41- واعلموا - أيها المسلمون - أن ما ظفرتم به من مال الكفار فحكمه : أن يقسم خمسة أخماس ، خُمس منها لله وللرسول ولقرابة النبي واليتامى : وهم أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم وهم فقراء ، والمساكين ، وهم ذوو الحاجة من المسلمين ، وابن السبيل : وهو المنقطع في سفره المباح . والمخصص من خُمس الغنيمة لله وللرسول يرصد للمصالح العامة التي يقررها الرسول في حياته ، والإمام بعد وفاته ، وباقي الخُمس يصرف للمذكورين . أما الأخماس الأربعة الباقية من الغنيمة - وسكتت عنها الآية - فهي للمقاتلين ، فاعلموا ذلك ، واعملوا به إن كنتم آمنتم بالله حقاً ، وآمنتم بما أنزل على عبدنا محمد من آيات التثبيت والمدد ، يوم الفرقان الذي فرَّقنا فيه بين الكفر والإيمان ، وهو اليوم الذي التقى فيه جمعكم وجمع الكافرين ببدر ، والله عظيم القدرة على كل شيء ، وقد نصر المؤمنين مع قلتهم ، وخذل الكافرين مع كثرتهم .
قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية . الغنيمة والفيء اسمان لما يصيبه المسلمون من أموال الكفار ، فذهب جماعة إلى أنهما واحد ، وذهب قوم إلى أنهما يختلفان ، فالغنيمة : ما أصابه المسلمون منهم عنوة بقتال ، والفيء : ما كان عن صلح بغير قتال ، فذكر الله عز وجل في هذه الآية حكم الغنيمة فقال : { فأن لله خمسه وللرسول } . فذهب أكثر المفسرين والفقهاء إلى أن قوله : { لله } افتتاح كلام على سبيل التبرك ، وإضافة هذا المال إلى نفسه لشرفه ، وليس المراد منه أن سهماً من الغنيمة لله منفرداً ، فإن الدنيا والآخرة كلها لله عز وجل ، وهو قول الحسن ، وقتادة وعطاء ، وإبراهيم ، والشعبي ، قالوا : سهم الله وسهم الرسول واحد ، والغنيمة تقسم خمسة أخماس ، أربعة أخماسها لمن قاتل عليها ، والخمس لخمسة أصناف ، كم ذكر الله عز وجل .
قوله تعالى : { وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . قال بعضهم : يقسم الخمس على ستة أسهم ، وهو قول أبي العالية ، سهم لله فيصرف إلى الكعبة . والأول أصح ، أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم ، سهم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، واليوم هو لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام ، وهو قول الشافعي رحمه الله . وروى الأعمش عن إبراهيم قال : كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح ، وقال قتادة : هو للخليفة بعده . وقال بعضهم : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس ، والخمس لأربعة أصناف . قوله : { ولذي القربى } أراد أن سهماً من الخمس لذوي القربى ، وهم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ، واختلفوا فيهم ، فقال قوم : جميع قريش . وقال قوم : هم الذين لا تحل لهم الصدقة ، وقال مجاهد وعلي بن الحسين : هم بنو هاشم ، وقال الشافعي : هم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وليس لبني عبد شمس ولا لبني نوفل منه شيء ، وإن كانوا إخوة ، والدليل عليه ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا الثقة ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : " قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ، ولم يعط منه أحدا من بني عبد شمس ، ولا بني نوفل شيئا .
وأخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا مطرف بن مازن ، عن معمر بن راشد ، عن ابن شهاب ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : ( لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني عبد المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم ، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا ، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا ، وشبك بين أصابعه ) .
واختلف أهل العلم في سهم ذوي القربى هل هو ثابت اليوم ؟ . فذهب أكثرهم إلى أنه ثابت ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنه غير ثابت ، وقالوا : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى مردودان في الخمس ، وخمس الغنيمة لثلاثة أصناف : اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل . وقال بعضهم : يعطى للفقراء منهم دون الأغنياء ، والكتاب والسنة يدلان على ثبوته ، والخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يعطونه ، ولا يفضل فقير على غني ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يعطون العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله ، فألحقه الشافعي بالميراث الذي يستحق باسم القرابة ، غير أنه يعطى القريب والبعيد ، وقال : يفضل الذكر على الأنثى فيعطى الرجل سهمين والأنثى سهماً واحداً . قوله : { واليتامى } وهو جمع اليتيم ، واليتيم الذي له سهم في الخمس هو الصغير المسلم ، الذي لا أب له ، إذا كان فقيراً ، و{ المساكين } هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين ، { وابن السبيل } هو المسافر البعيد عن ماله ، فهذا مصرف خمس الغنيمة ويقسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين الذين شهدوا الوقعة ، للفارس منهم ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم واحد ، لما : أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أنا عبد الله بن يوسف ، أنا أبو سعيد بن الأعرابي ، ثنا سعدان بن نصر ، ثنا أبو معاوية ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهماً له ، وسهمين لفرسه .
