المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

4- وإن الأرض ذاتها فيها عجائب ، فيها قطع من الأرض يجاور بعضها بعضا ، وهي مختلفة التربة مع ذلك ، بعضها قاحل ، وبعضها خصب ، وإن اتحدت التربة ، ففيها حدائق مملوءة بكروم العنب ، وفيها زرع يحصد ، ونخيل مثمر ، وهي مجتمعة ومتفرقة ، ومع أنها تسقى بماء واحد يختلف طعمها ، وإن في هذه العجائب لدلائل واضحة علي قدرة الله لمن له عقل يفكر به{[102]} .


[102]:تشير الآية الكريمة إلي علوم الأرضي والبيئة وأثرها علي صفات النبات، فمن المعروف علميا أن التربة الزراعية تتكون من حبيبات معدنية مختلفة المصدر والحجم والترتيب، ومن الماء ومصدره المطر، ومن الهواء، ومن المادة العضوية التي يرجع وجودها إلي بقايا النبات والأحياء الأخرى التي توجد علي سطح التربة أو في داخلها، وفضلا عن ذلك فتوجد ملايين الكائنات الحية الدقيقة لا ترى بالعين المجردة لصغر حجمها، وتختلف أعدادها من عشرات الملايين إلي مئاتها في كل جرام من التربة السطحية الزراعية. إن النظرة الشاملة لصفات التربة الطبيعية والكيماوية والحيوية إن دلت علي شيء فإنما تدل علي قدرة الخالق، وروعة الخلق. فالأرض كما يقول الزارعون بحق تختلف من شبر إلي شبر. ومعروف للعلماء أن أي نقص في أحد المواد الأساسية لتغذية يتبعه تغيير مميز تظهر أعراضه علي النبات، ولذلك يعمد الزارعون إلي تعويض النقص بالتسميد الملائم، وعوامل البيئة أكثر من أن تحصى ولها أثر ملحوظ علي الثمر والإثمار سواء كان النبات متحد الأصل أو مختلفه فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وهو علي كل شيء قدير.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

قوله تعالى : { وفي الأرض قطع متجاورات } ، متقاربات يقرب بعضها من بعض ، وهي مختلفة : هذه طيبة تنبت ، وهذه سبخة لا تنبت ، وهذه قليلة الريع ، وهذه كثيرة الريع ، { وجنات } : بساتين ، { من أعناب وزرع ونخيل صنوان } ، رفعها كلها ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، ويعقوب ، عطفا على الجنات ، وجرها الآخرون نسقا على الأعناب . والصنوان : جمع صنو ، وهو النخلات يجمعهن أصل واحد . { وغير صنوان } ، هي النخلة المنفردة بأصلها .

وقال أهل التفسير : صنوان : مجتمع ، وغير صنوان : متفرق . نظيره من الكلام : قنوان جمع قنو . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في العباس : " إن عم الرجل صنو أبيه " . ولا فرق في الصنوان والقنوان بين التثنية والجمع إلا في الإعراب ، وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة ، وفي الجمع منونة .

{ يسقى بماء واحد } ، قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب يسقى بالياء أي يسقى ذلك كله لماء واحد ، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى : { وجنات } ولقوله تعالى من بعد : { ونفضل بعضها على بعض } ، ولم يقل بعضه . والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام . { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } ، في الثمر والطعم . قرأ حمزة والكسائي ويفضل بالياء ، لقوله تعالى : { يدبر الأمر يفصل الآيات } [ الرعد-2 ] . وقرأ الآخرون بالنون على معنى : ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل ، وجاء في الحديث ونفضل بعضها على بعض في الأكل ، قال : الفارسي ، كجيد التمر والدقل ، والحلو والحامض . قال مجاهد : كمثل بني آدم ، صالحهم وخبيثهم ، وأبوهم واحد . قال الحسن : هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم ، يقول : كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عز وجل ، فسطحها ، فصارت قطعا متجاورة ، فينزل عليها المطر من السماء ، فتخرج هذه زهرتها ، وشجرها وثمرها ونباتها ، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها ، وكل يسقى لماء واحد ، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع ، وتقسو قلوب فتلهو . قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان ، قال الله تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } [ الإسراء-82 ] . { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

ومن الآيات على كمال قدرته وبديع صنعته أن جعل { فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ } فيها أنواع الأشجار { مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ } وغير ذلك ، والنخيل التي بعضها { صِنْوَانٌ } أي : عدة أشجار في أصل واحد ، { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } بأن كان كل شجرة على حدتها ، والجميع { يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ } وأرضه واحدة { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ } لونا وطعما ونفعا ولذة ؛ فهذه أرض طيبة تنبت الكلأ والعشب الكثير والأشجار والزروع ، وهذه أرض تلاصقها لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء ، وهذه تمسك الماء ولا تنبت الكلأ ، وهذه تنبت الزرع والأشجار ولا تنبت الكلأ ، وهذه الثمرة حلوة وهذه مرة وهذه بين ذلك .

