المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (183)

183- وكما شرع الله لكم القصاص والوصية لصلاح مجتمعكم ، والحفاظ على أسركم ، شرع الله كذلك فريضة الصيام تهذيباً لنفوسكم ، وتقويماً لشهواتكم ، وتفضيلا لكم على الحيوان الأعجم الذي ينقاد لغرائزه وشهواته ، وكان فرض الصيام{[12]} عليكم مثل ما فرض على من سبقكم من الأمم ، فلا يشق عليكم أمره . لأنه فرض على الناس جميعاً ، وكان وجوب الصيام والقيام به ، لتتربى فيكم روح التقوى ، ويقوى وجدانكم ، وتتهذب نفوسكم .


[12]:علاوة على فوائد الصيام الروحية والتهذيبية، فقد أثبت الطب الحديث أن للصيام فوائد طبية عدة فهو يفيد في علاج كثير من الأمراض كضغط الدم المرتفع وتصلب الشرايين والبول السكري، يصلح الجهاز الهضمي وهبوط القلب والتهاب المفاصل، ويعطي الجسم والأنسجة فرصة للراحة والتخلص من كثير من الفضلات الضارة بالجسم، كما أنه وقاية من كثير من الأمراض المختلفة.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (183)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } . أي فرض وأوجب ، والصوم والصيام في اللغة الإمساك يقال : صام النهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة ، لأن الشمس إذا بلغت كبد السماء ، وقفت وأمسكت عن السير سويعة . ومنه قال تعالى : ( فقولي إني نذرت للرحمن صوماً ) أي صمتاً لأنه إمساك عن الكلام ، وفي الشريعة الصوم : هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع مع النية في وقت مخصوص .

قوله تعالى : { كما كتب على الذين من قبلكم } . من الأنبياء والأمم ، واختلفوا في هذا التشبيه فقال سعيد ابن جبير : كان صوم من قبلنا من العتمة إلى الليلة القابلة كما كان في ابتداء الإسلام . وقال جماعة من أهل العلم : أراد أن صيام رمضان كان واجباً على النصارى كما فرض علينا ، فربما كان يقع في الحر الشديد والبرد الشديد ، وكان يشق عليهم في أسفارهم ويضرهم في معايشهم ، فاجتمع رأي علماؤهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف ، فجعلوه في الربيع وزادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا فصار أربعين ، ثم إن ملكا اشتكى فمه فجعل لله عليه إن هو برأ من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعاً فبرأ فزاد فيه أسبوعاً ، ثم مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فقال : أتموه خمسين يوماً .

وقال مجاهد : أصابهم موتان ، فقالوا زيدوا في صيامكم فزادوا فيه عشراً قبل وعشراً بعد ، قال الشعبي : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه ، فيقال من شعبان ويقال من رمضان ، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان فصاموا قبله يوما وبعده يوما ، ثم لم يزل الآخر يستن بالقرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يوماً ، فذلك قوله تعالى : ( كما كتب على الذين من قبلكم ) .

قوله تعالى : { لعلكم تتقون } . يعني بالصوم ، لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات ، وقوله : ( لعلكم تتقون ) تحذرون عن الشهوات من الأكل والشرب والجماع .

قوله تعالى : { أياماً معدودات } . قيل : كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجباً ، وصوم يوم عاشوراء فصاموا كذلك من الربيع إلى شهر رمضان سبعة عشر شهراً ، ثم نسخ بصوم رمضان .

قال ابن عباس : أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم ، ويقال : نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام .

قال محمد بن إسحاق كانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشر ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة .

حدثنا أبو الحسن الشيرازي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه ، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (183)

القول في تأويل قوله تعالى : .

{ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }

يعني الله تعالى ذكره بقوله : يا أيّها الّذين آمَنُوا ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، وصدّقوا بهما وأقرّوا . ويعني بقوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ فرض عليكم الصيام ، والصيام مصدر من قول القائل : صمت عن كذا وكذا ، يعني كففت عنه ، أصوم عنه صوما وصياما ، ومعنى الصيام : الكفّ عما أمر الله بالكف عنه ومن ذلك قيل : صامت الخيل إذا كفت عن السير ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :

خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صَائمةٍ تَحْتَ العَجاجِ وأخْرَى تَعْلُكُ اللّجُما

ومنه قول الله تعالى ذكره إنّي نَذَرتُ للرّحمَنِ صَوْما يعني صمتا عن الكلام . وقوله كَمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني : فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم .

ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : كَمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا ، فقال بعضهم : الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا أنه كمثل الذي كان عليهم هم النصارى ، وقالوا : التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه . ذكر من قال ذلك :

حدثت عن يحيى بن زياد ، عن محمد بن أبان ، عن أبي أمية الطنافسي ، عن الشعبي أنه قال : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشكّ فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان ، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحوّلوه إلى الفصل ، وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدّون ثلاثين يوما ، ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما ، ثم لم يزل الاَخر يستنّ سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين ، فذلك قوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيّامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ .

وقال آخرون : بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الاَخرة إلى العشاء الاَخرة ، وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أوّل ما افترض عليهم الصوم . ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : النصارى . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذيِنَ مِنْ قَبْلِكُمْ أما الذين من قبلنا فالنصارى ، كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان . فاشتدّ على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفّر بها ما صنعنا . فجعلوا صيامهم خمسين ، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى ، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال : كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة .

وقال آخرون : الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : أهل الكتاب . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : أهل الكتاب .

وقال بعضهم : بل ذلك كان على الناس كلهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال : كتب شهر رمضان على الناس ، كما كتب على الذين من قبلهم . قال : وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كَما كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ رمضان كتبه الله على من كان قبلهم .

وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى الآية : يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب ، أياما معدودات ، وهي شهر رمضان كله لأن من بعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع إبراهيم ، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما ، وقد أخبرنا الله عزّ وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة ، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء .

وأما التشبيه فإنما وقع على الوقت ، وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان مثل الذي فرض علينا سواء .

وأما تأويل قوله : لَعَلّكُمْ تَتّقُون فإنه يعني به : لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه ، يقول : فرضت عليكم الصوم والكفّ عما تكونون بترك الكفّ عنه مفطرين لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل : ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ يقول : فتتقون من الطعام والشرب والنساء مثل ما اتقوا ، يعني مثل الذي اتقى النصارى قبلكم .