المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

4- وإن الأرض ذاتها فيها عجائب ، فيها قطع من الأرض يجاور بعضها بعضا ، وهي مختلفة التربة مع ذلك ، بعضها قاحل ، وبعضها خصب ، وإن اتحدت التربة ، ففيها حدائق مملوءة بكروم العنب ، وفيها زرع يحصد ، ونخيل مثمر ، وهي مجتمعة ومتفرقة ، ومع أنها تسقى بماء واحد يختلف طعمها ، وإن في هذه العجائب لدلائل واضحة علي قدرة الله لمن له عقل يفكر به{[102]} .


[102]:تشير الآية الكريمة إلي علوم الأرضي والبيئة وأثرها علي صفات النبات، فمن المعروف علميا أن التربة الزراعية تتكون من حبيبات معدنية مختلفة المصدر والحجم والترتيب، ومن الماء ومصدره المطر، ومن الهواء، ومن المادة العضوية التي يرجع وجودها إلي بقايا النبات والأحياء الأخرى التي توجد علي سطح التربة أو في داخلها، وفضلا عن ذلك فتوجد ملايين الكائنات الحية الدقيقة لا ترى بالعين المجردة لصغر حجمها، وتختلف أعدادها من عشرات الملايين إلي مئاتها في كل جرام من التربة السطحية الزراعية. إن النظرة الشاملة لصفات التربة الطبيعية والكيماوية والحيوية إن دلت علي شيء فإنما تدل علي قدرة الخالق، وروعة الخلق. فالأرض كما يقول الزارعون بحق تختلف من شبر إلي شبر. ومعروف للعلماء أن أي نقص في أحد المواد الأساسية لتغذية يتبعه تغيير مميز تظهر أعراضه علي النبات، ولذلك يعمد الزارعون إلي تعويض النقص بالتسميد الملائم، وعوامل البيئة أكثر من أن تحصى ولها أثر ملحوظ علي الثمر والإثمار سواء كان النبات متحد الأصل أو مختلفه فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وهو علي كل شيء قدير.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

قوله تعالى : { وفي الأرض قطع متجاورات } ، متقاربات يقرب بعضها من بعض ، وهي مختلفة : هذه طيبة تنبت ، وهذه سبخة لا تنبت ، وهذه قليلة الريع ، وهذه كثيرة الريع ، { وجنات } : بساتين ، { من أعناب وزرع ونخيل صنوان } ، رفعها كلها ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، ويعقوب ، عطفا على الجنات ، وجرها الآخرون نسقا على الأعناب . والصنوان : جمع صنو ، وهو النخلات يجمعهن أصل واحد . { وغير صنوان } ، هي النخلة المنفردة بأصلها .

وقال أهل التفسير : صنوان : مجتمع ، وغير صنوان : متفرق . نظيره من الكلام : قنوان جمع قنو . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في العباس : " إن عم الرجل صنو أبيه " . ولا فرق في الصنوان والقنوان بين التثنية والجمع إلا في الإعراب ، وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة ، وفي الجمع منونة .

{ يسقى بماء واحد } ، قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب يسقى بالياء أي يسقى ذلك كله لماء واحد ، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى : { وجنات } ولقوله تعالى من بعد : { ونفضل بعضها على بعض } ، ولم يقل بعضه . والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام . { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } ، في الثمر والطعم . قرأ حمزة والكسائي ويفضل بالياء ، لقوله تعالى : { يدبر الأمر يفصل الآيات } [ الرعد-2 ] . وقرأ الآخرون بالنون على معنى : ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل ، وجاء في الحديث ونفضل بعضها على بعض في الأكل ، قال : الفارسي ، كجيد التمر والدقل ، والحلو والحامض . قال مجاهد : كمثل بني آدم ، صالحهم وخبيثهم ، وأبوهم واحد . قال الحسن : هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم ، يقول : كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عز وجل ، فسطحها ، فصارت قطعا متجاورة ، فينزل عليها المطر من السماء ، فتخرج هذه زهرتها ، وشجرها وثمرها ونباتها ، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها ، وكل يسقى لماء واحد ، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع ، وتقسو قلوب فتلهو . قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان ، قال الله تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } [ الإسراء-82 ] . { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

ثم ساق - سبحانه - مظاهر أخرى لقدرته فقال - تعالى - : { وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } .

