قوله تعالى : { ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل } ، أي :وكما أوحينا إلى نوح وإلى الرسل ، { رسلاً } نصب بنزع حرف الصفة ، وقيل معناه : وقصصنا عليك رسلاً ، وفي قراءة أبي : { ورسل قد قصصناهم عليك من قبل } ،
قوله تعالى : { ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً } ، قال الفراء : العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصل ، ولكن لا تحققه بالمصدر ، فإذا حقق بالمصدر ، لم يكن إلا حقيقة الكلام ، كالإرادة ، يقال : أراد فلان إرادةً ، يريد حقيقة الإرادة ، ويقال :أراد الجدار ، ولا يقال أراد الجدار إرادة ، لأنه مجاز غير حقيقة .
وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله ، ومنهم من لم يقصصه عليه ، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم ، بالسعادة الدنيوية والأخروية ، ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا : { مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ }
فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى يبينون لهم أمر دينهم ، ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار ، فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ، وذلك أيضا من فضله وإحسانه ، حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر فأزال هذا الاضطرار ، فله الحمد وله الشكر . ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم ، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم ، إنه جواد كريم .
ثم أجمل - سبحانه - بيان الرسل الذين أرسلهم فقال : { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } .
وقوله : { وَرُسُلاً } منصوب بفعل مقدر قبله . أى : وأرسلنا رسلا قد أخبرناك عنهم ، وقصصنا عليك أنباءهم فيما نزل عليك من قرآن قبل نزول الآيات عليك . وأرسلنا رسلا آخرين غيرهم لم نقصص عليك أخبارهم ؛ لأن حكمتنا تقتضى ذلك ، ولأن فيما قصصناه عليك من أخبار بعضهم عظات وعبرا لقوم يؤمنون .
هذا ، وقد تكلم بعض العلماء عن عدد الأنبياء والرسل ، واستندوا فى كلامهم على أخبار وأحاديث لم تسلم أسانيدها من الطعن فيها .
قال ابن كثير : وقد اختلف فى عدة الأنبياء والمرسلين ، والمشهور فى ذلك حديث أبى ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مردويه فى تفسيره حيث قال : حدثنا إبراهيم بن محمد . عن أبى إدريس الخولانى " عن أبى ذر قال : قلت يا رسول الله : كم عدد الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا . قلت يا رسول الله . كم الرسل منهم ؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر . . " " .
وقوله : { وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً } تشريف لموسى - عليه السلام - بهذه الصفة ولهذا يقال له : موسى الكليم . أى . وخاطب الله موسى مخاطبة من غير واسطة .
قال الجمل : والجملة إما معطوفة على قوله : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } عطف القصة على القصة ، وإما حال بتقدير قد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات .
وقوله { تَكْلِيماً } مصدر مؤكد لعامله رافع لاحتمال المجاز .
قال الفراء : العرب تسمى ما وصل إلى الإِنسان كلاما بأى طريق وصل . ما لم يؤكد بالمصدر . فإن أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام .
فدل قوله { تَكْلِيماً } على أن موسى قد سمع كلام الله - تعالى - حقيقة من غير واسطة ، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا هو - سبحانه - .
وقد سابق بعض المفسرين نقولا حسنة فى مسألة كلام الله - تعالى - فارجع إليها إن شئت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.