فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّـٰكِرِينَ} (114)

{ وأقم الصلاة طرفي النهار } لما ذكر الله سبحانه الاستقامة خص من أنواعها إقامة الصلاة لكونها رأس الإيمان والمراد صلاة الغداة والعشي وهما الفجر والعصر ، قاله الحسن : وقيل الظهر موضع العصر ، وقيل الطرفان الصبح والمغرب ، قاله ابن عباس . وقيل هما الظهر والعصر ، وقال مجاهد : صلاة الفجر وصلاتي العشي يعني الظهر والعصر ، ورجح ابن جرير أنهما الصبح والمغرب .

قال : والدليل عليه إجماع الجميع على أن أحد الطرفين الصبح فدل على أن الطرف الآخر المغرب .

قال الرازي : كثرت المذاهب في تفسير طرفي النهار والأشهر أنهما الفجر والعصر لأن أحد طرفي النهار هو طلوع الشمس والثاني هو غروبها فالطرف الأول هو صلاة الفجر ، والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب لأنها داخلة تحت قوله وزلفا من الليل فوجب حمل الطرف الثاني على صلاة العصر . { وزلفا } أي في زلف { من الليل } والزلف الساعات القريبة بعضها من بعض ومنه سميت المزدلفة لأنها منزل بعد عرفة بقرب مكة ، وقرئ زلفا بضم اللام جمع زليف ويجوز أن يكون واحده زلفة ، وقرئ بإسكان اللام وقرأ مجاهد زلفى : على وزن فعلى وقرأ الباقون : زلفا بفتح اللام كغرفة وغرف قال ابن الأعرابي : الزلف الساعات واحدتها زلفة .

وقال قوم : الزلفة أول ساعة من الليل بعد مغيب الشمس ، وفي القاموس الزلفة الطائفة من الليل والجمع زلف وزلفات ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات النهار الآخذة من الليل . قال الأخفش : معنى زلفا من الليل صلاة الليل ، قال ابن عباس : صلاة العتمة ، وقال الحسن : هما زلفتان صلاة المغرب وصلاة العشاء وعن مجاهد والحسن نحوه وقال أيضا : ساعة بعد ساعة يعني صلاة العشاء الآخرة .

{ إن الحسنات } أي الواجبة والمندوبة وغيرها على العموم ومن جملتها بل عمادها الصلوات وعن ابن مسعود قال : هي الصلوات الخمس . وزاد ابن عباس والباقيات الصالحات { يذهبن السيئات } على العموم وقيل المراد بها الصغائر ومعنى يذهبن يكفرنها حتى كأنها لم تكن .

أخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له كأنه يسأل عن كفارتها فأنزلت عليه { وأقم الصلاة طرفي النهار } الآية فقال الرجل يا رسول الله ألي هذه ؟ قال : هي لمن عمل بها من أمتي .

وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم عن أبي أمامة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أقم في حد الله مرة أو مرتين فأعرض عنه ، ثم أقيمت الصلاة فلما فرغ قال أين الرجل ؟ قال أنا ذا قال أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا ؟ قال نعم ، قال فإنك من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فلا تعد وأنزل الله حينئذ على رسوله { وأقم الصلاة طرفي النهار } وفي الباب أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة .

ووردت أحاديث صحيحة أيضا أن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن . وقال مجاهد : الحسنات قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . والأول أولى ، وبه قال ابن المسيب والقرطبي والضحاك وجمهور المفسرين : أي الصلوات الخمس وله تدل الأحاديث .

{ ذلك } إشارة إلى قوله فاستقم وما بعده وقيل إن القرآن { ذكرى للذاكرين } أي موعظة للمتعظين . عن الحسن قال : هم الذين يذكرون الله في السراء والضراء والشدة والرخاء والعافية والبلاء وعن ابن جريج قال : لما نزع الذي قبل المرأة تذكر فذلك قوله ذلك ذكرى للذاكرين .