والقطع : جمع قطعة - بكسر القاف - وهى الجزء من الشئ ، تشبيها لها ، بما يقتطع من الشئ .

ومتجاورات : أى : متلاقيات ومتقاربات .

وليس هذا الوصف مقصوداً لذاته ، بل المقصود أنها من تجاورها وتقاربها مختلفة في أوصافها مما يشهد بقدرة الله - تعالى - العظيمة .

ولذا قال ابن كثير ما ملخصه : { وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } أى : أرض يجاوزر بعضها بعضاً ، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينتفع به الناس ، وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئاً ، وهذه تربتها حمراء ، وتلك تربتها سوداء . . . وهذه محجرة وتلك سهلة . . . والكل متجاورات ، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .

وقال - سبحانه - { وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } بإعادة اسم الأرض الظاهر ، ولم يقل وفيها قطع متجاورات كما قال : { جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين } في الآية السابقة ، وذلك ليكون كاملاً مستقلا ، وليتجدد الأسلوب فيزداد حلاوة وبلاغة . وقوله { وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل . . . } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - ورحمته بعباده .

والجنات : جمع جنة ، والمراد بها البستان ذو الشجر المتكاثف ، الملتف الأغصان الذي يظلل ما تحته ويستره .

والأعناب : جمع عنب وهو شجر الكرم .

والمراد بالزرع : أنواع الحبوب على اختلاف ألوانها وطعومها وصفاتها وقوله { صنوان } صفة لنخيل ، وهو جمع صنو .

والصنو : بمعنى المثل ومنه قيل لعم الرجل : صنو أبيه ، أى : مثله ، فأطلق على كل غصن صنو لمماثلته للآخر في التفرع من أصل واحد { والأكل } اسم لما يؤكل من الثمار والحب .

والمعنى : أن من مظاهر قدرت الله - أيضا - ومن الأدلة على وحدانيته - سبحانه - أنه جعل في الأرض بقاعا كثيرة متجاورة ومع ذلك فهى مختلفة في أوصافها وفى طبيعتها .

. وفيها أيضا بساتين كثيرة من أعناب ومن كل نوع من أنواع الحبوب .

وفيها كذلك نخيل يجمعها أصل واحد فهى صنوان ، ونخيل أخرى لا يجمعها أصل واحد فهى غير صنوان .

والكل من الأعناب والزرع والنخيل وغيرها { يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ } لا اختلاف في ذاته سواء أكان السقى من ماء الأمطار أم من ماء الأنهار ومع وجود أسباب التشابه ، فإننا لعظيم قدرتنا وإحساننا { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ } آخر منها { فِي الأكل } أى : في اختلاف الطعوم .

قال الإِمام الرازى : " قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم { وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } كلها بالرفع عطفا على قوله { وجنات } وقرأ الباقون بالجر عطفاً على الأعناب . . . "

وخص - سبحانه - النخيل بوصفه بصنوان ، لأن العبرة به أقوى ، إذ المشاهدة له أكثر من غيره .

ووجه زيادة { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } تجدير العبرة باختلاف الأحوال ، واقتصر - سبحانه - في التفاضل على الأكل ، لأنه أعظم المنافع .

وقوله - سبحانه - { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } تذييل قصد به الحض على التعقل والتدبر .

أى : إن في ذلك الذي فصل الله - تعالى - أحواله من اختلاف أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها وطعومها وأوراقها . . . مع أنها تسقى بماء واحد . وتنبت في أرض متجاورة ، إن في ذلك كله لدلائل باهرة ، على قدرة الله - تعالى - واختصاصه بالعبادة ، لقوم يستعملون عقولهم في التفكير السليم ، والتأمل النافع .

أما الذني يستعملون عقولهم فيما لا ينفع ، فإنهم يمرون بالعبر والعظات وهم عنها معرضون .