وهذا قول أكثر أهل العلم ، وإليه ذهب الثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، وابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : للفارس سهمان ، وللراجل سهم واحد ، ويرضخ للعبيد والنسوان والصبيان إذا حضروا القتال ، ويقسم العقار الذي استولى عليه المسلمون كالمنقول ، وعند أبي حنيفة : يتخير الإمام في العقار بين أن يقسمه بينهم ، وبين أن يجعله وقفاً على المصالح ، وظاهر الآية لا يفرق بين العقار و المنقول ، ومن قتل مشركاً في القتال يستحق سلبه من رأس الغنيمة ، لما روي عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين : ( من قتل قتيلاً له عليه بينة له سلبه ) . والسلب : كل ما يكون من المقتول من ملبوس وسلاح ، وفرسه الذي هو راكبه . ويجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش من الغنيمة ، لزيادة عناء وبلاء يكون منهم في الحرب . يخصه به من بين سائر الجيش ، ويجعله أسوة الجماعة في سهمان الغنيمة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يحيى بن بكير ، ثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة ، سوى قسم عامة الجيش . وروي عن حبيب بن مسلمة الفهري ، قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة ، والثلث في الرجعة . واختلفوا في النفل من أين يعطى ؟ فقال قوم : من خمس الخمس ، منهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وبه قال الشافعي ، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم ) . وقال قوم : هو من الأربعة الأخماس بعد إفراز الخمس كسهام الغزاة ، وهو قول أحمد وإسحاق . وذهب بعضهم : إلى أن النفل من رأس الغنيمة قبل الخمس كالسلب للقاتل ، وأما الفيء ، وهو ما أصابه المسلمين من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ، ولا ركاب ، بأن صالحهم على مال يؤدون ، ومال الجزية ، وما يؤخذ من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام للتجارة ، أو يموت واحد منهم في دار الإسلام ، ولا وارث له ، فهذا كله في فيء . ومال الفيء كان خالصاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، قال عمر رضي الله عنه : إن الله قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ، ثم قرأ : { ما أفاء الله على رسوله منهم } إلى قوله : { قدير } وكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ينفق على أهله وعياله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله عز وجل ، واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قوم : هو للأئمة بعده . وللشافعي فيه قولان : أحدهما : للمقاتلة الذين أثبتت أساميهم في ديوان الجهاد ، لأنهم القائمون مقام النبي صلى الله عليه وسلم في إرهاب العدو . والقول الثاني : أنه لمصالح المسلمين ، ويبدأ بالمقاتلة فيعطون منه كفايتهم ، ثم بالأهم فالأهم من المصالح ، واختلف أهل العلم في تخميس الفيء ، فذهب الشافعي إلى أنه يخمس ، فخمسه لأهل الغنيمة ، على خمسة أسهم ، وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصالح . وذهب الأكثرون إلى أن الفيء لا يخمس ، بل مصرف جميعه واحد ، ولجميع المسلمين فيه حق .
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنا محمد بن زكريا العذافري ، أنا إسحاق الدبري ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ( ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق ، إلا ما ملكت أيمانكم ) .
وأخبرنا أبو سعيد الطاهر ، أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنبأنا محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا أبو إسحاق الدبري ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة بن خالد ، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } حتى بلغ { عليم حكيم } [ التوبة :60 ] فقال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } حتى بلغ { وابن السبيل } ، ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } حتى بلغ { للفقراء } والذين جاءوا من بعدهم ثم قال : هذه استوعبت المسلمين عامة ، فلئن عشت ، فليأتين الراعي وهو بسر وحمير فنصيبه منها ، لم يعرق فيها جبينه .
قوله تعالى : { إن كنتم آمنتم بالله } ، قيل : أراد اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول يأمر فيه بما يريد ، فاقبلوه إن كنتم آمنتم بالله .
قوله تعالى : { وما أنزلنا على عبدنا } ، أي : إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا على عبدنا ، يعني : قوله { يسألونك عن الأنفال }
قوله تعالى : { يوم الفرقان } ، يعني يوم بدر ، فرق الله بين الحق والباطل وهو { يوم التقى الجمعان } ، حزب الله وحزب الشيطان ، وكان يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان .
