قوله تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات } ، الآية في ذي الخويصرة التميمي ، واسمه حرقوص بن زهير ، أصل الخوارج . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا أبو اليمان ، أنا شعيب عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما فينا ، أتاه ذو الخويصرة ، وهو رجل من بني تميم فقال : يا رسول الله اعدل ، فقال : ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل ، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ، فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه ، فقال له : دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه ، وهو قدحه ، فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذة فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم آيتهم : رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس " . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس ، فوجد ، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته . وقال الكلبي : قال رجل من المنافقين يقال له أبو الجواظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تقسم بالسوية ، فأنزل الله تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات } أي : يعيبك في أمرها وتفريقها ويطعن عليك فيها . يقال : لمزة وهمزه ، أي : عابه ، يعنى أن المنافقين كانوا يقولون إن محمدا لا يعطي إلا من أحب . وقرأ يعقوب { يلمزك } وكذلك يلمزون وفي الحجرات { ولا تلمزوا } كل ذلك بضم الميم فيهن ، وقرأ الباقون : بكسر الميم فيهن ، وهما لغتنان ، يلمز ويلمز ، مثل يحسر ويحسر ، ويعكف ويعكف ، وقال مجاهد : يلمزك أي : يزورك يعنى : يختبرك . { وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } ، قيل إن أعطوا كثيرا فرحوا وإن أعطوا قليلا سخطوا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مّن يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ومن المنافقين الذين وصفت لك يا محمد صفتهم في هذه الاَيات مَنْ يَلْمِزُك فِي الصّدَقاتِ يقول : يعيبك في أمرها ويطعن عليك فيها ، يقال منه : لمز فلانا يَلْمِزُه ، ويَلْمُزُه : إذا عابه وقرصه ، وكذلك همزه . ومنه قيل : فلان هُمَزةُ لمَزة ، ومنه قول رؤبة :
قارَبْتُ بينَ عَنَقِي وَجمْزِي *** فِي ظِلّ عَصْرَيْ باطِليِ ولَمْزِي
إذَا لَقِيتُكَ تُبْدِي لي مُكاشَرَةً *** وأنْ أغِيبَ فأنْتَ العائِبُ اللّمَزَهْ
فإنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا يقول : ليس بهم في عيبهم إياك فيها وطعنهم عليك بسببها الدين ، ولكن الغضب لأنفسهم ، فإن أنت أعطيتهم منها ما يرضيهم رضوا عنك ، وإن أنت لم تعطهم منهم سخطوا عليك وعابوك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقاتِ قال : يَرُوزُك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقاتِ يروزك ويسألك .
قال ابن جريج : وأخبرني داود بن أبي عاصم ، قال : قال أُتي النبيّ صلى الله عليه وسلم بصدقة ، فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت ، قال : ورآه رجل من الأنصار ، فقال : ما هذا بالعدل فنزلت هذه الآية .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقاتِ يقول : ومنهم من يطعن عليك في الصدقات . وذُكر لنا أن رجلاً من أهل البادية حديث عهد بأعرابية ، أتى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا وفضة ، فقال : يا محمد ، والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما عدلت فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «وَيْلَكَ فَمَنْ ذَا يَعْدِلُ عَلَيْكَ بَعْدِي ؟ » ثم قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «احْذَرُوا هَذَا وأشْباهَهُ ، فإنّ فِي أُمّتِي أشْباهَ هَذَا يَقْرَءُونَ القُرآنَ لا يُجاوزُ تَرَاقِيَهُمْ ، فإذَا خَرَجُوا فاقْتُلُوهُمْ ، ثُمّ إذَا خَرَجُوا فاقْتُلُوهُمْ ، ثُمّ إذَا خَرَجُوا فاقْتُلُوهُمْ » . وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما أُعْطِيكُمْ شَيْئا وَلا أمْنَعْكُمُوهُ إنّمَا أنا خازِنٌ » .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقاتِ قال : يطعن .
قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد ، قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما ، إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي ، فقال : اعدل يا رسول الله فقال : «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إنْ لَمْ أعْدِلْ ؟ » فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه قال : «دعه ، فإنّ لَهُ أصَحابا يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ وَصِيامَهُ مَعَ صِيامِهِمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدّينِ كما يَمْرُقُ السّهُمْ مِنَ الرّمِيّةِ ، فَيَنْظُرُ فِي قُذَذهِ فَلا يَنْظُرُ شَيْئا ، ثُمّ يَنْظُرُ فِي نَصْلِهِ فَلا يَجِدُ شَيْئا ، ثُمّ يَنْظُرُ فِي رَصَافِهِ فَلا يَجِدُ شَيْئا ، قَد سَبَقَ الفَرْثَ وَالدّمَ ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أسْوَدُ إحْدَى يَدَيْهِ أوْ قالَ : يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرأة أوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ ، يَخْرُجُونَ على حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ النّاسِ » . قال : فنزلت : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقاتِ . قال أبو سعيد : أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن عليّا رحمة الله عليه حين قتلهم جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقاتِ فإنْ أُعُطُوا مِنْها رَضوا وَإنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إذَا هُمْ يَسْخَطُونَ قال : هؤلاء المنافقون ، قالوا : والله ما يعطيها محمد إلا من أحبّ ، ولا يؤثر بها إلا هواه فأخبر الله نبيه ، وأخبرهم أنه إنما جاءت من الله ، وأن هذا أمر من الله ليس من محمد : إنّمَا الصّدقاتُ للفُقَرَاءِ . . . الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.