة للخيرات ، الدافعة للشرور والسيئات ، ولكن تلك الأمور ، تحتاج إلى مجاهدة النفس ، والصبر عليها ، ولهذا قال : { وَاصْبِرْ ْ }
ثم أرشد - سبحانه - عباده المؤمنين إلى ما يعينهم إلى ما يعينهم على الاستقامة وعلى عدم الركون إلى الظالمين ، فقال : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ } .
والمراد بإقامتها الإِتيان بها فى أوقاتها كاملة الأركان والخشوع والإِخلاص لله رب العالمين .
والمراد بالصلاة هنا : الصلاة المفروضة .
قال القرطبى : لم يختلف أحد من أهل التأويل فى أن الصلاة فى هذه الآية ، المراد بها الصلوات المفروضة . وخصها بالذكر لأنها ثانية أركان الإِسلام ، وإليها يفزع فى النوائب ، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - " إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة " .
وطرفى النهار : أى أول النهار وآخره ، لأن طرف الشئ منتهاه من أوله أو من آخره .
والنهار : يتناول ما بين مطلع الفجر إلى غروب الشمس . سمى بذلك لأن الضياء ينهر فيه أى يبرز كما يبرز النهر .
والصلاة التى تكون فى هذين الوقتين ، تشمل صلاة الغداة وهى صلاة الصبح ، وصلاة العشى وهى صلاة الظهر والعصر ، لأن لفظ العشى يكون من الزوال إلى الغروب .
وقيل الصلاة التى تكون فى هذين الوقتين هى صلاة الصبح والمغرب .
وقوله { وَزُلَفاً مِّنَ الليل } معطوف على طرفى النهار .
والزلف جمع زلفه كغرف وغرفة - والمراد بها الساعات القريبة من آخر النهار ، إذا الإِزلاف معناه القرب ومنه قوله - تعالى - { وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ . . . } أى : قربت منهم . وتقول أزلفنى فلان منه : أى قربنى .
فمعنى { وَزُلَفاً مِّنَ الليل } يعنى صلاة المغرب والعشاء . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هما زلفتا الليل : المغرب والعشاء " .
ويحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإِسراء ، فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان : صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها ، وفى أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة ، ثم نسخ فى حق الأمة ، وثبت وجوبه عليه ، ثم نسخ عنه أيضا فى قول .
وجملة { إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات } مسوقة مساق التعليل للأمر بإقامة الصلاة ، وأكدت بحرف { إن } للاهتمام وتحقيق الخبر ، والحسنات صفة لموصوف محذوف ، وكذلك السيئات .
والمعنى : إن الأعمال الحسنة - كالصلاة والزكاة والصيام والحج ، والاستغفار . . يذهبن الأعمال السيئات ، أى يذهبن المؤاخذة عليها ، ويذهبن الاتجاه إليها ببركة المواظبة على الأعمال الحسنة .
والمراد بالسيئات هنا صغار الذنوب ، لقوله - تعالى - { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } ولقوله - تعالى - { الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة . . . } ولأن كبائر الذنوب لا تكفرها إلا التوبة الصادقة .
وقوله { ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ } أى : ذلك الذى أمرناك به من وجوب إقامة الصلاة ، ومن الاستقامة على أمر الله . . فيه التذكرة النافعة ، لمن كان شأنه التذكر والاعتبار ، لا الإِعراض والعناد .
وهذه الآية الكريمة من الآيات التى قال عنها بعض المفسرين بأنها مدنية ، وقد ذكرنا فى التمهيد بين بدى السورة ، أن سورة هود ترجح أنها كلها مكية ، وليس فيها آيات مدنية .
ومما يؤيد أن هذه الآية مكية أنها مسوقة مع ما سبقها من آيات لتسلية النبى - صلى الله عليه وسلم - ولإِرشاده وأتباعه إلى ما يعينهم على الاستقامة ، وعدم الركون إلى الظالمين .
