المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

22- أشار موسى إلي خصلة ذميمة من خصال فرعون ، وبيَّن أنها تعبيد بني إسرائيل وذبح أبنائهم ، وأبى أن تسمى تربيته في بيته نعمة ، فسببها اتصافه بما تقدم ، فألقى في اليَم لينجو من قتله ، فآل إلي بيته ، ولولا ذلك لرباه أبواه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

قوله تعالى : { وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل } اختلفوا في تأويلها : فحملها بعضهم على الإقرار وبعضهم على الإنكار . فمن قال هو إقرار ، قال عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ، ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل ، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل ، مجازه بلى وتلك نعمة لك علي أن عبدت بني إسرائيل ، وتركتني فلم تستعبدني . ومن قال : هو إنكار قال قوله : وتلك نعمة هو على طريق الاستفهام ، أي : أو تلك نعمة ؟ حذف ألف الاستفهام ، كقوله : :أفهم الخالدون . قال الشاعر :

تروح من الحي أو تبتكر *** وماذا يضرك لو تنتظر

أي : تروح من الحي ، قال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة :

لم أنس يوم الرحيل وفقتها *** وطرفها في دموعها غرق

وقولها والركاب واقفة *** تتركني هكذا وتنطلق

أي : أتتركني ؟ يقول : تمن علي أن ربيتني ، وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملات القبيحة . أو يريد : كيف تمن علي بالتربية وقد استعبدت قومي ، ومن أهين قومه ذل ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إلي . وقيل : معناه تمن علي بالتربية . وقوله أن عبدت بني إسرائيل أي : باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم ، دفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهلي من يربيني ولم يلقوني في اليم ، فأي نعمة لك علي قوله : عبدت أي : اتخذتهم عبيداً ، يقال : عبدت فلاناً ، وأعبدته ، وتعبدته ، واستعبدته ، أي : اتخذته عبداً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

ثم أضاف موسى - عليه السلام - إلى هذا الرد الملزم فرعون ، ردا آخر أشد إلزاما وتوبيخا فقال : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } .

واسم الإشارة { تِلْكَ } يعود إلى التربية المفهومة من قوله - تعالى - قبل ذلك : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً . . . الخ } .

وقوله { تَمُنُّهَا } صفة للخير و { أَنْ عَبَّدتَّ } عطف بيان للمبتدأ موضح له .

وهذا الكلام من موسى - عليه السلام - يرى بعضهم أنه قال على وجهة الاعتراف له بالنعمة ، فكأنه يقول له : تلك التربية التى ربيتها لى نعمة منك على ، ولكن ذلك لا يمنع من أن أكون رسولا من الله - تعالى - إليك ، لكى تقلع عن كفرك ، ولكى ترسل معنا بنى إسرائيل .

ويرى آخرون أن هذا الكلام من موسى لفرعون ، إنما قاله على سبيل التهكم به ، والإنكار عليه فيما امتن به عليه ، فكأنه يقول له : إن ما تمنّ به على هو فى الحقيقة نقمة ، وإلا فأية منة لك علىّ فى استعبادك لقومى وأنا واحد منهم ، إن خوف أمى من قتلك لى هو الذى حملها على أن تلقى بى فى البحر ، وتربيتى فى بيتك كانت لأسباب خارجة عن قدرتك . .

ويبدو لنا أن هذا الرأى أقرب إلى الصواب ، لأنه هو المناسب لسياق القصة ، ولذا قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآية : " ثم كر موسى على امتنان فرعون عليه بالتربية فأبطله من أصله ، واستأصله من سِنْخِه - أى : من أساسه - ، وأبى أن يسمى نعمته إلا نقمة . حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بنى إسرائيل ، لأن تعبيدهم وقصدهم بالذبح لأبنائهم هو السبب فى حصوله عنده وتربيته ، فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه ، وتذليلهم واتخاذهم خدما له . . . " .

وبهذا الجواب التوبيخى أفحم موسى - عليه السلام - فرعون . وجعله يحول الحديث عن هذه المسألة التى تتعلق بتربيته لموسى إلى الحديث عن شىء آخر حكاه القرآن فى قوله : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

ثم حاجه عليه السلام في منه عليه بالتربية وترك القتل بقوله { وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل } ، واختلف الناس في تأويل هذا الكلام ، فقال قتادة هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة كأنه يقول أو يصح لك أن تعتمد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلهم ، أي ليست نعمة لأن الواجب كان ألا يقتلني وألا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك ، وقرأ الضحاك «وتلك نعمة ما لك أن تمنها » ، وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل ، وقال الأخفش قيل ألف الاستفهام محذوفة والمعنى «أو تلك » وهذا لا يجوز إلا إذا عادلتها أم كما قال «تروح من الحي أم تبتكر »{[8918]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا القول تكلف{[8919]} ، قول موسى عليه السلام تقرير بغير ألف وهو صحيح كما قال قتادة والله المعين ، وقال السدي والطبري هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الإقرار بالنعمة ، كأنه يقول تربيتك نعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني ولكن ذلك لا يدفع رسالتي{[8920]} .

