الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّـٰكِرِينَ} (114)

وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ } يعني الغداة والعشي ، قال ابن عباس : يعني صلاة العصر والمغرب . مجاهد : صلاة الفجر وصلاة العشاء ، القرظي : هي الفجر والظهر والعصر ، الضحاك : صلاة الفجر والعصر ، [ وقيل : الطرفان ] صلاة الفجر والظهر طرف وصلاة العصر والمغرب طرف .

{ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ } يعني صلاة العتمة ، وقال الحسن : هما المغرب والعشاء ، قال الأخفش : يعني ساعات الليالي واحدتها زلفة ، وأصل الزلفة المنزلة والقربة ، ومنه المزدلفة لأنها منزل بعد عرفة ، قال العجاج :

طيّ الليالي زلفاً فزلّفا *** سماوة الهلال حتى أحقوقفا

وفيه أربع لغات زُلُفاً : بفتح الفاء وضم اللام وهي قراءة العامة ، وقرأ أبو جعفر بضم الزاي واللام ، وقرأ ابن محيصن بضم الزاي وجزم اللام ، وقرأ مجاهد زُلفى ، مثل قُربى .

{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } يعني : إن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات ، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال مجاهد : هي قول العبد : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر .

نزلت هذه الآية في أبي اليسر عمرو بن غزية الأنصاري وكان يبيع التمر فأتته امرأة تبتاع تمراً فقال : إن هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه ، فهل لك فيه ، فقالت : نعم ، فذهب بها إلى بيته فضمها إليه وقبّلها ، فقالت له : اتق الله فتركها وندم على ذلك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل راود امرأة عن نفسها ولم يبق شيئاً مما يفعل الرجال بالنساء إلاّ ركبه غير أنه لم يجامعها ، فقال عمر بن الخطاب : لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك ، فلم يردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ، وقال : أنظر فيه أمر ربي ، وحضرت صلاة العصر ، فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم العصر ، فلما فرغ أتاه جبريل بهذه الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " " أين أبو اليسر ؟ " فقال : ها أناذا يا رسول الله ، قال : " أشهدت معنا هذه الصلاة ؟ " قال : نعم ، قال : " اذهب فإنها كفارة لما عملت " فقال عمر : يا رسول الله أهذا له خاصّة أم لنا عامة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " بل للناس عامة " " .

{ ذلِكَ } الذي ذكرناه ، وقيل : هو إشارة إلى القرآن { ذِكْرَى } عظة { لِلذَّاكِرِينَ *