قوله تعالى : { والله على كل شيء قدير } ، على نصركم مع قلتكم وكثرتهم .
{ وَاعْلَمُوَا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مّن شَيْءٍ فَأَنّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىَ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
قال أبو جعفر : وهذا تعليم من الله عزّ وجلّ المؤمنين قسم غنائمهم إذا غنموها ، يقول تعالى ذكره : واعلموا أيها المؤمنون أنما غنمتم من غنيمة .
واختلف أهل العلم في معنى الغنيمة والفيء ، فقال بعضهم : فيهما معنيان كلّ واحد منهما غير صاحبه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن صالح ، قال : سألت عطاء بن السائب عن هذه الاَية : وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ ، وهذه الاَية : ما أفاءَ اللّهُ عَلى رسُولهِ ، قال : قلت : ما الفيء وما الغنيمة ؟ قال : إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم ، وأخذوهم عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة ، وأما الأرض فهي في سوادنا هذا فيء .
وقال آخرون : الغنيمة ما أُخذ عَنْوة . والفيء : ما كان عن صلح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان الثوري ، قال : الغنيمة : ما أصاب المسلمون عنوة بقتال فيه الخمس ، وأربعة أخماسه لمن شهدها . والفيء : ما صولحوا عليه بغير قتال ، وليس فيه خمس ، هو لمن سَمّى الله .
وقال آخرون : الغنيمة والفيء بمعنى واحد . وقالوا : هذه الاَية التي في الأنفال ناسخة قولَه : ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلّهِ وللرسُولِ . . . الاَية . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرَى فَلَلّهِ وللرسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ قال : كان الفيء في هؤلاء ، ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال ، فقال : وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبيلِ ، فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الحشر ، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في سورة الحشر ، وسائر ذلك لمن قاتل عليه .
وقد بيّنا فيما مضى الغنيمة ، وأنها المال يوصل إليه من مال من خوّل الله ماله أهل دينه بغلبة عليه وقهر بقتال . فأما الفيء ، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك ، وهو ما ردّه عليهم منها بصلح ، من غير إيجاف خيل ولا ركاب . وقد يجوز أن يسمى ما ردّته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم فيئا ، لأن الفيء إنما هو مصدر من قول القائل : فاء الشيء يَفيءُ فَيْئا : إذا رجع ، وأفاءه الله : إذا ردّه . غير أن الذي ورد حكم الله فيه من الفيء يحكيه في سورة الحشر إنما هو ما وصفت صفته من الفيء دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب ، لعلل قد بينتها في كتابنا : «كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الدين » وسنبينه أيضا في تفسير سورة الحشر إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى .
وأما قول من قال : الاَية التي في سورة الأنفال ناسخة الاَية التي في سورة الحشر فلا معنى له ، إذ كان لا معنى في إحدى الاَيتين ينفي حكم الأخرى . وقد بيّنا معنى النسخ ، وهو نفي حكم قد ثبت بحكم بخلافه ، في غير موضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : مِنْ شَيْءٍ فإنه مراد به كل ما وقع عليه اسم شيء مما خوّله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين مما وقع فيه القسم حتى الخيط والمخيط . كما
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله : وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ، قال : المخيط من الشيء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد بمثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
القول في تأويل قوله تعالى : فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : قوله : فَأنّ للّهِ خُمُسَهُ مفتاح كلام ، ولله الدنيا والاَخرة وما فيهما ، وإنما معنى الكلام : فأن للرسول خمسه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سألت الحسن عن قول الله : وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ ، قال : هذا مفتاح كلام ، لله الدنيا والاَخرة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سألت الحسن بن محمد ، عن قوله : وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ ، قال : هذا مفتاح كلام ، لله الدنيا والاَخرة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أحمد بن يونس ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن ورقاء ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خَمّسَ الغنيمة فضرب ذلك الخُمْسَ في خمسة ، ثم قرأ : وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرسُولِ . قال : وقوله : فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ مفتاح كلام ، لله ما في السّمَوَاتِ وما في الأَرْضِ ، فجعل سهم الله ، وسهم الرسول واحدا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : فَأن لِلّهِ خُمُسَهُ قال : لله كلّ شيء .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ قال : لله كلّ شيء ، وخمس لله ورسوله ، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس ، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس ، فخمس لله والرسول .
حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا أبان ، عن الحسن ، قال : أوصى أبو بكر رضي الله عنه بالخمس من ماله وقال : ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الملك ، عن عطاء : وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ قال : خمس الله وخمس رسوله واحد ، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويصنع فيه ما شاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أصحابه ، عن إبراهيم : وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ ، قال : كل شيء لله ، الخمس للرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل .
