قوله : «وَتِلْكَ نِعْمَةٌ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر{[37012]} على سبيل التهكم ، أي : إنْ كَانَ ثمَّ نعمة فليست إلاَّ أنك جعلت قومي عبيداً لك{[37013]} . وقيل : «ثَمَّ »{[37014]} حرف استفهام محذوف لفهم المعنى ، أي : «أَوَ تِلْكَ » ، وهذا مذهب الأخفش{[37015]} ، وجعل من ذلك :
3898 - أَفْرَحُ إن أُرْزَأَ الكِرَامَ{[37016]} *** . . .
وقد تقدم هذا مشبعاً في النساء عند قوله : { وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ }{[37017]} [ النساء : 79 ] وفي غيره .
قوله : «أَنْ عَبَّدْتَ » فيه أوجه :
أحدها : أنه في محل رفع عطف بيان ل «تِلْكَ »{[37018]} كقوله : { وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ } [ الحجر : 66 ] .
الثاني : أنها في محل نصب مفعولاً من أجله{[37019]} .
الثالث : أنها بدل من «نِعْمَة »{[37020]} .
الرابع : أنها بدل من هاء «تَمُنُّهَا » .
الخامس : أنها مجرورة بباء مقدرة ، أي : بأَنْ عَبَّدْتَ .
السادس : أنها خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي أن عَبَّدْتَ .
السابع : أنها منصوبة بإضمار «أعني » والجملة من «تَمُنُّهَا » صفة ل «نِعْمَة » و «تَمُنُّ » يتعدى بالباء ، فقيل : هي محذوفة ، أي : تَمُنُّ بها .
وقيل : ضُمِّنَ «تَمُنُّ » معنى «تَذْكُرُ »{[37021]} . ويقال : عبّدت الرجل وأعبدته وتعبدته واستعبدته : [ إذا اتخذته عبداً ]{[37022]} {[37023]} .
اختلفوا في تأويل «أَنْ عَبَّدْتَ » : فحملها بعضهم على الإقرار ، وبعضهم على الإنكار . وعلى كلا القولين فهو جواب لقوله : { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا } [ الشعراء : 18 ] .
فمن قال : هو إقرار ، قال : عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل ، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل ، أي : بلى و { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } وتركتني فلم تستعبدني . ومن قال : هو إنكار قال : قوله : «وَتِلْكَ نِعْمَةٌ » هو على طريق الاستفهام ، كما تقدم في إعرابها ، يعني : أَوَ تِلْكَ نعمة ، فحذفت ألف الاستفهام ، كقوله : { فَهُمُ الخالدون } [ الأنبياء : 34 ] وقال الشاعر :
3899 - تَرُوحُ مِنَ الحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرْ *** وَمَاذَا يَضِيرُكَ لَوْ تَنْتَظِرْ{[37024]}
أي : أتروح من الحي ، وقال عمر{[37025]} بن عبد الله بن أبي ربيعة :
3900 - لَمْ{[37026]} أَنْسَ يَوْمَ الرَّحِيلِ وَقْفَتِهَا*** وَطَرْفُهَا فِي دُمُوعِهَا غَرِقُ
وَقَوْلَهَا والرِّكابُ واقِفَةٌ *** تَتْرُكُنِي هكَذَا وَتَنْطَلِقُ{[37027]}
أي : أتتركني . يقول : تمنّ عليَّ أن ربيتني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملة القبيحة{[37028]} . أو يريد : كيف تَمُنُّ عليَّ بالتربية ، وقد استعبدت قومي ؟ ومن أُهين قومه ذلّ ، فتعبّدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ{[37029]} .
وقال الحسن : إنك استعبدت بني إسرائيل ، فأخذت أموالهم وأنفقت منها عليَّ فلا نعمة لك بالتربية{[37030]} . وقيل : إن الذي تولى تربيتي هم الذين استعبدتهم فلا نعمة لك عليَّ ، لأن التربية كانت من قبل أمي ومن قومي ، ليس لك إلا مجرد الاسم ، وهذا ما يعدّ إنعاماً{[37031]} . وقيل : معناه : تَمُنَّ عليَّ بالتربية وأنت لولا استعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم لما دُفِعْتُ إليك حتى ربيتني وكفلتني ، فإنه كان لي{[37032]} من أهلي من يربِّيني ويكفلني ، ولم يلقوني في اليمِّ ، فأيّ نعمة لك عليَّ{[37033]} . وقيل : معناه أنك تدَّعي أن بني إسرائيل عبيدك ، ولا مِنَّة للمولى على العبد في تربيته{[37034]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.