غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّـٰكِرِينَ} (114)

103

ثم لما كان لقرين السوء مدخل عظيم في تغيير العقائد وتبديل الأخلاق نهى عن مخالطة من يضع الشيء في غير موضعه فقال : { ولا تركنوا } أي لا تميلوا بالمحبة والهوى { إلى الذين ظلموا } فقال المحققون : الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة وتحسين الطريقة وتزيينها عند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك الأبواب ، فأما مداخلتهم لدفع ضرر واجتلاب منفعة عاجلة فغير داخلة في الركون . أقول : هذا من طريق المعاش والرخصة ، ومقتضى التقوى هو الاجتناب عنهم بالكلية { أليس الله بكاف عبده } [ الزمر :36 ] وفي قوله : { فتمسكم النار } إشارة إلى أن الظلمة أهل النار بل هم في النار أو كالنار { أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار } [ البقرة :174 ] ومصاحبة النار توجب لا محالة مس النار . وقوله : { وما لكم من دون الله } من تتمة الجزاء . وقال في الكشاف : الواو للحال { من أولياء } من أنصار أي لا يقدر على منعكم من عذاب الله إلا هو . { ثم لا تنصرون } ثم لا ينصركم هو أيضا . وفيه إقناط كلي . وفائدة " ثم " تبعيد النصرة من الظلم . قال أهل التحقيق : الركون الميل اليسير وقوله : { إلى الذين ظلموا } أي الذين حدث منهم الظلم . فلم يقل " ولا تميلوا إلى الظالمين " ليدل على أن قليلاً من الميل إلى من حدث منه شيء من الظلم يوجب هذا العقاب ، وإذا كان هذا حال من ركن إلى من ظلم فكيف يكون حال الظالم في نفسه ؟ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من دعا الظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه " وقال سفيان : في جهنم وادٍ لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك . وعن محمد بن مسلمة : الذباب على العذرة أحسن من قارىء على باب هؤلاء . ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هي يسقى شربة ماء ؟ فقال : لا . فقيل له : يموت . فقال : دعه يموت . ثم خص من أنواع الاستقامة إقامة الصلاة تنبيهاً على شرفها فقال : { وأقم الصلاة } قيل : تمسك بعض الخوارج بهذه الآية على أن الواجب من الصلاة ليس إلا الفجر والعشاء لأنهما طرفا النهار وهما الموصوفان بكونهما زلفاً من الليل ، فإن ما لا يكون نهاراً يكون ليلاً . غاية ما في الباب أن هذا يقتضي عطف الصفة على الموصوف وهو كثير في كلامهم ، ولئن سلم وجوب صلاة أخرى إلا أن قوله : { إن الحسنات يذهبن السيئات } يشعر بأن إقامة الصلاة طرفي النهار كفارة لترك سائر الصلوات . وجمهور الأمة على بطلان هذا القول واستدلوا بالآية على وجوب الصلوات الخمس لأن طرفي النهار منصوب على الظرف لإضافتهما إلى الوقت فيكتسب المضاف حكم المضاف إليه كقولك " أتيته نصف النهار " والطرفان هما الغدوة وهي الفجر والعشية وفيها الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشيّ { وزلفاً } جمع زلفة كظلم وظلمة أي ساعات { من الليل } قريبة من آخر النهار من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه . وقرىء { زلفاً } بسكون اللام نحو " بسرة " و " بسر " . والزلف فيمن قرأ بضمتين نحو " بسر " و " بسر " . وقيل : { زلفاً } أي قرباً فيكون معطوفاً على الصلاة أي أقم الصلاة وأقم زلفاً أي صلوات يتقرب بها إلى الله عز وجل في بعض الليل . وبالجملة فصلاة الزلف والمغرب والعشاء . وقيل : إن طرفي النهار لا يشمل إلا الفجر والعصر وبه استدل على مذهب أبي حنيفة أن التنوير بالفجر أفضل وتأخير العصر أفضل ، لأن الأمة أجمعت على أن نفس الطرفين - وهما وقت الطلوع والغروب - لا يصلح لإقامة الصلاة ، فكل وقت كان أقرب إلى الطرفين كان أولى بإقامة الصلاة فيه حملاً للمجاز على ما هو أقرب إلى الحقيقة ما أمكن . هذا ما ذكره فخر الدين الرازي في تفسيره . ولقائل أن يقول : هذا لا يتمشى في صلاة الفجر لأن الطرف الأول للنهار في الشرع هو طلوع الصبح الصادق ، والتنوير مبعد الصلاة منه لا مقرّب . ولا أدري كيف ذهب عليه هذا المعنى مع إفراط عصبيته للشافعي . واستدل أيضاً لأبي حنيفة على مذهبه في وجوب الوتر أن أقل الجمع ثلاثة فتجب إقامة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث زلف من الليل أي ثلاث ساعات ذهب منها ساعتان للمغرب والعشاء فتعين أن تكون الساعة الثالثة للوتر ، وإذا وجب عليه وجب على أمته لقوله : { فاتبعوه } [ الأنعام :153 ] ولمانع أن يمنع أن أقل الجمع ثلاثة أشياء ، ثم إن كل ساعة لأجل صلاة ، ثم إن كل ما يجب على النبي صلى الله عليه وسلم يجب على الأمة لأن الاتباع هو الإتيان بمثل فعله أعم من أن يكون على تلك الجهة أم لا . { إن الحسنات يذهبن السيئات } قال المفسرون : نزلت في أبي اليسر عمرو بن غزية الأنصاري ، كان يبيع التمر فأتته امرأة فأعجبته فقال لها : إن في البيت أجود من هذا . فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها وأصاب منها كل ما يصيب الرجل من زوجته سوى الجماع ، ثم ندم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعل فقال : أنتظر أمر ربي فلما صلى صلاة العصر نزلت فقال : نعم اذهب فإنها كفارة لما عملت . فقيل له : هذا له خاصة أم للناس عامة ؟ فقال : بل للناس عامة . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال له : " توضأ وضوءاً حسناً وصل ركعتين " { إن الحسنات يذهبن السيئات } قال ابن عباس : أي الصلوات الخمس كفارة لسائر الذنوب ما لم تكن كبيرة . وقيل : المراد إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . وعن مجاهد : الحسنات قول العبد سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . وقد يحتج بالآية على أن المعصية لا تضرّ مع الإيمان الذي هو رأس الأعمال الحسنة . { ذلك } المذكور من قوله : { فاستقم } إلى ههنا { ذكرى للذاكرين } عظة للمتعظين وإرشاد للمسترشيدن .

/خ123