وقال آخرون : معنى ذلك : فإن لبيت الله خمسه وللرسول . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بالغنيمة ، فيقسمها على خمسة : تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس ، فيضرب بيده فيه ، فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة ، وهو سهم الله ، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ . . . . إلى آخر الاَية ، قال : فكان يجاء بالغنيمة فتوضع ، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم ، فيجعل أربعة بين الناس ويأخذ سهما ، ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم ، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة ، فهو الذي سُمي لله ، ويقول : «لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والاَخرة » ، ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم : سهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل .
وقال آخرون : ما سمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فإنما هو مراد به قرابته ، وليس لله ولا لرسوله منه شيء . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس : فأربعة منها لمن قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربع فربع لله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئا ، والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال قوله : فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ افتتاح كلام ، وذلك لإجماع الحجة على أن الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم ، ولو كان لله فيه سهم كما قال أبو العالية ، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسوما على ستة أسهم . وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها ، فأما على أكثر من ذلك فما لا نعلم قائلاً قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية ، وفي إجماع من ذكرت الدلالة الواضحة على صحة ما اخترنا . فأما من قال : سهم الرسول لذوي القربى ، فقد أوجب للرسول سهما وإن كان صلى الله عليه وسلم صرفه إلى ذوي قرابته ، فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم . وقد
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ . . . الاَية ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة جعلت أخماسا ، فكان خمس لله ولرسوله ، ويقسم المسلمون ما بقي . وكان الخمس الذي جعل لله ولرسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، فكان هذا الخمس خمسة أخماس : خمس لله ورسوله ، وخمس لذوي القُرْبى ، وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين ، وخمس لابن السبيل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : سألت يحيى بن الجزار عن سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : هو خمس الخمس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، وجرير عن موسى بن أبي عائشة ، عن يحيى بن الجزار ، مثله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن يحيى بن الجزار ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ قال : أربعة أخماس لمن حضر البأس ، والخمس الباقي لله ، وللرسول خمسه يضعه حيث رأى ، وخمسه لذوي القربى ، وخمسه لليتامى ، وخمسه للمساكين ، ولابن السبيل خمسه .
وأما قوله : وَلِذِي القُرْبَىَ فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم ، فقال بعضهم : هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحلّ لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وأهل بيته لا يأكلون الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد السلام ، عن خَصِيف ، عن مجاهد ، قال : قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء ، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا الصباح بن يحيى المزني ، عن السديّ ، عن ابن الديلمي ، قال : قال عليّ بن الحسين رضي الله عنه لرجل من أهل الشأم : أما قرأت في الأنفال : وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ . . . الاَية ؟ قال : نعم ، قال : فإنكم لأنتم هم ؟ قال : نعم .
حدثنا الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : هؤلاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحلّ لهم الصدقة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أن نَجُدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى ، فكتب إليه كتابا : تزعم أنا نحن هم ، فأبى ذلك علينا قومنا .
قال : حدثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : فأنّ للّهِ خُمُسَهُ قال : أربعة أخماس لمن حضر البأس ، والخمس الباقي لله ، وللرسول خمسه يضعه حيث رأى ، وخمس لذوي القربى ، وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين ، ولابن السبيل خمسه .
وقال آخرون : بل هم قريش كلها . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرني عبد الله بن نافع ، عن أبي معشر ، عن سعيد المُقِبري ، قال : كتب نجْدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى ، قال : فكتب إليه ابن عباس : قد كنا نقول إنا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا : قريش كلها ذوو قُرْبىَ .
وقال آخرون : سهم ذي القربى كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صار من بعده لوليّ الأمر من بعده . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أنه سئل عن سهم ذي القربى ، فقال : كان طُعْمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيّا ، فلما توفي جعل لوليّ الأمر من بعده .
وقال آخرون : بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم ، وبني المطلب خاصة . وممن قال ذلك الشافعيّ ، وكانت علته في ذلك ما
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن جبير بن مطعم ، قال : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم ، أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال : «إنّهُمْ لَمْ يُفارِقُونا فِي جاهِلِيّةٍ وَلا إسْلامٍ ، إنّمَا بَنُو هاشِمٍ وَبَنُو المُطّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ » . ثم شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إحداهما بالأخرى .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : سهم ذي القربى كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب ، لأن حليف القوم منهم ، ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين ، أعني سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذي القربى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : يصرفان في معونة الإسلام وأهله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أحمد بن يونس ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن ورقاء ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : جعل سهم الله وسهم الرسول واحدا ولذي القربى ، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح ، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يُعْطَى غيرهم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سألت الحسن عن قول الله : وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى قال : هذا مفتاح كلام ، لله الدنيا والاَخرة .
ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قائلون : سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال قائلون : سهم القرابة لقرابة الخليفة . واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل الله ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سألت الحسن بن محمد ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح ، فقلت لإبراهيم : ما كان عليّ رضي الله عنه يقول فيه ؟ قال : كان عليّ أشدّهم فيه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ . . . الاَية . قال ابن عباس : فكانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس : أربعة بين من قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربعة : لله ، وللرسول ، ولذي القربى ، يعني قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئا . فلما قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، ردّ أبو بكر رضي الله عنه نصيب القرابة في المسلمين ، فجعل يحمل به في سبيل الله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «لا نُورَثُ ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أنه سئل عن سهم ذي القربى ، فقال : كان طُعْمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله صدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : سهم ذوي القربى من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وليّ أمر المسلمين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عنِ عمران بن ظَبيان ، عن حكيم بن سعد ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : يعطى كلّ إنسان نصيبه من الخمس ، ويلي الإمام سهم الله ورسوله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أنه سئل عن سهم ذوي القربى ، فقال : كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيّا ، فلما توفي جُعِل لوليّ الأمر من بعده .
وقال آخرون : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس ، والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم : على اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل . وذلك قول جماعة من أهل العراق .
وقال آخرون : الخمس كله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا عبد الغفار ، قال : حدثنا المنهال بن عمرو ، قال : سألت عبد الله بن محمد بن عليّ ، وعليّ بن الحسين عن الخمس ، فقالا : هو لنا . فقلت لعليّ : إن الله يقول : واليَتامَى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ فقال : يتامانا ومساكيننا .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس ، والخمس مقسوم على أربعة أسهم على ما رُوي عن ابن عباس : للقرابة سهم ، ولليتامى سهم ، وللمساكين سهم ، ولابن السبيل سهم ، لأن الله أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات ، كما أوجب الأربعة الأخماس الاَخرين . وقد أجمعوا أن حقّ الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم ، فكذلك حقّ أهل الخمس لن يستحقه غيرهم ، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم ، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه إلى غير أهل السهمان الأخر . وأما اليتامى فهم أطفال المسلمين الذين قد هلك آباؤهم . والمساكين هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين . وابن السبيل المجتاز سفرا قد انْقُطِعَ به . كما
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : الخمس الرابع لابن السبيل ، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين .
القول في تأويل قوله تعالى : إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ باللّهِ وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ وَاللّه عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
يقول تعالى ذكره : أيقنوا أيها المؤمنون أنما غنمتم من شيء فمقسوم القَسمْ الذي بينته ، وصَدقوا به إن كنتم أقررتم بوحدانية الله ، وبما أنزل الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم يوم فرق بين الحقّ والباطل ببدر ، فأبان فلج المؤمنين وظهورهم على عدوّهم ، وذلك يوم التقى الجمعان : جمع المؤمنين ، وجمع المشركين . والله على إهلاك أهل الكفر وإذلالهم بأيدي المؤمنين ، وعلى غير ذلك مما يشاء قدير لا يمتنع عليه شيء أراده .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ الفُرْقانِ يعني بالفرقان : يوم بدر ، فَرَق الله فيه بين الحق والباطل .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير وإسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، يزيد أحدهما على صاحبه في قوله : يَوْمَ الفُرْقانِ يوم فرق الله بين الحقّ والباطل ، وهو يوم بدر ، وهو أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة . فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مئة وبضعة عشر رجلاً ، والمشركون ما بين الألف والتسع مئة ، فهزم الله يومئذ المشركين ، وقُتل منهم زيادة على سبعين ، وأسر منهم مثلُ ذلك .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن مقسم : يَوْمَ الفُرْقانِ ، قال : يوم بدر ، فرق الله بين الحقّ والباطل .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عثمان الجزري ، عن مقسم ، في قوله : يَوْمَ الفُرْقانِ ، قال : يوم بدر ، فرق الله بين الحقّ والباطل .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، ابن عباس ، قوله : يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ يوم بدر . وبدر بين المدينة ومكة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : ثني يحيى بن يعقوب أبو طالب ، عن ابن عون ، عن محمد بن عبد الله الثقفي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب ، قال : قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من شهر رمضان .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ قال ابن جريج : قال ابن كثير : يوم بدر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ : أي يوم فرق بين الحقّ والباطل ببدر ، أي يوم التقى الجمعان منكم ومنهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ ، وذاكم يوم بدر ، يوم فرق الله بين الحقّ والباطل .