قال القاضي أبو محمد : ولكل وجه ناحية من الاحتجاج فالأول ماض في طريق المخالفة لفرعون ونقض كلامه كله ، والثاني مبد من موسى عليه السلام أنه منصف من نفسه معترف بالحق ، ومتى حصل أحد المجادلين في هذه الرتبة وكان خصمه في ضدها غلب المتصف بذلك وصار قوله أوقع في النفوس .


[8918]:القائل هو امرؤ القيس، وهذا صدر بيت من قصيدة قالها يصف فرسه وخروجه إلى الصيد، والبيت بتمامه: تروح من الحي أم تبتكر وماذا عليك بأن تنتظر؟ والرواح: السير في العشي، والابتكار: الخروج مبكرا، يقول: أتروح في آخر النهار أم تخرج مبكرا؟ ولماذا تتعجل الذهاب ؟ وماذا عليك لو انتظرت فالانتظار خير لك؟ والشاهد حذف ألف الاستفهام في (تروح)، إذ أصلها: أتروح؟ والدليل هو وجود (أم) في الكلام.
[8919]:قال النحاس: وهذا لا يجوز لأن ألف الاستفهام تحدث معنى، وحذفها محال إلا أن يكون في الكلام (أم)، ولكن الفراء قال: يجوز حذف ألف الاستفهام في أفعال الشك، وحكى: ترى زيد منطلقا؟ بمعنى: أترى، وعلق علي بن سليمان على كلام الفراء بقوله:إنما أخذه من ألفاظ العامة، وقال الثعلبي حكاية عن الفراء: إن الآية إنكار من موسى عليه السلام على طريق الاستفهام الذي حذفت ألفه، كقوله تعالى: {هذا ربي} وقوله: {فهم الخالدون}، وكقول الشاعر: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه: هم هم؟ وأنشد الغزنوي شاهدا على ترك الألف قولهم: لم أنس يوم الرحيل وقفتها وجفنها من دموعها شرق وقولها والركاب واقفة تركتني هكذا وتنطلق؟ قال القرطبي: ففي هذا حذف ألف الاستفهام مع عدم (أم) خلاف قول النحاس.
[8920]:وهناك رأي ثالث قاله الضحاك وهو أن الكلام خرج مخرج التبكيت، والتبكيت يكون باستفهام وبغير استفهام، والمعنى: لو لم تقتل بني إسرائيل لرباني أبواي، فأي نعمة لك علي؟ فأنت تمن علي بما لا يجب أن تمن به؟.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

عاد إلى أول الكلام فكرّ على امتنانه عليه بالتربية فأبطله وأبى أن يسميه نعمة ، فقوله : { وتلك نعمة } إشارة إلى النعمة التي اقتضاها الامتنان في كلام فرعون إذ الامتنان لا يكون إلا بنعمة .

ثم إن جعلت جملة { أن عبدت } بياناً لاسم الإشارة كان ذلك لزيادة تقرير المعنى مع ما فيه من قلب مقصود فرعون وهو على حد قوله تعالى : { وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابرَ هؤلاء مقطوعٌ مصبحين } [ الحجر : 66 ] إذ قوله { أن دابر هؤلاء } بيان لقوله : { ذلك الأمر } .

ويجوز أن يكون { أن عبدت } في محل نصب على نزع الخافض وهو لام التعليل والتقدير : لأن عبَّدتَّ بني إسرائيل .

وقيل الكلام استفهام بحذف الهمزة وهو استفهام إنكار . ومعنى { عبدت } ذَلَّلْت ، يقال : عبَّد كما يقال : أعبد بهمزة التعدية . أنشد أيمة اللغة :

حتّامَ يُعْبِدني قومي وقد كَثُرتْ *** فيهم آباعِرُ ما شاءوا وَعُبدان

وكلام موسى على التقادير الثلاثة نقض لامتنان فرعون بقلب النعمة نقمة بتذكيره أن نعمة تربيته ما كانت إلا بسبب إذلال بني إسرائيل إذ أمر فرعون باستئصال أطفال بني إسرائيل الذي تسبب عليه إلقاء أمّ موسى بطفلها في اليمّ حيث عثرت عليه امرأة فرعون ومن معها من حاشيتها وكانوا قد علموا أنه من أطفال إسرائيل بسِماتِ وجهه ولون جلده ، ولذلك قالت امرأة فرعون { قُرتُ عين لي ولك لا تَقتلُوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً } [ القصص : 9 ] . وفيه أن الإحسان إليه مع الإساءة إلى قومه لا يزيد إحساناً ولا منة .