اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِنۡهُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ} (58)

قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات } الآية .

قرأ العامة " يَلْمِزُكَ " بكسر الميم ، من : لَمَزه يَلْمِزه ، أي . عابه ، وأصله : الإشارة بالعين ونحوها .

قال الأزهري{[17900]} أصله : الدفع ، لَمَزتُهُ دفعته وقال الليث هو الغمز في الوجه ومنه : هُمزةٌ لُمَزَة . أي : كثيرُ هذين الفعلين . وقال أبو بكر الأصم " اللَّمز : أن يشير إلى صاحبه بعيب جليسه . والهمز : أن يكسر عينه على جليسه إلى صاحبه " . وقرأ يعقوب{[17901]} ، وحماد بن سلمة عن ابن كثير ، والحسن ، وأبو رجاء ، ورويت عن أبي عمرو بضمها ، وهما لغتان في المضارع . وقرأ الأعمش{[17902]} " يُلْمِزُكَ " مِنْ " الْمَز " رباعياً . وروى حماد بن سلمة " يُلامِزُكَ " على المفاعلة من واحدٍ ، ك : سافرَ ، وعاقب .

هذا شرح نوع آخر من طباعهم وأفعالهم ، وهو طعنهم في الرسول بسبب أخذ الصدقات ، ونزلت في ذي الخويصرة التميمي ، واسمه : حرقوص بن زهير ، أصل الخوارج .

قال أبو سعيد الخدري بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم مالاً إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي ، وقال : يا رسول الله اعدل ، فقال : " ويلك من يعدل إذا لم أعدل ؟ " فنزلت هذه الآية{[17903]} .

وقال الكلبي : قال رجل من المنافقين ويقال له : أبو الجواظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتزعم بأن الله أمرك بأن تضع صدقات في الفقراء والسماكين ، فلم تضعها في رعاة الشاء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أبا لك ، فإنما كان موسى راعياً وإنما كان داود راعياً " ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فلما ذهب قال عليه السلام : " احذروا هذا وأصحابه ، فإنهم منافقون " {[17904]} .

وروى أبو بكر الأصم في تفسيره أنه عليه السلام قال لرجل من أصحابه : " ما علمك بفلان ؟ " قال ما لي به علم إلا أنك تدينه في المجلس وتجزل له العطاء ، فقال عليه السلام : " إنه منافق أداريه عن نفاقه ، وأخاف أن يفسد عليّ غيره ، فقال : لو أعطيت فلانا بعض ما تعطيه ؟ فقال عليه السلام : إنه مؤمن أكله إلى إيمانه ، وإنام هذا منافق أداريه إفساده " .

قال ابن عباس " يلمزك " : يغتابك ، وقال قتادة : يطعن عليك{[17905]} ، وقال الكلبي : يعيبك في أمرٍ ما ، قال أبو علي الفارسي : هنا محذوف والتقدير : يعيبك في تفريق الصدقات فإن أعطوا كثيراً فرحوا ، وإن أعطوا قليلاً فإذا هم يسخطون . وقد تقدم الكلام على " إذا " الفجائية ، والعامل فيها . قال أبو البقاء : " يسخطون " لأنه قال : إنها ظرف مكان ، وفيه نظر تقدم نظيره .


[17900]:ينظر: تهذيب اللغة 13/220.
[17901]:ينظر: السبعة ص (315)، الحجة للفراء للسبعة 4/196-197، إعراب القراءات 1/249-250، إتحاف 2/94.
[17902]:ينظر: الكشاف 2/282، المحرر الوجيز 3/47، البحر المحيط 5/57، الدر المصون 3/476.
[17903]:أخرجه البخاري (12/303) كتاب استتابة المرتدين: باب من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا يفر الناس عنه حديث (6933) والنسائي (6/355) في الكبرى والطبري في "تفسيره" (6/394) والبغوي في "تفسيره" (2/301-302) من حديث أبي سعيد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/448) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.
[17904]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/302).
[17905]:ذكره الرازي في "تفسيره" (16/79).