فهل هذا التنوع في ذاتها وطبيعتها ؟ أم ذلك تقدير العزيز الرحيم ؟

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : لقوم لهم عقول تهديهم إلى ما ينفعهم ، وتقودهم إلى ما يرشدهم ويعقلون عن الله وصاياه وأوامره ونواهيه ، وأما أهل الإعراض ، وأهل البلادة فهم في ظلماتهم يعمهون ، وفي غيهم يترددون ، لا يهتدون إلى ربهم سبيلا ولا يعون له قيلا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

ثم ساق - سبحانه - مظاهر أخرى لقدرته فقال - تعالى - : { وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } .

والقطع : جمع قطعة - بكسر القاف - وهى الجزء من الشئ ، تشبيها لها ، بما يقتطع من الشئ .

ومتجاورات : أى : متلاقيات ومتقاربات .

وليس هذا الوصف مقصوداً لذاته ، بل المقصود أنها من تجاورها وتقاربها مختلفة في أوصافها مما يشهد بقدرة الله - تعالى - العظيمة .

ولذا قال ابن كثير ما ملخصه : { وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } أى : أرض يجاوزر بعضها بعضاً ، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينتفع به الناس ، وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئاً ، وهذه تربتها حمراء ، وتلك تربتها سوداء . . . وهذه محجرة وتلك سهلة . . . والكل متجاورات ، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .

وقال - سبحانه - { وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } بإعادة اسم الأرض الظاهر ، ولم يقل وفيها قطع متجاورات كما قال : { جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين } في الآية السابقة ، وذلك ليكون كاملاً مستقلا ، وليتجدد الأسلوب فيزداد حلاوة وبلاغة . وقوله { وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل . . . } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - ورحمته بعباده .

والجنات : جمع جنة ، والمراد بها البستان ذو الشجر المتكاثف ، الملتف الأغصان الذي يظلل ما تحته ويستره .

والأعناب : جمع عنب وهو شجر الكرم .

والمراد بالزرع : أنواع الحبوب على اختلاف ألوانها وطعومها وصفاتها وقوله { صنوان } صفة لنخيل ، وهو جمع صنو .

والصنو : بمعنى المثل ومنه قيل لعم الرجل : صنو أبيه ، أى : مثله ، فأطلق على كل غصن صنو لمماثلته للآخر في التفرع من أصل واحد { والأكل } اسم لما يؤكل من الثمار والحب .

والمعنى : أن من مظاهر قدرت الله - أيضا - ومن الأدلة على وحدانيته - سبحانه - أنه جعل في الأرض بقاعا كثيرة متجاورة ومع ذلك فهى مختلفة في أوصافها وفى طبيعتها .

. وفيها أيضا بساتين كثيرة من أعناب ومن كل نوع من أنواع الحبوب .

وفيها كذلك نخيل يجمعها أصل واحد فهى صنوان ، ونخيل أخرى لا يجمعها أصل واحد فهى غير صنوان .

والكل من الأعناب والزرع والنخيل وغيرها { يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ } لا اختلاف في ذاته سواء أكان السقى من ماء الأمطار أم من ماء الأنهار ومع وجود أسباب التشابه ، فإننا لعظيم قدرتنا وإحساننا { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ } آخر منها { فِي الأكل } أى : في اختلاف الطعوم .

قال الإِمام الرازى : " قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم { وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } كلها بالرفع عطفا على قوله { وجنات } وقرأ الباقون بالجر عطفاً على الأعناب . . . "

وخص - سبحانه - النخيل بوصفه بصنوان ، لأن العبرة به أقوى ، إذ المشاهدة له أكثر من غيره .

ووجه زيادة { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } تجدير العبرة باختلاف الأحوال ، واقتصر - سبحانه - في التفاضل على الأكل ، لأنه أعظم المنافع .

وقوله - سبحانه - { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } تذييل قصد به الحض على التعقل والتدبر .