وبذلك نرى أن الله - تعالى - قد ساق في هذه الآيات أدلة متعددة ومتنوعة من العالم العلوى والسفلى ، وكلها تدل على عظيم قدرته ، وجليل حكمته .

وهذه الأدلة منها :

1 - خلقه السموات مرتفعة بغير عمد .

2 - تسخيره الشمس والقمر لمنافع الناس .

3 - خلقه الأرض بتلك الصورة الصالحة للاستقرار عليها .

4 - خلقه الجبال فيها لتثبيتها .

5 - خلقه الأنهار فيها لمنفعة الإِنسان والحيوان والنبات .

6 - خلقه زوجين اثنين من كل نوع من أنواع الثمار .

7 - معاقبته بين الليل والنهار .

8 - خلقه بقاعا في الأرض متجاورة مع اختلافها في الطبيعة والخواص .

9 - خلقه أنواعاً من الزورع المختلفة في ثمارها وأشكالها .

10 - خلقه النخيل صنواناً وغير صنوان ، وجميعها تسقى بماء واحد .

ومع كل ذلك فضل - سبحانه - بعضها على بعض في الأكل .

وهذه الأدلة يشاهدها الناس بأبصارهم ، ويحسونها بحواسهم ، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّـٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (4)

لله بلاغة القرآن في تغيير الأسلوب عند الانتقال إلى ذكر النعم الدالة على قدرة الله تعالى فيما ألهم الناس من العمل في الأرض بفلحها وزرعها وغرسها والقيام عليها ، فجاء ذلك معطوفاً على الأشياء التي أسند جَعْلها إلى الله تعالى ، ولكنه لم يسند إلى الله حتى بلغ إلى قوله : { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } ، لأن ذلك بأسرار أودعها الله تعالى فيها هي موجب تفاضلها . وأمثال هذه العِبر ، ولَفْتِ النظر مما انفرد به القرآن من بين سائر الكتب .

وأعيد اسم { الأرض } الظاهر دون ضميرها الذي هو المقتضَى ليستقل الكلام ويتجدد الأسلوب ، وأصل انتظام الكلام أن يقال : جَعل فيها زوجين اثنين ، وفيها قطعٌ متجاورات ، فعدل إلى هذا توضيحاً وإيجازاً .

والقِطع : جمع قِطعة بكسر القاف ، وهي الجزء من الشيء تشبيهاً لها بما يقتطع . وليس وصف القِطع بمتجاورات مقصوداً بالذات في هذا المقام إذ ليس هو محل العبرة بالآيات ، بل المقصود وصفٌ محذوف دل عليه السياق تقديره ؛ مختلفات الألوان والمنابت ، كما دل عليه قوله : { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } .

وإنما وصفت بمتجاورات لأن اختلاف الألوان والمنابت مع التجاور أشد دلالة على القدرة العظيمة ، وهذا كقوله تعالى : { ومن الجبال جُدَدٌ بِيض وحُمر مختلفٌ ألوانها وغرابيب سود } [ فاطر : 27 ] .

فمعنى { قطع متجاورات } بقاعٌ مختلفة مع كونها متجاورةً متلاصقة .

والاقتصار على ذكر الأرض وقِطعها يشير إلى اختلاف حاصل فيها عن غير صنع الناس وذلك اختلاف المراعي والكلأ . ومجرد ذكر القطَع كاف في ذلك فأحالهم على المشاهدة المعروفة من اختلاف منابت قطع الأرض من الأبّ والكلإ وهي مراعي أنعامهم ودوابّهم ، ولذلك لم يقع التعرض هنا لاختلاف أُكله إذ لا مذاق للآدمي فيه ولكنه يختلف شَرعهُ بعض الحيوان على بعضه دون بعض .

وتقدم الكلام على { وجنات من أعناب } عند قوله تعالى : { ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب } [ الأنعام : 99 ] .

والزرع تقدم في قوله : { والنخل والزرع مختلفا أكله } [ الأنعام : 141 ] .

والنخيل : اسم جمع نخلة مثل النخل ، وتقدم في تلك الآية ، وكلاهما في سورة الأنعام .

