{ وَفِى الأرض قِطَعٌ متجاورات } هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات . قيل : وفي الكلام حذف ، أي : قطع متجاورات ، وغير متجاورات ، كما في قوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر } [ النحل : 81 ] أي : وتقيكم البرد . قيل : والمتجاورات : المدن وما كان عامراً ، وغير المتجاورات : الصحارى وما كان غير عامر ، وقيل : المعنى : متجاورات متدانيات ، ترابها واحد وماؤها واحد . وفيها زرع وجنات ، ثم تتفاوت في الثمار فيكون البعض حلواً والبعض حامضاً ، والبعض طيباً والبعض غير طيب ، والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر { وجنات مّنْ أعناب } الجنات : البساتين ، قرأ الجمهور برفع { جنات } على تقدير : وفي الأرض جنات ، فهو معطوف على قطع متجاورات ، أو على تقدير : وبينها جنات . وقرأ الحسن بالنصب على تقدير : وجعل فيها جنات ، وذكر سبحانه الزرع بين الأعناب والنخيل ؛ لأنه يكون في الخارج كثيراً كذلك ، ومثله في قوله سبحانه { جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } [ الكهف : 32 ] .
{ صنوان وَغَيْرُ صنوان } ، قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص { وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان } برفع هذه الأربع عطفاً على جنات ، وقرأ الباقون بالجرّ عطفاً على أعناب . وقرأ مجاهد والسلمي بضم الصاد من صنوان . وقرأ الباقون بالكسر ، وهما لغتان . قال أبو عبيدة : صنوان : جمع صنو ، وهو أن يكون الأصل واحداً ، ثم يتفرع فيصير نخيلاً ، ثم يحمل ، وهذا قول جميع أهل اللغة والتفسير . قال ابن الأعرابي : الصنو : المثل ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( عم الرجل صنو أبيه ) ، فمعنى الآية على هذا : أن أشجار النخيل قد تكون متماثلة وقد لا تكون . قال في الكشاف : والصنوان جمع صنو ، وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد ، وقيل : الصنوان المجتمع ، وغير الصنوان المتفرق . النحاس : وهو كذلك في اللغة ، يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر : صنوان ، والصنو : المثل ، ولا فرق بين التثنية والجمع إلاّ بكسر النون في المثنى ، وبما يقتضيه الإعراب في الجمع . { يسقى بِمَاء واحد } ، قرأ عاصم وابن عامر : { يسقى } بالتحتية ، أي : يسقى ذلك كله . وقرأ الباقون بالفوقية بإرجاع الضمير إلى جنات ، واختاره أبو حاتم وأبو عبيد وأبو عمرو ، قال أبو عمرو : التأنيث أحسن لقوله : { وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل } ولم يقل : بعضه . وقرأ حمزة والكسائي «يفضل » بالتحتية كما في قوله : { يُدَبّرُ الأمر يُفَصّلُ الآيات } [ الرعد : 2 ] وقرأ الباقون بالنون على تقدير : ونحن نفضل .
وفي هذا من الدلالة على بديع صنعه ، وعظيم قدرته ما لا يخفى على من له عقل ؛ فإن القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد وتتفاضل في الثمرات في الأكل ، فيكون طعم بعضها حلواً والآخر حامضاً ، وهذا في غاية الجودة ، وهذا ليس بجيد ، وهذا فائق في حسنه ، وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر واعتبر ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضي لاختلافها ليس إلاّ قدرة الصانع الحكيم جلّ سلطانه وتعالى شأنه ، لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون في نظر العقلاء إلاّ لسببين : إما اختلاف المكان الذي هو المنبت ، أو اختلاف الماء الذي تسقى به ، فإذا كان المكان متجاوراً ، وقطع الأرض متلاصقة ، والماء الذي تسقى به واحداً ، لم يبق سبب للاختلاف في نظر العقل إلاّ تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب ، ولهذا قال الله سبحانه : { إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : يعلمون على قضية العقل وما يوجبه غير مهملين لما يقتضيه من التفكر في المخلوقات والاعتبار في العبر الموجودات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.