أى : إن في ذلك الذي فصل الله - تعالى - أحواله من اختلاف أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها وطعومها وأوراقها . . . مع أنها تسقى بماء واحد . وتنبت في أرض متجاورة ، إن في ذلك كله لدلائل باهرة ، على قدرة الله - تعالى - واختصاصه بالعبادة ، لقوم يستعملون عقولهم في التفكير السليم ، والتأمل النافع .

أما الذني يستعملون عقولهم فيما لا ينفع ، فإنهم يمرون بالعبر والعظات وهم عنها معرضون .

وبذلك نرى أن الله - تعالى - قد ساق في هذه الآيات أدلة متعددة ومتنوعة من العالم العلوى والسفلى ، وكلها تدل على عظيم قدرته ، وجليل حكمته .

وهذه الأدلة منها :

1 - خلقه السموات مرتفعة بغير عمد .

2 - تسخيره الشمس والقمر لمنافع الناس .

3 - خلقه الأرض بتلك الصورة الصالحة للاستقرار عليها .

4 - خلقه الجبال فيها لتثبيتها .

5 - خلقه الأنهار فيها لمنفعة الإِنسان والحيوان والنبات .

6 - خلقه زوجين اثنين من كل نوع من أنواع الثمار .

7 - معاقبته بين الليل والنهار .

8 - خلقه بقاعا في الأرض متجاورة مع اختلافها في الطبيعة والخواص .

9 - خلقه أنواعاً من الزورع المختلفة في ثمارها وأشكالها .

10 - خلقه النخيل صنواناً وغير صنوان ، وجميعها تسقى بماء واحد .

ومع كل ذلك فضل - سبحانه - بعضها على بعض في الأكل .

وهذه الأدلة يشاهدها الناس بأبصارهم ، ويحسونها بحواسهم ، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

ثم تمضي الريشة المبدعة في تخطيط وجه الأرض بخطوط جزئية أدق من الخطوط العريضة الأولى :

( وفي الأرض قطع متجاورات ، وجنات من أعناب ، وزرع ، ونخيل صنوان وغير صنوان ، يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل . إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) . .

وهذه المشاهد الأرضية ، فينا الكثيرون يمرون عليها فلا تثير فيهم حتى رغبة التطلع إليها ! إلا أن ترجع النفس إلى حيوية الفطرة والاتصال بالكون الذي هي قطعة منه ، انفصلت عنه لتتأمله ثم تندمج فيه . .

( وفي الأرض قطع متجاورات ) . .

متعددة الشيات ، وإلا ما تبين أنها( قطع )فلو كانت مثماثلة لكانت قطعة . . منها الطيب الخصب ، ومنها السبخ النكد . ومنها المقفر الجدب . ومنها الصخر الصلد . وكل واحد من هذه وتلك أنواع وألوان ودرجات . ومنها العامر والغامر . ومنها المزروع الحي والمهمل الميت . ومنها الريان والعطشان . ومنها ومنها ومنها . . وهي كلها في الأرض متجاورات .

هذه اللمسة العريضة الأولى في التخطيط التفصيلي . . ثم تتبعها تفصيلات : ( وجنات من أعناب ) . ( وزرع ) . ( ونخيل )تمثل ثلاثة أنواع من النبات ، الكرم المتسلق . والنخل السامق . والزرع من بقول وأزهار وما أشبه . مما يحقق تلوين المنظر ، وملء فراغ اللوحة الطبيعية ، والتمثيل لمختلف أشكال النبات .

ذلك النخيل . صنوان وغير صنوان . منه ما هو عود واحد . ومنه ما هو عودان أو أكثر في أصل واحد . . وكله ( يسقى بماء واحد )والتربة واحدة ، ولكن الثمار مختلفات الطعوم :

( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) .

فمن غير الخالق المدبر المريد يفعل هذا وذاك ? !

من منا لم يذق الطعوم مختلفات في نبت البقعة الواحدة . فكم منا التفت هذه اللفتة التي وجه القرآن إليها العقول والقلوب ? إنه بمثل هذا يبقى القرآن جديدا أبدا ، لأنه يجدد أحاسيس البشر بالمناظر والمشاهد في الكون والنفس ؛ وهي لا تنفد ولا يستقصيها إنسان في عمره المحدود ، ولا تستقصيها البشرية في أجلها الموعود .

( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) . .

ومرة ثالثة نقف أمام التقابلات الفنية في اللوحة بين القطع المتجاورات المختلفات . والنخل صنوان وغير صنوان والطعوم مختلفات . والزرع والنخيل والأعناب . . .

