التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

قوله : { وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } وهذا كلام مستأنف يحمل دليلا آخر على قدرة الله وعظيم صنعه . والمعنى : أن في الأرض قطعا متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض بالجوار ، لكن هذه التقطع من الأرض تختلف بالتفاضل ؛ فمنها قطعة سبخة لا تنبت ، وفي جوارها قطعة خصبة تنبت ، أو هذه حمراء وبجوارها بيضاء ، أو سوداء ، أو هذه رملية وبجوارها طينية ، وهكذا ، لكن القطع جميعا متجاورات وهي مع تجاوزها وتدانيها فيما بينها ولصوق بيعها ببعض فإنها جميعا تتفاوت في المذاق والطعوم ؛ فهذه ثمرها جيد ، والأخرى ثمرها رديء ، وهذه ثمرها أسود ، وذلك كله بتقدير الله وصنعه ؛ فهو المدبر للخلق ، القائم على تصريف الحياة والأحياء كيف يشاء .

قوله : { وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ } { جنات } مرفوع لعطفه على { قطع } { رزوع } معطوف على { جنات } . والتقدير : وفي الأرض فقطع متجاورات وجنات وزرع ونخيل { صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } الصنوان ، جمع صنو ، مثل قنوان جمع قنو . وكذلك الاثنان صنوان . والصنو أن يكون الأصل واحدا وتنبت فيه النخلتان والثلاث فأكثر ، فكل واحدة صنو .

وقيل : الصنو : المثل . وفي الحديث : ( ألا إن عم الرجل صنو أبيه ) أي مثله{[2312]} ، وعلى هذا فالصنون بمعنى النخلات يجمعهن أصل واحد . وغير الصنوان المتفرقات .

قوله : { يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ } { الأكل } : الثمر . وقيل : ثمر النخل والشجر . وكل مأكول أكل{[2313]} . والمعنى : أن الأرض واحدة ، والماء الساقي واحد ومتشابه . ثم تأتي طعوم الثمار متفاوتة مختلفة ؛ فيكون فيها الحلو والحامض والمر ، والجيد والرديء . و { الأكل } معناه الطعم { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } فيما تبين من صفات والظواهر في الخلق والطبيعة لهو دلالات لأولي الفهوم والنهي كيما يعتبروا ويتدبروا{[2314]} .


[2312]:تفسير الرازي جـ 19 ص 8 ونختار الصحاح ص 371 والبيان لابن الأنباري جـ 2 ص 48.
[2313]:مختار الصحاح ص 20.
[2314]:تفسير الطبري جـ 13 ص 66- 69 وتفسير ابن كثير جـ 2 ص 500 والكشاف جـ 2 ص 349.