والزرع يكون في الجنات يزرع بين أشجارها .

وقرأ الجمهور { وزرع ونخيل } بالجر عطفاً على { أعناب } ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، ويعقوب بالرفع عطفاً على { جنات } . والمعنى واحد لأن الزرع الذي في الجنات مساوٍ للذي في غيرها فاكتُفي به قضاء لحق الإيجاز . وكذلك على قراءة الرفع هو يغني عن ذكر الزرع الذي في الجنات ، والنخل لا يكون إلاّ في جنات .

وصنوان : جمع صِنو بكسر الصاد في الأفصح فيهما وهي لغة الحجاز ، وبضمها فيهما أيضاً وهي لغة تميم وقيسسٍ . والصنو : النخلة المجتمعة مع نخلة أخرى نابتتين في أصل واحد أو نخلات .

الواحد صنو والمثنى صنواننِ بدون تنوين ، والجمع صِنوانٌ بالتنوين جمع تكسير . وهذه الزنة نادرة في صيغ أو الجموع في العربية لم يحفظ منها إلا خمسةُ جموع : صِنو وصنوانٌ ، وقِنْو وقنوانٌ ، وزِيدٍ بمعنى مِثْل وزِيدَاننٍ ، وشِقْذ ( بذال معجمة اسم الحرباء ) وشِقذان ، وحِشّ ( بمعنى بستان ) وحِشانٍ .

وخصّ النخل بذكر صفة صنوان لأن العبرة بها أقوى . ووجه زيادة { وغير صنوان } تجديد العبرة باختلاف الأحوال .

وقرأ الجمهور { صنوان وغير صنوان } بجر { صنوان } وجر { وغير } عطفاً على { زرع } . وقرأهما ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، ويعقوب بالرفع عطفاً على { وجنات } .

والسقي : إعطاء المشروب . والمراد بالماء هنا ماء المطر وماء الأنهار وهو واحد بالنسبة للمسقى ببعضه .

والتفضيل : منة بالأفضل وعبرة به وبضده وكناية عن الاختلاف .

وقرأ الجمهور { تُسقَى } بفوقية اعتباراً بجمع { جنات } ، وقرأه ابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب { يسقى } بتحتية على تأويل المذكور .

وقرأ الجمهور { ونفضل } بنون العظمة ، وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف { ويفضل } بتحتية . والضمير عائد إلى اسم الجلالة في قوله : { الله الذي رفع السماوات بغير عمد } . وتأنيث { بعضها } عند من قرأ { يسقى } بتحتية دون أن يقول بعضه لأنه أريد يفضل بعض الجنات على بعض في الثمرة .

والأُكْل : بضم الهمزة وسكون الكاف هو المأكول . ويجوز في اللغة ضم الكاف .

وظرفية التفضيل في { الأكل } ظرفية في معنى الملابسة لأن التفاضل يظهر بالمأكول ، أي نفضل بعض الجنات على بعض أو بعض الأعناب والزرع والنخيل على بعض من جنسه بما يثمره . والمعنى أن اختلاف طعومه وتفاضلها مع كون الأصل واحداً والغذاء بالماء واحداً ما هو إلا لقوى خفيّة أودعها الله فيها فجاءت آثارها مختلفة .

ومن ثم جاءت جملة { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } مجيء التذييل .

وأشار قوله : { ذلك } إلى جميع المذكور من قوله : { وهو الذي مدّ الأرض } [ سورة الرعد : 3 ] . وقد جعل جميع المذكور بمنزلة الظرف للآيات . وجعلت دلالته على انفراده تعالى بالإلهية دلالات كثيرة إذ في كل شيء منها آية تدل على ذلك .

ووصفت الآيات بأنها من اختصاص الذين يعقلون تعريضاً بأن من لم تقنعهم تلك الآيات منزّلون منزلة من لا يعقل . وزيد في الدلالة على أن العقل سجية للذين انتفعوا بتلك الآيات بإجراء وصف العقل على كلمة { قَوم } إيماء إلى أن العقل من مقومات قوميتهم كما بيناه في الآية قبلها .