تلك الجولة الهائلة في آفاق الكون الفسيحة ، يعود منها السياق ليعجب من قوم ، هذه الآيات كلها في الآفاق لا توقظ قلوبهم ، ولا تنبه عقولهم ، ولا يلوح لهم من ورائها تدبير المدبر ، وقدرة الخالق ، كأن عقولهم مغلولة ، وكأن قلوبهم مقيدة ، فلا تنطلق للتأمل في تلك الآيات :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنّاتٌ مّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىَ بَعْضٍ فِي الاُكُلِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وفي الأرْض قطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ : وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض بالجوار ، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض ، فمنها قطعة سَبِخة لا تنبت شيئا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : وفي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ قال : السّبِخة والعَذِيَة ، والمالح والطيب .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ قال : سباخ وعُذُوبة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن ابن عباس في قوله : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاورَاتٌ قال : العَذِية والسّبِخة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ يعني : الأرض السّبِخة ، والأرض العَذِية ، يكونان جميعا متجاورات ، نفضل بعضها على بعض في الأُكل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ العَذِية والسّبِخة متجاورات جميعا ، تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ طيبها : عَذِيّهَا ، وخبيثها : السباخ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ قرى قربت متجاورات بعضها من بعض .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ قال : قُرًى متجاورات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفيّ ، عن الضحاك ، في قوله : قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ قال : الأرض السّبِخة تليها الأرض العَذِية .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ يعني الأرض السّبِخة والأرضِ العَذِية ، متجاورات بعضها عند بعض .

حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، في قوله : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ قال : الأرض تنبت حلُوا ، والأرض تنبت حامضا ، وهي متجاورة تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ قال : يكون هذا حلُوا وهذا حامضا ، وهو يُسْقى بماء واحد ، وهنّ متجاورات .

حدثني عبد الجبار بن يحيى الرمليّ ، قال : حدثنا ضَمْرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب في قوله : وفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ قال : عذية ومالحة .

وقوله : وَجَنّاتٌ مِنْ أعْنابِ وَزَرْعٌ ونَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ونُفَضّلُ بَعْضَها على بَعْضٍ فِي الأُكُلِ يقول تعالى ذكره : وفي الأرض مع القطع المختلفات المعاني منها ، بالملوحة والعذوبة ، والخبيث والطيب ، مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض ، بساتينُ من أعناب وزرع ونخيل أيضا ، متقاربة في الخِلقة مختلفة في الطعوم والألوان ، مع اجتماع جميعها على شِرب واحد ، فمِنْ طيّبٍ طعمُه منها حَسَنٍ منظره طيبة رائحته ، ومِن حامض طعمه ولا رائحة له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَجَنّاتٌ مِنْ أعْنابٍ وَرَرْعٌ ونَخِيلٌ صِنْوَانٍ وغير صْنَوان قال : مجتمع وغير مجتمع . يُسْقَى بِمَاءٍ واحِد ونُفَصّلُ بَعْضَها على بَعْضٍ فِي الأُكُلِ قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخَوْخ والكمثري والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملاً من بعض ، وبعضه حلو ، وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَجَنّاتٌ قال : وما معها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال المثنى ، وثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَزَرْعٌ ونَخِيلٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة : «وَزَرْعٍ ونَخِيلٍ » بالخفض عطفا بذلك على «الأعناب » ، بمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات ، وجنّات من أعناب ومن زرع ونخيل . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة : وزَرْعٌ ونَخِيلٌ بالرفع عطفا بذلك على «الجنات » ، بمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب ، وفيها أيضا زرع ونخيل .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، وقرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء مشهورون ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وذلك أن الزرع والنخل إذا كانا في البساتين فهما في الأرض ، وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة ، فسواءٌ وصفا بأنهما في بستان أو في أرض .

