{ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 4 ) }
{ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } أي بقاع مختلفة ، وهذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات ، قيل وفي الكلام حذف ، أي قطع متجاورات وغير متجاورات كما في قوله { سرابيل تقيكم الحر } أي والبرد ، وقيل المتجاورات المدن وما كان عامرا ، وغير المتجاورات الصحاري وما كان غير معمور .
وقيل معنى متجاورات متدانيات ترابها واحد ماؤها واحد وفيها زرع وجنات ثم تتفاوت في الثمار فيكون البعض حلوا والبعض حامضا ، والبعض طيبا والبعض غير طيب ، والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر .
وعن ابن عباس قال : يريد الأرض الطيبة العذبة التي يخرج نباتها بإذن ربها تجاورها السبخة القبيحة المالحة التي لا يخرج منها نباتها وهما أرض واحدة وماؤها شيء واحد ، ملح أو عذب ففضلت إحداهما على الأخرى قال قتادة :
قرئ متجاورات قريب بعضها من بعض .
وقال ابن عباس : الأرض تنبت حلوا والأرض تنبت حامضا وهي متجاورات تسقى بماء واحد ، وقيل متلاصقات فمنها طيب وسبخ ، وقليل الريع وكثيره ، وهو من دلائل قدرته تعالى سبحانه .
{ وَ } في الأرض { جَنَّاتٌ } أي بساتين وعلى النصب تقديره جعل فيها جنات ، والجنة كل بستان ذي شجر من نخيل وأعناب وغير ذلك ، سمي جنة لأنه يستر بأشجاره الأرض وإليه الإشارة بقوله { مِّنْ أَعْنَابٍ } جمع عنب { وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ } ذكر سبحانه الزرع بين الأعناب والنخيل لأنه يكون في الخارج كثيرا كذلك ، ومثله في قوله سبحانه جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ، والنخل والنخيل بمعنى والواحد نخلة ، لكن النخل يذكر ويؤنث والنخيل مؤنث لا غير .
{ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } قرئ بالرفع في الأربعة عطفا على جنات وبالجر عطفا على أعناب وبضم الصاد وكسرها وهما لغتان والأولى لغة قيس وتميم والثانية لغة العامة وقرئ بفتحها وهو اسم جمع لا جمع تكسير لأنه ليس من ابنية فعلان بالفتح ، ونظير صنوان بالفتح سعدان ، قال أبو عبيدة جمع صنو ، وهو أن يكون الأصل واحدا ثم يتفرع فيصير نخيلا ثم يحمل .
وهذا قول جميع أهل اللغة والتفسير ، فالصنوان جمع صنو وهي النخلات يجمعها أصل واحد و تتشعب فروعها ، فالصنو المفرد واحد هذه النخلات ، قال ابن الأعرابي : الصنو المثل . و منه قوله صلى الله عليه وسلم ( عم الرجل صنو أبيه ) {[986]} فمعنى الآية على هذا أن أشجار النخيل قد تكون متماثلة وقد لا تكون .
قال في الكشاف : جمع صنو وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد ، وقيل الصنوان المجتمع و غير الصنوان المتفرق . قال النحاس : وهو كذلك في اللغة ، يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر صنوان . والصنو المثل ولا فرق بين التثنية والجمع إلا بكسر النون في المثنى وبما يقتضيه الإعراب في الجمع .
عن البراء بن عازب قال : الصنوان ما كان أصله واحدا وهو متفرق وغير الصنوان التي تنبت وحدها ، وفي لفظ الصنوان النخلة في النخلة ملتصقة وغير الصنوان النخل المتفرق . وعن ابن عباس : هي مجتمع النخل في أصل واحد وغيرها المتفرق ، وفي السمين والصنو الفرع يجمعه ، وفرعا آخر أصل واحد والمثل ، وفي المختار إذا خرج نخلتان أو ثلاث من أصل واحد فكل واحدة منهن صنو ، والإثنتان صنوان بكسر النون والجمع صنوان برفعها .
{ يُسْقَى } بالتحتية أي يسقى ذلك كله ، يعني أشجار الجنة وزروعها { بِمَاء وَاحِدٍ } والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام ، وقيل في حده هو جوهر سيال به قوام الأرواح ، وقرئ تسقى بالفوقية بإرجاع الضمير إلى جنات . وقال أبو عمرو : التأنيث أحسن لقوله :
{ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ } أي في الطعم ما بين الحلو والحامض وغير ذلك من الطعام ولم يقل بعضه ، قرئ بالنون على تقدير ونحن نفضل ، وقرئ بالياء ، ومتى قرئ الأول بالتاء جاز في الثاني الياء والنون ، ومتى قرئ الأول بالياء تعين في الثاني النون لا غير ، فالقراءات ثلاثة لا أربعة كما توهم وكلها سبعية .
قال الكرخي : قرئ بالتحتية ليطابق قوله يدبر وقرئ بنون العظمة وأنت خبير بأن القراء يتبعون فيما اختاروه من القراءات الأثر لا الرأي فإنه لا مدخل له فيها .
أخرج الترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآية قال : ( الدقل والفارسي والحلو الحامض ) {[987]} ، وقال مجاهد هذا كمثل بني آدم صالحهم وخبيثهم ، وأبوهم واحد ، وعن ابن عباس قال : هذا حامض وهذا حلو ، وهذا دقل وهذا فارسي .
والأكل بضمتين وإسكان الثاني للتخفيف المأكول والمراد به ما يؤكل منها وهو الثمر والحب فالثمر من النخيل والأعناب والحب من الزرع ، كأنه قال ونفضل الحب والثمر بعضها على بعض طعما وشكلا ورائحة وقدرا وحلاوة وحموضة وغضاضة وغير ذلك من الطعوم ، وفضلها أيضا في غير ذلك كاللون والنفع والضر وإنما اقتصر على الأكل لأنه أعظم المنافع .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } المذكور { لَآيَاتٍ } دلالات على بديع صنعه وعظيم قدرته فإن القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد وتتفاضل في الثمرات في الأكل فيكون طعم بعضها حلو والآخر حامضا وهذا في غاية الجودة ، وهذا ليس بجيد ، وهذا فائق في حسنه ، وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر واعتبر ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضى لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جل سلطانه وتعالى شأنه ، لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون في نظر العقلاء إلا للسببين . إما اختلاف المكان الذي هو المنبت أو اختلاف الماء الذي تسقى به ، فإذا كان المكان متجاورا وقطع الأرض متلاصقة والماء الذي تسقى به واحدا لم يبق سبب للاختلاف في نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب .
{ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي يعملون على قضية العقل وما يوجبه غير مهملين لما يقتضيه من التفكر في المخلوقات والاعتبار في العبر الموجودات ، أي يستعملون عقولهم بالتفكر فيها ، خص هذا بالعقل والأول بالتفكر لأن الاستدلال باختلاف النهار أسهل ، ولأن التفكر في الشيء سبب لتعقله والسبب مقدم على المسبب ، فناسب تقديم التفكر على التعقل .
قال الحسن : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم ، فالناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترق قلوب قوم وتخشع وتخضع ، وتقسو قلوب قوم فتلهو ولا تسمع . وقال أيضا : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان ، قال الله تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.