بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمِنۡهُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ} (58)

قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات } ؛ روي عن ابن كثير أنه قرأ { يَلْمِزُكَ } بضم الميم والباقون بالكسر ؛ وهما لغتان ومعناهما واحد يقول : من المنافقين من يطعنك ويعيبك ؛ ويقال : لمزته إذا عبته . وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً ، إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي فقال : اعدل يا رسول الله . فقال : « وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أعْدِلْ » فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ، أتأذن لي فأضرب عنقه ؟ فقال : « دَعْهُ فَإنَّ لَهْ أصْحَاباً يَحْقِرُ أحَدْكُمْ صَلاتَهُ عند صَلاتِهِ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ يَمْرَقُونَ مِنَ الدِّينِ ، كَمَا يَمْرُقُ الْسَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ؛ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أسْوَدٌ إحْدَى ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْي المَرْأةِ أو مثل البضعةِ ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فرقةٍ مِنَ النَّاسِ » ويروى : « عَلَى حِينِ الفِتَنِ مِنَ النَّاس » فنزلت فيهم { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات } الآية .

قال أبو سعيد : أشهد أني سمعت هذا من رسول الله عليه السلام وأشهد أن علياً حين قتلهم وأنا معه ، أتى بالرجل بالنعت الذي نعته رسول الله عليه السلام وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من الصدقات ، فقال أبو الخواص والنبي عليه السلام يعطي وروى بعضهم أبو الجواظ : ألا ترون إلى صاحبكم يقسم صدقتكم في رعاة الغنم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا أبَا لَكَ ، أمَا كَانَ مُوسَى رَاعِياً ؟ أمَا كَانَ داودُ رَاعِياً » أما كان داود راعياً ؟ فذهب أبو الخواص ، فقال النبي عليه السلام : « احْذِرُوا هذا وَأَصْحَابَهُ » فنزل { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات } . { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا } ؛ يعني : الصدقات ، { رَضُواْ } بالقسمة . { وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } ، لا يرضون بالقسمة .