ولأن بعض الروايات التى وردت فى شأنها لم تذكر أنها نزلت فى المدينة ، بل ذكرت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلاها على السائل ، ومن هذه الروايات ما رواه الإِمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن جرير - وهذا لفظه - عن ابن مسعود قال : " جاء رجل إلى البنى - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إنى وجدت أمرة فى بستان ، ففعلت بها كل شئ غير أنى لم أجامعها ، فافعل بى ما شئت ، فلم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه ، فأتبعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصره ثم قال : ردوه على فرده عليه فقرأ عليه : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل . . } الآية ، فقال معاذ - وفى رواية عمر - يا رسول الله ، أله وحده أم للناس كافة ؟ فقال : بل للناس كافة " والروايات التى ورد فيها فأنزل عليه هذه الآية ، فى الإِمكان أن تؤول أن المراد أنزل عليه شمول عموم الحسنات والسيئات لقضية السائل ، لجميع ما يماثلها من إصابة الذنوب سوى الكبائر .
والله - سبحانه - يرشد رسوله [ ص ] ومن معه من القلة المؤمنة إلى زاد الطريق :
( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) . .
ولقد علم الله أن هذا هو الزاد الذي يبقى حين يفنى كل زاد ، والذي يقيم البنية الروحية ، ويمسك القلوب على الحق الشاق التكاليف . ذلك أنه يصل هذه القلوب بربها الرحيم الودود ، القريب المجيب ، وينسم عليها نسمة الأنس في وحشتها وعزلتها في تلك الجاهلية النكدة الكنود !
والآية هنا تذكر طرفي النهار - وهما أوله وآخره ، وزلفا من الليل أي قريبا من الليل . وهذه تشمل أوقات الصلاة المفروضة دون تحديد عددها . والعدد محدد بالسنة ومواقيته كذلك .
والنص يعقب على الأمر بإقامة الصلاة - أي أدائها كاملة مستوفاة - بأن الحسنات يذهبن السيئات . وهو نص عام يشمل كل حسنة ، والصلاة من أعظم الحسنات ، فهي داخلة فيه بالأولوية . لا أن الصلاة هي الحسنة التي تذهب السيئة بهذا التحديد - كما ذهب بعض المفسرين - :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مّنَ الْلّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَىَ لِلذّاكِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وأقم الصلاة } ، يا محمد ، يعني : صلّ ، { طرفي النهار } ، يعني : الغداة والعشي .
واختلف أهل التأويل في التي عنيت بهذه الآية من صلوات العشي ، بعد إجماع جميعهم على أن التي عنيت من صلاة الغداة : الفجر .
فقال بعضهم : عنيت بذلك صلاة الظهر والعصر ، قالوا : وهما من صلاة العشي . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { أقِمِ الصّلاَةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الفجر ، وصلاتي العشي ، يعني : الظهر والعصر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : صلاة الفجر ، وصلاة العشيّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح بن سعيد ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : فطرفا النهار : الفجر والظهر والعصر .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الفجر ، والظهر ، والعصر .
وقال آخرون : بل عُني بها : صلاة المغرب . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ يقول : صلاة الغداة وصلاة المغرب .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن عوف ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ قال : صلاة الغداة والمغرب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } : الصبح ، والمغرب .
وقال آخرون : عُني بها : صلاة العصر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ قال : صلاة الفجر والعصر .
قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد القُبائي ، عن محمد بن كعب : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } : ِ الفجر والعصر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : صلاة الصبح وصلاة العصر .
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن ، قال : قال الله لنبيه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : طرفى النهار : الغداة والعصر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، يعني : صلاة العصر والصبح .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } : الغداة والعصر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد ، عن محمد بن كعب : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } : الفجر والعصر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الغداة والعصر .
وقال بعضهم : بل عنى بطرفى النهار : الظهر والعصر ، وبقوله : { زُلَفا مِنَ اللّيْل } : المغرب ، والعشاء ، والصبح .
وأولى هذه الأقول في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هي صلاة المغرب ، كما ذكرنا عن ابن عباس .
