البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِنۡهُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ} (58)

{ ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } : اللامز حرقوص بن زهير التميمي ، وهو ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فقال : إعدل يا رسول الله الحديث .

وقيل : هو ابن الجواظ المنافق قال : ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم .

وقيل : ثعلبة بن حاطب كان يقول : إنما يعطى محمد قريشاً .

وقيل : رجل من الأنصار أتى الرسول بصدقة يقسمها ، فقال : ما هذا بالعدل ؟ وهذه نزغة منافق .

والمعنى : من يعيبك في قسم الصدقات .

وضمير ومنهم للمنافقين ، والكاف للرسول .

وهذا الترديدين الشرطين يدل على دناءة طباعهم ونجاسة أخلاقهم ، وإن لمزهم الرسول إنما هو لشرههم في تحصيل الدنيا ومحبة المال ، وأنّ رضاهم وسخطهم إنما متعلة العطاء .

والظاهر حصول مطلق الإعطاء أو نفيه .

وقيل : التقدير فإن أعطوا منها كثيراً يرضوا ، وإن لم يعطوا منها كثيراً بل قليلاً ، وما أحسن مجيء جواب هذين الشرطين ، لأنّ الأول لا يلزم أن يقارنه ولا أن يعتقبه ، بل قد يجوز أن يتأخر نحو : إن أسلمت دخلت الجنة ، فإنما يقتضي مطلق الترتب .

وأما جواب الشرط الثاني فجاء إذا الفجائية ، وأنه إذا لم يعطوا فاجأ سخطهم ، ولم يمكن تأخره لما جبلوا عليه من محبة الدنيا والشره في تحصيلها .

ومفعول رضوا محذوف أي : رضوا ما أعطوه .

وليس المعنى رضوا عن الرسول لأنهم منافقون ، ولأنّ رضاهم وسخطهم لم يكن لأجل الدين ، بل للدنيا .

وقرأ الجمهور : يلمزك بكسر الميم .

وقرأ يعقوب وحماد بن سلمة عن ابن كثير والحسن وأبو رجاء وغيرهم : بضمها ، وهي قراءة المكيين ، ورويت عن أبي عمرو .

وقرأ الأعمش : يلمزك .

وروى أيضاً حماد بن سلمة عن ابن كثير : يلامزك ، وهي مفاعلة من واحد .

وقيل : وفرق الرسول صلى الله عليه وسلم قسم أهل مكة في الغنائم استعطافاً لقلوبهم ، فضج المنافقون .