لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّـٰكِرِينَ} (114)

قوله عز وجل : { وأقم الصلاة طرفي النهار } سبب نزول هذه الآية ما رواه الترمذي عن أبي اليسر قال «أتتني امرأة تبتاع تمراًَ فقلت إن في البيت تمراً هو أطيب منه فدخلت معي فأهويت إليها فقبلتها فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً فلم أصبر فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً فلم أصبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال أخلفت غازياً في سبيل الله في أهله بمثل هذا حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظن أنه من أهل النار قال وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً حتى أوحى الله إليه وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إلى قوله ذلك ذكرى للذاكرين .

قال أبو اليسر : فأتيته فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابه يا رسول الله ألهذا خاصة أم للناس عامة قال «بل للناس عامة » قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب وقيس بن الربيع ضعّفه وكيع وغيره وأبو اليسر هو كعب بن عمرو ( ق ) . عن عبد الله بن مسعود «أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فنزلت { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل } الآية فقال الرجل يا رسول الله ألي هذه الآية قال لمن عمل بها من أمتي وفي رواية فقال رجل من القوم يا نبي الله هذه له خاصة قال بل للناس كافة » عن معاذ بن جبل قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلاً لقي امرأة وليس بينهما معرفة فليس يأتي الرجل إلى امرأته شيئاً إلا قد أتى هو إليها إلا أنه لم يجامعها قال فأنزل الله عز وجل { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ ويصلي قال معاذ فقلت يا رسول الله أهي له خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقال : «بل للمؤمنين عامة ؟ » أخرجه الترمذي وقال هذا الحديث ليس بمتصل لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ .

أما التفسير فقوله سبحانه وتعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار } يعني صلاة الغداة والعشي وقال مجاهد : طرفي النهار يعني صلاة الصبح والظهر والعصر { وزلفاً من الليل } يعني صلاة المغرب والعشاء ، وقال مقاتل : صلاة الصبح والظهر طرف وصلاة العصر والمغرب طرف وزلفاً من الليل يعني صلاة العشاء وقال الحسن طرفي النهار الصبح والعصر وزلفاً من الليل المغرب والعشاء وقال ابن عباس طرفي النهار الغداة والعشي يعني صلاة الصبح والمغرب قال الإمام فخر الدين الرازي : كثرت المذاهب في تفسير طرفي النهار والأشهر أن الصلاة التي في طرفي النهار هي الفجر والعصر وذلك لأن أحد طرفي النهار هو طلوع الشمس والثاني هو غروبها فالطرف الأول هو صلاة الفجر والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب لأنها داخلة تحت قوله تعالى { وزلفاً من الليل } فوجب حمل الطرف الثاني على صلاة العصر { وزلفاً من الليل } يعني وأقم الصلاة في زلف من الليل وهي ساعاته واحدتها زلفة وأصل الزلفة المنزلة والمراد بها صلاة المغرب والعشاء { إن الحسنات يذهبن السيئات } يعني إن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات ويكفرنها ( م ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن زاد في رواية ما لم تغش الكبائر » وزاد في رواية أخرى «ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر » ( ق ) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا » ( خ ) عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات » قال الحسن وما يبقى من الدرن .

قال العلماء : الصغائر من الذنوب تكفرها الأعمال الصالحات مثل الصلاة والصدقة والذكر والاستغفار ونحو ذلك من أعمال البر وأما الكبائر من الذنوب فلا يكفرها إلا التوبة النصوح ولها ثلاث شرائط : الشرط الأول : الإقلاع عن الذنب بالكلية .

الثاني : الندم على فعله .

الثالث : العزم التام أن لا يعود إليه في المستقبل ، فإذا حصلت هذه الشرائط صحت التوبة وكانت مقبولة إن شاء الله تعالى ، وقال مجاهد في تفسير الحسنات إنها قول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والقول الأول أصح أنها الصلوات الخمس وهو قول ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب ومجاهد في إحدى الروايتين عنه والقرظي والضحاك وجمهور المفسرين { ذلك } إشارة إلى ما تقدم ذكره من الاستقامة والتوبة وقيل هو إشارة إلى القرآن { ذكرى للذاكرين } يعني عظة للمؤمنين المطيعين .