وإنما قلنا : هو أولى بالصواب ، لإجماع الجميع على أن صلاة أحد الطرفين من ذلك صلاة الفجر ، وهي تصلى قبل طلوع الشمس ، فالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعا أن تكون صلاة الطرف الآخر المغرب ، لأنها تصلى بعد غروب الشمس ، ولو كان واجبا أن يكون مرادا بصلاة أحد الطرفين : قبل غروب الشمس ، وجب أن يكون مرادا بصلاة الطرف الآخر : بعد طلوعها ، وذلك ما لا نعلم قائلاً قاله إلا من قال : عنى بذلك : صلاة الظهر والعصر ، وذلك قول لا يُخِيلُ فساده ، لأنهما إلى أن يكونا جميعا من صلاة أحد الطرفين أقرب منهما إلى أن يكونا من صلاة طرفى النهار ، وذلك أن الظهر لا شكّ أنها تصلى بعد مضيّ نصف النهار في النصف الثاني منه ، فمحال أن تكون من طرف النهار الأوّل وهي في طرفه الآخر . فإذا كان لا قائل من أهل العلم يقول : عنى بصلاة طرف النهار الأوّل : صلاة بعد طلوع الشمس ، وجب أن يكون غير جائز أن يقال : عنى بصلاة طرف النهار الآخرة : صلاة قبل غروبها . وإذا كان ذلك صحّ ما قلنا في ذلك من القول ، وفسد ما خالفه .
وأما قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، فإنه يعني : ساعات من الليل ، وهي جمع زُلْفة ، والزلفة : الساعة والمنزلة والقربة . وقيل : إنما سميت المزدلفة وجُمَع من ذلك ، لأنها منزل بعد عرفة . وقيل : سميت بذلك لازدلاف آدم من عرفة إلى حوّاء وهي بها ومنه قول العجاج في صفة بعير :
ناجٍ طَوَاهُ الأيْنَ مِمّا وَجَفا *** طَيّ اللّيالي زُلَفا فَزُلَفَا
واختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والعراق : وَ{ زُلَفا } ، بضم الزاي وفتح اللام . وقرأه بعض أهل المدينة بضم الزاي واللام ، كأنه وجّهه إلى أنه واحد وأنه بمنزلة الحلم . وقرأه بعض المكيين : { وزُلْفا } ، بضم الزاي وتسكين اللام .
وأعجب القراءات في ذلك إليّ أن أقرأها : { وَزُلَفا } ، بضم الزاي وفتح اللام ، على معنى جمع زُلْفة ، كما تجمع غرفة : غُرَف ، وحُجْرة : حُجَر . وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك ، لأن صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضيّ زلف من الليل ، وهي التي عنيت عندي بقوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، وبنحو الذي قلنا في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : الساعات من الليل صلاة العتمة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، يقول : صلاة العتمة .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن عوف ، عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : العشاء .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زيد ، قال : كان ابن عباس يعجبه التأخير بالعشاء ، ويقرأ : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : ساعة من الليل ، صلاة العتمة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : العتمة ، وما سمعت أحدا من فقهائنا ومشايخنا ، يقول العشاء ، ما يقولون إلا العتمة .
وقال قوم : الصلاة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامتها { زلفا من الليل } ، صلاة المغرب والعشاء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، واللفظ ليعقوب ، قالا : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو رجاء عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : هما زلفتان من الليل : صلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
حدثنا ابن جميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن الحسن ، في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب ، والعشاء .
حدثني الحسن بن عليّ ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن : قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : { زلفا من الليل } : المغرب ، والعشاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُما زُلْفَتا اللّيْلِ : المَغْرِبُ والعِشَاءُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب ، والعشاء .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : قد بين الله مواقيت الصلاة في القرآن ، قال : { أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَق اللّيْلِ } ، قال : دلوكها : إذا زالت عن بطن السماء وكان لها في الأرض فيء ، وقال : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ الغداة ، والعصر . { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب ، والعشاء . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُمَا زُلْفَتا اللّيْلِ المَغْرِبُ والعِشَاءُ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : يعني : صلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح بن سعيد ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد ، عن محمد بن كعب ، مثله .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب والعشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم بن سليمان ، عن الحسن ، قال : زلفتا الليل : المغرب ، والعشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عاصم ، عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عاصم ، عن الحسن : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، صلاة المغرب والعشاء . وقوله : { إنّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، يقول تعالى ذكره : إن الإنابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه ، يذهب آثام معصية الله ويكفر الذنوب .
ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى الله في هذا الموضع اللاتي يذهبن السيئات ، فقال بعضهم : هنّ الصلوات الخمس المكتوبات . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن أبي محمد ابن الحضرمي ، قال : حدثنا كعب في هذا المسجد ، قال : والذي نفس كعب بيده إن الصلوات الخمس لهنّ الحسنات التي بذهبن السيئات ، كما يغسل الماء الدرن .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول في قوله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : هنّ الصلوات الخمس .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد : { إنّ الحَسَنَاتِ } ، الصلوات .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة جميعا ، عن عوف ، عن الحسن : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني زريق بن السخت ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله تعالى : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سعيد الجريري ، قال : ثني أبو عثمان ، عن سلمان ، قال : والذي نفسي بيده ، إن الحسنات التي يمحو الله بهنّ السيئات كما يغسل الماء الدرن : الصلوات الخمس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مَزْيدة بن زيد ، عن مسروق : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، وعبد الله بن أبي زياد القطوني ، قالا : حدثنا عبد الله بن يزيد ، قال : أخبرنا حيوة ، قال : أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رحمه الله يقول : جلس عثمان يوما وجلسنا معه ، فجاء المؤذّن فدعا عثمان بماء في إناء ، أظنه سيكون فيه قدْرُ مدّ ، فتوضأ ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : «مَنْ تَوَضّأَ وُضُوئي هَذَا ، ثم قامَ فَصَلّى صَلاَةَ الظّهْرِ ، غُفِرَ لَهُ ما كانَ بَيْنَهُ وبينَ صَلاةَ الصّبْحِ ، ثُمّ صَلّى العَصْرَ ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ الظّهْرِ ، ثم صَلّى المَغْرِبَ ، غُفرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ العَصْرِ ، ثُمّ صَلّى العِشَاءَ ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ المَغْرِبِ ، ثُمّ لَعَلّهُ يَبيتُ لَيْلَةً يَتَمَرّغُ ، ثُمّ إنْ قامَ فَتَوَضّأَ وَصَلّى الصّبْحَ ، غُفِرَ لَه ما بَيْنَها وبينَ صَلاةِ العِشاءِ ، وَهُنّ الحَسَناتُ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ » .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكيم ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا حيوة ، قال : حدثنا أبو عقيل ، زُهرة بن معبد ، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال : جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد ، فذكر نحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال : «وَهُنّ الحَسنَاتُ ، إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات » .
حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا نافع بن زيد ، ورشدين بن سعد ، قالا حدثنا زهرة بن معبد ، قال : سمعت الحرث مولى عثمان بن عفان ، يقول : جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد ، ثم ذكر نحو ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه قال : «وَهُنّ الحَسنَاتُ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات » .
حدثنا محمد بن عوف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «جُعِلَتْ الصّلَوَاتُ كَفّارَاتِ لِمَا بَيْنَهُنّ ، فإنّ اللّهَ قالَ : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } » .
حدثنا ابن سيار القزار ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عليّ بن زيد ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : كنت مع سلمان تحت شجرة ، فأخذ غصنا من أغصانها يابسا ، فهزّه حتى تحاتّ ورقه ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كنت معه تحت شجرة ، فأخذ غصنا من أغصانها يابسا ، فهزّه حتى تحاتَّ ورقه ، ثم قال : «ألاتَسْألُنِي لِمَ أفْعَلُ هَذَا يا سَلْمانُ ؟ » فقلت : ولم تفعله ؟ فقال : «إنّ المُسْلِمَ إذَا تَوَضّأَ فأحْسَنَ الُوضُوءَ ، ثُمّ صَلّى الصّلَوَاتِ الخَمْسَ ، تَحاتّتْ خَطاياهُ كمَا تَحاتّ هَذَا الوَرَقُ » . ثُمّ تَلا هَذِهِ الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } . . . إلى آخر الآية .