وأما قوله : ونَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ فإن الصنوان : جمع صنو ، وهي النخَلات يجمعهن أصل واحد ، لا يفرّق فيه بين جميعه واثْنيه إلاّ بالإعراب في النون ، وذلك أن تكون نونه في اثنيه مكسورة بكل حال ، وفي جميعه متصرّفة في وجوه الإعراب ، ونظيره القِنْوان : واحدها قِنْو .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : صِنْوَانٌ قال : المجتمع ، وغيرُ صِنْوَانٍ : المتفرّق .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : صِنْوَانٌ : هي النخلة التي إلى جنبها نخلات إلى أصلها ، وغيرُ صِنْوَانٍ : النخلة وحدها .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال : الصنوان : النخلتان أصلهما واحد ، وغيرُ صِنْوَانٍ النخلة والنخلتان المتفرّقتان .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البرَاء يقول في هذه الآية ، قال : النخلة يكون لها النخلات ، وغيرُ صِنْوَانٍ النخل المتفرّق .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ، ويحيى بن عباد وعفان ، واللفظ لفظ أبي قَطَن ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، في قوله : صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال : الصنوان : النخلة التي جنبها النخَلات ، وغيرُ صنْوَانٍ : المتفرّق .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : صِنْوَانٌ وغيرُ صَنْوَانٍ قال : الصنوان : النخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهنّ واحد ، وغير صنوان : المتفرّق .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان وشريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال : النخلتان يكون أصلهما واحد ، وغير صنوان : المتفرّق .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : صِنْوَانٌ يقول : مجتمع .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ونَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوانِ يعني بالصنوان : النخلة يخرج من أصلها النخَلات ، فَيحمِل بعضه ولا يحمل بعضه ، فيكون أصله واحدا ورؤوسه متفرّقة .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : صِنْوَانٌ وغيرٌ صِنْوَانٍ النخيل في أصل واحد ، وغير صنوانٍ : النخيل المتفرّق .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : ونَخيلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال : مجتمع ، وغير مجتمع .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا النفيلي ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البرَاء ، قال : الصنوان : ما كان أصله واحدا وهو متفرّق ، وغير صنوان : الذي نبت وحده .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : صِنْوَانٌ النخلتان وأكثر في أصل واحد ، وَغيرُ صِنْوَانٍ وحدها .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : صِنْوَانٌ : النخلتان أو أكثر في أصل واحد ، وغيرُ صِنْوَانٍ واحدة .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال : الصنوان : المجتمع أصله واحد ، وغير صنوان : المتفرّق أصله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : صِنْوانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال : الصنوان : المجتمع الذي أصله واحد ، وغير صنوان : المتفرّق .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ونَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوانٍ أما الصنوان : فالنخلتان والثلاث أصولهنّ واحدة وفروعهنّ شتى ، وغير صنوان : النخلة الواحدة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال : صنوان : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهنّ واحد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد قوله : ونَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال : الصنوان : النخلتان أو الثلاث يكنّ في أصل واحد ، فذلك يعدّه الناس صنوانا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : حدثني رجل أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ألم تر عباسا فعل بي وفعل ، فأردت أن أجيبه ، فذكرت مكانه منك فكففت فقال : «يَرْحَمُكَ اللّهُ إنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِيهِ » .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : صِنْوَانٌ : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهنّ واحد قال : فكان بين عمر بن الخطاب وبين العباس رضي الله عنهما قول ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبيّ الله ألم تر عباسا فعل بي وفعل ؟ فأردت أن أجيبه ، فذكرت مكانه منك فكففت عند ذلك ، فقال : «يَرْحَمُكَ اللّهُ إنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِيهِ » .

قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن داود بن شابور ، عن مجاهد ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «لا تُؤْذُونِي فِي العَبّاسِ فإنّهُ بَقِيّةُ آبائِي ، وإنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِيهِ » .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، وابن أبي مليكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر : «يا عُمَرُ أما عَلِمْتَ أنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِيهِ ؟ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد : صِنْوَانٌ قال : في أصل ثلاث نَخَلات ، كمثل ثلاثة بني أمّ وأب يتفاضلون في العمل ، كما يتفاضل ثمر هذه النخلات الثلاث في أصل واحد . قال ابن جريج : قال مجاهد : كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن الحسن ، قال : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم كان الأرض في يد الرحمن طينة واحدة ، فسَطَحها وبطَحَها ، فصارت الأرض قطعا متجاورات ، فينزل عليها الماء من السماء ، فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها وتخرج نباتها وتحيي مواتها ، وتخرج هذه سَبَخها ومِلْحها وخَبثها ، وكلتاهما تُسقى بماء واحد ، فلو كان الماء مالحا ، قيل : إنما استسبخت هذه من قبل الماء ، كذلك الناس خلقوا من آدم ، فينزل عليهم من السماء تذكرة ، فترقّ قلوب فتخشع وتخضع ، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو . قال الحسن : والله ما جالس القرآنَ أحدٌ إلاّ قام بزيادة أو نقصان ، قال الله : ونُنَزّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إلاّ خَسارًا .

