الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

و{ قِطَعٌ } [ الرعد : 4 ] جَمْعُ قِطْعَة ، وهي الأجزاء ، وقيد منها في هذا المثال ما جَاوَرَ وقَرُبَ بعضه من بعض ، لأن اختلاف ذلك في الأكْلِ أَغربُ ، وقرأ الجمهور : «وَجَنَّاتٌ » بالرفع عطفاً على «قِطَعٌ » ، وقرأ نافع وغيره : { وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ صِنْوَانٌ وَغَيْرِ صِنْوَانٍ } بالخفض في الكل عطفاً على «أعناب » ، وقرأ ابن كثير وغيره : «وزرعٌ » بالرفع في الكل عطفاً على «قطع » ، و{ صِنْوَانٌ } : جمع صنْو ، وهو الفرع يكونُ مع الآخَرِ في أصْلٍ واحدٍ ، قال البراءُ بْنُ عازبٍ : «الصِّنْوَان » : المجتمع ، وغَيْرُ الصِّنوان : المفترق فرداً فرداً وفي «الصحيحِ » : «العَمُّ صِنْوُ الأَبِ » ، وإِنما نص على الصِّنْوان في هذه الآية لأنها بمثابة التجاوُر في القطع تظهر فيها غرابةُ اختلاف الأَكْلِ ، و{ الأكل } بضم الهمزة : اسم ما يؤكل ، والأكل المَصْدَر ، وحكى الطبري عن ابن عبَّاس وغيره : { قِطَعٌ متجاورات } : أي : واحدة سبخة ، وأخرى عَذْبَة ، ونحو هذا من القولِ ، وقال قتادة : المعنى : قُرًى مُتَجَاوِرَاتٌ .

قال ( ع ) : وهذا وجْهٌ من العبرة ، كأنه قال : وفي الأرض قِطَعٌ مختلفاتٌ بتخصيصِ اللَّه لها بمعانٍ فهي تُسْقَى بماءٍ واحدٍ ، ولكن تختلف فيما تُخْرِجُه ، والذي يظهر من وصفه لها بالتجاوُرِ ؛ أنها من تُرْبةٍ واحدةٍ ، ونوعٍ واحدٍ ، وموضِعُ العِبْرة في هذا أَبْيَنُ ، وعلى المَعْنَى الأول قال الحَسَنُ : هذا مَثَلٌ ضربه اللَّه لقلوبِ بَني آدم : الأرضُ واحدةٌ ، وينزل عليها ماءٌ واحدٌ من السَّماء ، فتخرجُ هذه زهرةً وثمرةً ، وتخرجُ هذه سبخةً وملحاً وخبثاً ، وكذلك النَّاس خُلِقُوا من آدم ، فنزلَتْ عليهم من السماء تذكرةٌ ، فَرَقَّتْ قلوبٌ وَخَشَعَتْ ، وقَسَتْ قلوبٌ ولَهَتْ .

قال الحسنُ : فواللَّه ، ما جالَسَ أحدٌ القُرْآن إِلاَّ قَامَ عَنْه بزيادةٍ أو نقصانٍ ، قال اللَّه تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إِلاَّ خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] .