وقال آخرون : هو قوله : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وأولى التأويلين بالصواب في ذلك قول من قال في ذلك : هُنّ الصلوات الخمسُ ، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترها عنه أنه قال : «مَثَلُ الصّلَوَاتِ الخَمْسِ مَثَلُ نَهْرٍ جارٍ على بابِ أحَدِكُمْ يَنْغَمِسُ فِيهِ كُلّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرّاتٍ ، فَمَاذَا يُبْقِينَ مِنْ دَرَنِهِ » ، وإن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات ، والوعد على إقامتها الجزيل من الثواب عقيبها أولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال ، إذا خصّ بالقصد بذلك بعض دون بعض .
وقوله : { ذلكَ ذِكْرَى للذّاكِرِين } ، يقول تعالى : هذا الذي أوعدت عليه من الركون إلى الظلم وتهددت فيه ، والذي وعدت فيه من إقامة الصلوات اللواتي يذهبن السيئات تذكرة ذكرّت بها قوما يذكرون وعد الله ، فيرجون ثوابه ووعيده فيخافون عقابه ، لا من قد طبع على قلبه فلا يجيب داعيا ولا يسمع زاجرا . وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب رجل نال من غير زوجته ولا ملك يمينه بعض ما يحرم عليه ، فتاب من ذنبه ذلك . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، قالا : قال عبد الله بن مسعود : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال إني عالجت امرأة في بعض أقطار المدينة ، فأصبت منها ما دون أن أمسها ، فأنا هذا ، فاقض فيّ ما شئت ، فقال عمر : لقد سترك الله ، لو سترت على نفسك . قال : ولم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئا . فقام الرجل ، فانطلق ، فأتبعه النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً ، فدعاه ، فلما آتاه قرأ عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال رجل من القوم : هذا له يا رسول الله خاصة ؟ قال : «بَلْ للنّاسِ كافّةً » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن عبد الله ، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان ، فضممتها إليّ ، وباشرتها ، وقبلتها ، وفعلت بها كلّ شي غير أني لم أجامعها ، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأها عليه ، فقال عمر : يا رسول الله ، أله خاصة ، أم للناس كافة ؟ قال : لا ، بَلْ للنّاسِ كافّةً » ، ولفظ الحديث لابن وكيع .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، أنه سمع إبراهيم بن زيد ، يحدّث عن علقة والأسود ، عن ابن مسعود ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني وجدت امرأة في بستان ، ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها ، قبلتها ، ولزمتها ، ولم أفعل غير ذلك ، فافعل بي ما شئت ، فلم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه لو سترت على نفسه ، فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره ، فقال : «رُدّوهُ عَليّ » ، فردّوه ، فقرأ عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، قال : فقال معاذ بن جبل : أله وحده يا نبيّ الله ، أم للناس كافة ؟ فقال : «بَلْ للنّاسِ كافّةً » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن عبد الله ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أخذت امرأة في البستان ، فأصبت منها كل شيء ، غير أني لم أنكحها ، فاصنع بي ما شئت ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما ذهب دعاه ، فقرأ عليه هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : سمعت إبراهيم يحدّث عن خاله الأسود ، عن عبد الله : أن رجلاً لقي امرأة في بعض طرق المدينة ، فأصاب منها ما دون الجماع . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال معاذ بن جبل : يا رسول الله ، لهذا خاصة ، أو لنا عامّة ؟ قال : «بَلْ لَكُمْ عَامّةً » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أنبأني سماك ، قال : سمعت إبراهيم يحدّث عن خاله ، عن ابن مسعود : أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لقيت امرأة في حش بالمدينة ، فأصبت منها ما دون الجماع . . . نحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم البغدادي ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن إبراهيم عن خاله ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : جاء فلان بن معتب ، رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله دخلت عليّ امرأة ، فنلت منها ما ينال الرجل من أهله ، إلا أني لم أواقعها ، فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه حتى نزلت هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ ، إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات . . . } ، الآية ، فدعاه ، فقرأها عليه .