وقوله : «تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ » اختلفت القرّاء في قوله «تُسْقَى » ، فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة : «تُسْقَى » بالتاء ، بمعنى : تسقى الجنات والزرع والنخيل . وقد كان بعضهم يقول : إنما قيل : «تُسقى » بالتاء لتأنيث الأعناب . وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين : يُسْقَى بالياء . وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرىء كذلك ، وإنما ذلك خبر عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد ، فقال بعض نحويّي البصرة : إذا قرىء ذلك بالتاء ، فذلك على الأعناب كما ذكّر الأنعام في قوله : ما فِي بُطُونِهِ وأنّث بعدُ فقال : وَعَلَيْها وَعلى الفُلْكِ تُحْمَلُونَ فمن قال : يُسْقَى بالياء جعل الأعناب مما تذكر وتؤنث ، مثل الأنعام . وقال : بعض نحويي الكوفة : من قال «تُسْقَى » ذهب إلى تأنيث الزرع والجنات والنخيل ، ومن ذكّر ذهب إلى أن ذلك كله يسقى بماء واحد ، وأكله مختلف حامض وحلو ، ففي هذا آية .

وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها ، قراءة من قرأ ذلك بالتاء : «تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ » على أن معناه : تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد لمجيء «تسقى » بعد ما قد جرى ذكرها ، وهي جماع من غير بني آدم ، وليس الوجه الاَخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد : أي جميع ذلك يسقى بماء واحد عذب دون المالح .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : «تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ » ماء السماء كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : «تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ » قال : ماء السماء .

حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك : «تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ » قال : ماء المطر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قرأه ابن جريج ، عن مجاهد : «تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ » قال : ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد .

قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب : «تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ » قال : بماء السماء .

وقوله : وَنُفَضّلُ بَعْضَها على بَعْضٍ فِي الأُكُلِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه عامة قرّاء المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين : ونُفَضّلُ بالنون بمعنى : ونفضل نحن بعضها على بعض في الأكل . وقرأته عامُة قرّاء الكوفيين : «ويفضل » بالياء ، ردا على قوله : يُغْشِي اللّيْلَ النّهارَ ويفضل بعضها على بعض . وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أن الياء أعجبهما إليّ في القراءة ، لأنه في سياق كلام ابتداؤه «الله الذي رفع السموات » فقراءته بالياء إذ كان كذلك أولى .

ومعنى الكلام : أن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل ، الصنوان وغير الصنوان ، تسقى بماء واحد عذب لا ملح ، ويخالف الله بين طعوم ذلك ، فيفضل بعضها على بعض في الطعم ، فهذا حلو وهذا حامض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَنُفَضّلُ بَعْضَها على بَعْضٍ فِي الأُكُلِ قال : الفارسي والدّقَل والحلو والحامض .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : وَنُفَضّلُ بَعْضَها على بَعْضٍ فِي الأُكُلِ قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثري والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملاً من بعض ، وبعضه حلو وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عارم أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : وَنُفَضّلُ بَعْضَها على بَعْضٍ فِي الأُكُلِ قال : برنيّ وكذا وكذا ، وهذا بعضه أفضل من بعض .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَنُفَضّلُ بَعْضَها على بَعْضٍ فِي الأُكُلِ قال : هذا حامض ، وهذا حلو ، وهذا مزّ .

حدثني محمود بن خداش ، قال : حدثنا سيف بن محمد بن أحمد ، عن سفيان الثوري ، قال : حدثنا الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله : وَنُفَضّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ قال : «الدّقَلُ والفَارِسيّ والحُلْوُ والحَامِضُ » .

حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : وَنُفَضّلُ بَعْضَها على بَعْضٍ فِي الأُكُلِ قال : «الدّقَلُ والفَارِسِيّ والحُلْوُ والحَامِضُ » .

وقوله : إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يقول تعالى ذكره : إن في مخالفة الله عزّ وجلّ بين هذا القطع من الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينا لدليلاً واضحا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك ، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه ، هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان ، فوفق هذا وخذل هذا ، وهدى ذا وأضلّ ذا ، ولو شاء لسوّى بين جميعهم ، كما لو شاء سوّى بين جميع أُكل ثماء الجنة التي تشرب شربا واحدا ، وتسقى سقيا ( واحدا ) ، وهي متفاضلة في الأكل .