الصنو : الفرع يجمعه ، وآخر أصل واحد ، وأصله المثل ومنه قيل : للعم صنو ، وجمعه في لغة الحجاز صنوان بكسر الصاد كقنو وقنوان ، ويضمها في لغة تميم وقيس ، كذئب وذؤبان . ويقال : صنوان بفتح الصاد وهو اسم جمع لا جمع تكسير ، لأنه ليس من أبنيته .
ومتجاورات متلاصقة متداينة ، قريب بعضها من بعض .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والضحاك : أرض طيبة وأرض سبخة ، نبتت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت .
وقال ابن قتيبة وقتادة : يعني القرى المتجاورة .
وقيل : متجاورة في المكان ، مختلفة في الصفة ، صلبة إلى رخوة .
وسحراً إلى مرد أو مخصبة إلى مجدبة ، وصالحة للزرع لا للشجر ، وعكسها مع انتظام جميعها في الأرضية .
وقيل : في الكلام حذف معطوف أي : وغير متجاورات .
والمتجاورات المدن وما كان عامراً ، وغير المتجاورات الصحاري وما كان غير عامر .
قال ابن عطية : والذي يظهر من وصفه لها بالتجاور إنما هو من تربة واحدة ، ونوع واحد .
وموضع العبرة في هذا أبين ، لأنها مع اتفاقها في الترب والماء تفضل القدرة والإرادة بعض أكلها على بعض ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن هذه الآية فقال : «الدقل ، والقارس ، والحلو ، والحامض » وقال ابن عطية : وقيد منها في هذه المثال ما جاور وقرب بعضه من بعض ، لأن اختلاف ذلك في الأكل أغرب .
وفي بعض المصاحف : قطعاً متجاورات بالنصب على جعل .
وقرأ الجمهور : وجنات بالرفع ، وقرأ الحسن : بالنصب ، بإضمار فعل .
وقال الزمخشري : بالعطف على زوجين اثنين ، أو بالجر على كل الثمرات انتهى .
والأولى إضمار فعل لبعد ما بين المتعاطفين في هذه التخاريج ، والفصل بينهما بجمل كثيرة .
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص : وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان بالرفع في الجميع على مراعاة قطع .
وقال ابن عطية : عطفاً على أعناب ، وليست عبارة محررة أيضاً ، لأن فيها ما ليس بعطف وهو قوله : صنوان .
وقرأ باقي السباعة : بخفض الأربعة على مراعاة من أعناب قال : وجعل الجنة من الأعناب من رفع الزرع ، والجنة حقيقة إنما هي الأرض التي فيها الأعناب ، وفي ذلك تجوز ومنه قول الشاعر :
كأن عيني في غربي مقبلة *** من النواضح تسقي جنة سحقه
أي نخيل جنة إذ لا يوصف بالسحق إلا النخل .
ومن خفض الزرع فالجنات من مجموع ذلك لا من الزرع وحده ، لأنه لا يقال للمزرعة جنة إلا إذا خالطها ثمرات .
وقرأ الجمهور : صنوان بكسر الصاد فيهما ، وابن مصرف والسلمي وزيد بن علي : بضمها ، والحسن وقتادة بفتحها ، وبالفتح هو اسم للجمع ، كالسعدان .
وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وزيد بن علي : يسقى بالياء ، أي : يسقى ما ذكر .
وباقي السبعة بالتاء ، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وأهل مكة .
أنثوا لعود الضمير على لفظ ما تقدم ، ولقوله : ونفضل بالنون .
وحمزة والكسائي بالياء ، وابن محيصن بالياء في تسقي ، وفي نفضل .
وقرأ يحيى بن يعمر ، وأبو حيوة ، والحلبي عن عبد الوارث : ويفضل بالياء ، وفتح الضاد بعضها بالرفع .
قال أبو حاتم : وجدته كذلك في مصحف يحيى بن يعمر ، وهو أول من نقط المصاحف .
وتقدم في البقرة خلاف القراء في ضم الكاف من الأكل وسكونها .
والأكل بضم الهمزة المأكول كالنقض بمعنى المنقوض ، وبفتحها المصدر .
والظاهر من تفسير أكثر المفسرين للصنوان أن يكون قوله : صنوان ، صفة لقوله : ونخيل .
ومن فسره منهم بالمثل جعله وصفاً لجميع ما تقدم أي : أشكال ، وغيره إشكال .
قيل : ونظير هذه الكلمة قنو وقنوان ، ولا يوجد لهما ثالث ونص على الصنوان لأنها بمثال التجاور في القطع ، فظهر فيها غرابة اختلاف الأكل .
ومعنى بماء واحد : ماء مطر ، أو ماء بحر ، أو ماء نهر ، أو ماء عين ، أو ماء نبع لا يسيل على وجه الأرض .
وخص التفضيل في الأكل وإن كانت متفاضلة في غيره ، لأنه غالب وجوه الانتفاع من الثمرات .
ألا ترى إلى تقاربها في الأشكال ، والألوان ، والروائح ، والمنافع ، وما يجري مجرى ذلك ؟ قيل : نبه الله تعالى في هذه الآية على قدرته وحكمته ، وأنه المدبر للأشياء كلها ، وذلك أن الشجرة تخرج أغصانها وثمراتها في وقت معلوم لا تتأخر عنه ولا تتقدم ، ثم يتصعد الماء في ذلك الوقت علواً علواً وليس من طبعه إلا التسفل ، يتفرق ذلك الماء في الورق والأغصان والثمر كل بقسطه وبقدر ما فيه صلاحه ، ثم تختلف طعوم الثمار والماء واحد ، والشجر جنس واحد .
وكل ذلك دليل على مدبر دبره وأحكمه ، لا يشبه المخلوقات .
والأرض فيها عبرة للمعتبر *** تخبر عن صنع مليك مقتدر
تسقى بماء واحد أشجارها *** وبقعة واحدة قرارها
والشمس والهواء ليس يختلف *** وأكلها مختلف لا يأتلف
لو أن ذا من عمل الطبائع *** أو أنه صنعة غير صانع
لم يختلف وكان شيئاً واحداً *** هل يشبه الأولاد إلا الوالدا
الشمس والهواء يا معاند *** والماء والتراب شيء واحد
فما الذي أوجب ذا التفاضلا *** إلا حكيم لم يرده باطلا
وقال الحسن : هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم ، كانت الأرض طينة واحدة فسطحها ، فصارت قطعاً متجاورات ، فنزل عليها ماء واحد من السماء فتخرج هذه زهرة وثمرة ، وتخرج هذه سبخة وملحاً وخبثاً .
فنزلت عليهم من السماء مذكرة ، قربت قلوب وخشعت قلوب ، وقست قلوب ولهت قلوب .
وقال الحسن : ما جالس أحد القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان .
قال تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } انتهى ، وهو شبيه بكلام الصوفية .
إنّ في ذلك قال ابن عباس : في اختلاف الألوان والروائح والطعوم ، لآيات : لحججاً ودلالات لقوم يعقلون : يعلمون الأدلة فيستدلون بها على وحدانية الصانع القادر .
ولما كان الاستدلال في هذه الآية بأشياء في غاية الوضوح من مشاهدة تجاور القطع ، والجنات وسقيها وتفضيلها ، جاء ختمها بقوله : لقوم يعقلون ، بخلاف الآية التي قبلها ، فإن الاستدلال بها يحتاج إلى تأمل ومزيد نظر جاء ختمها بقوله لقوم يتفكرون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.