لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

قوله عز وجل { وفي الأرض قطع متجاورات } يعني متقاربات بعضها من بعض ، وهي مختلفة في الطبائع فهذه طيبة تنبت وهذه سبخة لا تنبت ، وهذه قليلة الريع وهذه كثيرة الريع { وجنات } يعني بساتين والجنة كل بستان ذي شجر من نخيل وأعناب وغير ذلك ، سمي جنة لأنه يستر بأشجاره الأرض وإليه الإشارة بقوله { من أعناب وزرع ونخيل صنوان }جمع صنو وهي النخلات يجتمعن من أصل واحد ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس « عم الرجل صنو أبيه » يعني أنهما من أصل واحد { وغير صنوان } هي النخلة المنفردة بأصلها فالصنوان المجتمع ، وغير الصنوان المتفرق { يسقى بماء واحد } يعني أشجار الجنات وزروعها ، والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام ، وقيل : في حده جوهر سيال به قوام الأرواح ؛ { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } يعني في الطعم ما بين الحلو والحامض والعفص وغير ذلك من الطعام .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم « في قوله تعالى : { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } قال : الدقل والنرسيان والحلو والحامض » أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن غريب . قال مجاهد : هذا كمثل بني آدم صالحهم وخبيثهم وأبوهم واحد ، وقال الحسن : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن فسطحها فصارت قطعاً متجاورات ، وأنزل على وجهها ماء السماء فتخرج هذه زهرتها وثمرتها وشجرها ، وتخرج هذه نباتها وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها وكل يسقى بماء واحد فلو كان الماء قليلاً . قيل : إنما هذا من قبل الماء كذلك الناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترق قلوب قوم فتخشع وتخضع وتقسو قلوب قوم فتلهو ، ولا تسمع . وقال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله تعالى { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } وقوله تعالى { إن في ذلك } يعني الذي ذكر { لآيات لقوم يعقلون } يعني فيتدبرون ويتفكرون في الآيات الدالة على وحدانيته .