حدثني يعقوب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، وحدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، وحدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان جميعا ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن ابن مسعود : أن رجلاً أصاب من امرأة شيئا لا أدري ما بلغ ، غير أنه ما دون الزنا . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، فقال الرجل : ألي هذه يا رسول الله ؟ قال : «لِمَن أخَذَ بِها مِن أُمّتِي ، أوْ لِمَنْ عَمِلَ بِها » .
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا قبيصة ، عن حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، قال : كنت مع سلمان ، فأخذ غصن شجرة يابسة ، فحتّه ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «مَنْ تَوَضّأَ فأحْسَنَ الْوضُوءَ تَحاتّتْ خَطاياهُ كمَا يَتَحاتّ هَذَا الوَرَقُ » ، ثم قال : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، إلى آخر الآية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة وحسين الجعفي ، عن زائدة ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ ، قال : أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما ترى في رجل لقي امرأة لا يعرفها ، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها غير أنه لم يجامعها ؟ فأنزل الله هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَوَضّأْ ثُمّ صَلّ » ، قال معاذ : قلت يا رسول الله ، أله خاصة أم للؤمنين عامة ؟ قال : «بَلْ للْمُؤمنِينَ عامّةً » .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أن رجلاً أصاب من امرأة ما دون الجماع ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن ذلك . فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية ، فقال معاذ : يا رسول الله ، أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال : «هِيَ للنّاسِ عامّةً » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : ثني عمرو بن الحرث ، قال : ثني عبد الله بن سالم ، عن الزّبيدي ، قال : حدثنا سليم بن عامر ، أنه سمع أبا أمامة يقول : إن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أقم فيّ حدْ الله مرّة واثنتين . فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة ، قال : «أيْنَ هَذَا القائِلُ : أقِمْ فِيّ حدّ اللّهِ ؟ » ، قال : أناذا ، قال : «هَلْ أتْمَمْتَ الُوضُوءَ وَصَلّيْتَ مَعَنا آنِفا ؟ » ، قالَ : نَعَمْ . قال : «فإنّكَ مِنْ خَطِيئَتِكَ كمَا وَلَدَتْكَ أُمّكَ ، فَلا تَعُدْ » . وأنزل الله حينئذ على رسوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني جرير ، عن عبد الملك ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل : أنه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل ، فقال : يا رسول الله ، رجل أصاب من امرأة ما لا يحلّ له ، لم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا أتاه إلا أنه لم يجامعها ؟ قال : «يَتَوَضّأُ وُضُوءا حَسَنا ثُمّ يُصَلّي » . فأنزل الله هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية ، فقال معاذ : هي له ، يا رسول الله خاصة ، أم للمسلمين عامّة ؟ قال : «بَلْ للمُسْلِمِينَ عامّةً » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة : أن رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة ، وهو جالس مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فاستأذنه لحاجة ، فأذن له ، فذهب يطلبها فلم يجدها . فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمطر ، فوجد المرأة جالسة على غدير ، فدفع في صدرها ، وجلس بين رجليها ، فصار ذكره مثل الهُدْبَة ، فقام نادما حتى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما صنع ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «اسْتَغْفِرْ رَبّكَ وَصَلّ أرْبَعَ رَكَعاتٍ » ، قال : وتلا عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عثمان بن وهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر بن عمرو الأنصاري ، قال : أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ، فقلت : إن في البيت تمرا أجود من هذا ، فدخلت ، فأهويت إليها ، فقبلتها . فأتيت أبا بكر ، فسألته ، فقال : استر على نفسك ، وتُبْ ، واستغفر الله . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «أخْلَفْتَ رَجُلاً غازيا فِي سَبِيلِ اللّهِ فِي أهْلِهِ بِمِثْلَ هَذَا ؟ » حتى ظننتُ أني من أهل النار ، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ ، قال : فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ، فنزل جبرئيل ، فقال : «أيْنَ أبُو اليُسْرِ ؟ » ، فجِئت ، فقرأ عليّ : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } . . . ، إلى : { ذِكْرَى للذّاكِرِين } ، قال : إنسان : له يا رسول الله ، خاصة ، أم للناس عامة ؟ قال : «للنّاسِ عامّةً » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر ، قال : لقيت امرأة ، فالتزمتها ، غير أني لم أنكحها ، فأتيت عمر بن الخطاب ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرنّ أحدا ، فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر رضي الله عنه ، فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرنّ أحدا ، قال : فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال له : «هل جَهّزْتَ غَازِيا ؟ » ، قلت : لا ، قال : «فهل خَلَفْتَ غَازِيا في أهْلِهِ ؟ » ، قلت : لا ، فقال لي حتى تمنيت أني كنت دخلت في الإسلام تلك الساعة . قال : فلما وليت دعاني ، فقرأ عليّ : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، فقال له أصحابه : ألهذا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال : «بَلْ للنّاسِ عامّةً » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : ثني سعيد ، عن قتادة : أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبيّ الله ، هلكت . فأنزل الله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن سليمان التيمي ، قال : ضرب رجل على كفل امرأة ، ثم أتى أبا بكر وعمرو رضي الله عنهما ، فكلما سأل رجلاً منهما عن كفارة ذلك ، قال : أمغزية هي ؟ قال : نعم ، قال : لا أدري . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن ذلك ، فقال : «أمَغْزِيَةٌ هِيَ ؟ » ، قال : نعم . قال : لا أدري . حتى أنزل الله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء ، في قول الله تعالى : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } أن امرأة دخلت على رجل يبيع الدقيق ، فقبلها ، فأسقط في يده . فأتى عمر ، فذكر ذلك له ، فقال : اتق الله ، ولا تكن امرأة غاز ، فقال الرجل : هي امرأة غاز . فذهب إلى أبي بكر ، فقال مثل ما قال عمر . فذهبوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم جميعا ، فقال له : كذلك ، ثم سكت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلم يجبهم ، فأنزل الله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، الصلوات المفروضات ، { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء بن أبي رباح ، قال : أقبلت امرأة حتى جاءت إنسانا يبيع الدقيق لتبتاع منه ، فدخل بها البيت ، فلما خلا له ، قبّلها . قال : فسقط في يديه ، فانطلق إلى أبي بكر ، فذكر ذلك له ، فقال : أبصر لا تكوننّ امرأة رجل غازٍ ، فبينما هم على ذلك ، نزل في ذلك : { أقِمِ الصّلاة طَرفِي النّهار وزُلَفا مِن اللّيْلِ } ، قيل لعطاء : المكتوبة هي ؟ قال : نعم هي المكتوبة . فقال ابن جريج ، وقال عبد الله بن كثير : هي المكتوبات .
قال ابن جريج ، عن يزيد بن رومان : إن رجلاً من بني غَنم ، دخلت عليه امرأة ، فقبلها ، ووضع يده على دبرها . فجاء إلى أبي بكر رضي الله عنه ، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { أقِمِ الصّلاة } . . . ، إلى قوله : { ذلك ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } . فلم يزل الرجل الذي قبّل المرأة يذكر ، فذلك قوله : { ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
{ وأقم الصلاة طرفي النهار } غدوة وعشية وانتصابه على الظرف لأنه مضاف إليه . { وزُلفاً من الليل } وساعات منه قريبة من النهار ، فإنه من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة ، وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلاة من أول النهار ، وصلاة العشية صلاة العصر ، وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء . وقرئ " زُلُفاً " بضمتين وضمة وسكون كبسر وبسر في بسره و{ زلفى } بمعنى زلفة كقربى وقربة . { إن الحسنات يُذهبن السيئات } يكفرنها . وفي الحديث " إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر " وفي سبب النزول " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني قد أصبت من امرأة غير أني لم آتها فنزلت " . { ذلك } إشارة إلى قوله { فاستقم } وما بعده وقيل إلى القرآن . { ذكرى للذاكرين } عظة للمتعظين .