تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

وقوله تعالى : ( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ ) دل قوله : ( قطع متجاورات ) أن التجاور إنما يذكر ويثبت إذا كان الأرض أرضا واحدة فإنه لا يقال فيها الشركة[ في الأصل وم : التجاور ] فهذا يبطل قول من يقول : إن التجاور إنما يذكر في ما فيه الشركة ، فتجب الشفعة في ما فيه الشركة ، وأما في غيره فلا تجب . وأما عندنا فهو[ في الأصل وم : هو ] ما ذكر عز وجعل أنه إنما أثبت التجاور في الأرض التي صارت قطعا .

وقوله تعالى : ( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وجنات من أعناب ) القطع المتجاورة هي الأرضون الضواحي التي تصلح للزرع ( وغير صنوان ) التي تنبت وحدها . وقيل : ( صنوان ) هي النخلة ، تخرج ، فإذا خرجت انشعبت بعد خروج الأصل ، فهو الصنوان ، ولهذا قيل : عم الرجل صنو أبيه .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ) أي يسقى ما ذكر من الزرع والنخل والجنات بماء واحد ( وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ) يذكر هذا ، والله أعلم ، أن جواهر الأرض كلها واحد ، وهي قطع متجاورات[ في الأصل وم : متجاورة ] بعضها ببعض ، ثم هي مختلفة في حق الثمار والفواكه . وكذلك الأشجار والنخيل كلها من جوهر من جنس واحد ، والأرض في جوهرها [ واحدة ][ ساقطة من الأصل وم ] وتسقى كلها بماء واحد ، ثم تخرج [ الثمار مختلفة ][ في الأصل وم : مختلفا ] في ألوانها وطعومها وطيبها وخبثها ومناظرها ليعلم أنها لم تكن بنفسها ولا بالأسباب التي جعلها ، ولكن بلطف واحد مدبر عليم حكيم لأنها[ في الأصل وم : لا أنها ] لو كانت بأنفسها وطباعها وبالأسباب لكانت كلها واحدة متفقة في طيبها خبثها وألوانها وطعومها . فلما لم يكن ما ذكرنا على لون واحد ولا طعم واحد ولا منظر واحد ، دل أنه كان بتدبير مدبر واحد عليم لطيف . وقوله تعالى : ( وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ) قيل في الحمل : بعضها أكثر حملا من بعض ، وبعضها يحمل ، وبعضها لا . ولكن ما ذكرنا في الطيب والخبيث والطعم واللون والمنظر مفضل بعضه على بعض . وأصله أن الأرض واحدة [ قطعها ][ ساقطة من الأصل وم ] متجاورة متصلة بعضها ببعض ، والماء واحد . ثم خرجت الثمار والفواكه والزروع مختلفة متفرقة ليعلم أن ذلك ليس هو عمل الأرض ولا عمل الماء ولا عمل الأسباب والطباع ، ولكن باللطف من الله لأنه لو كان بالماء أو بالأرض أو بالأسباب أو الطباع لكانت متفقة مستوية .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ) لما ذكرنا من وحدانيته وتدبيره وعلمه وحكمته ( لقوم يعقلون ) أي لقوم همتهم العقل والفهم والنظر والتفكر في الآيات ، لا لقوم همتهم العناد والمكابرة ، أو لقوم ينتفعون بعقلهم وعملهم .

وقال الحسن : هذا مثل ضرب لقلوب بني آدم : كانت الأرض في الأصل طينة[ في الأصل وم : طيبة ] واحدة ، فسطحها الرحمن ، ثم بطحها ، فصارت الأرض قطعا متجاورات ، فينزل عليها الماء من السماء ؛ فتخرج هذه زهرتها وثمرتها وشجرها ، وتخرج نباتها ، وتحيي مواتها ، وتخرج هذه سبخها وملحها ، وكلتاهما تسقى بماء واحد ، فلو كان الماء مالحا قيل : استسبخت هذه من قبل الماء .

كذلك الناس ، خلقوا من آدم عليه السلام [ فينزل عليهم من السماء ذكرة ][ في الأصل وم : من السماء تذكرة ] واحدة ، فترق قلوب[ في الأصل وم : قلوبا ] ، فتسهو ، وتلهو ، وتجفو . /260-ب/ أو كلام نحوه .

ثم قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان ، ثم تلا قوله تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )[ الإسراء : 82 ] .