الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } .

اختلف العلماء في تأويلها ، ففسّرها بعضهم على إقرار وبعضهم على الإنكار ، فمن قال : هو إقرار قال : عدّها موسى نعمة منه عليه حيث ربّاه ولم يقتله كما قتل غلمان بني إسرائيل ، ولم يستعبده كما استعبد وتركني فلم يستعبدني وهذا قول الفرّاء ، ومن قال هو إنكار قال : معناه وتلك نعمة على طريق الاستفهام كقوله

{ هَذَا رَبِّي } [ الأنعام : 76-78 ] وقوله

{ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] وقول الشاعر :

هم هم ، وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة :

لم أنس يوم الرحيل وقفتها *** ودمعها في جفونها عرق

وقولها والركب سائرة *** تتركنا هكذا وتنطلق

وهذا قول مجاهد ، ثم اختلفوا في وجهها فقال بعضهم : هذا ردّ من موسى على فرعون حين امتنّ عليه بالتربية فقال : لو لم تقتل بني إسرائيل لربّاني أبواي فأىّ نعمة لك عليَّ ؟

وقيل : ذكره إساءته إلى بني إسرائيل فقال : تمنُّ عليَّ أن تربّيني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل .

وقيل : معناه كيف تمنُّ علي بالتربية وقد استعبدت قومي ؟ ومن أُهين قومه ذّل ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليَّ .

وقال الحسن : يقول : أخذت أموال بني إسرائيل وأنفقت منها عليَّ واتّخذتهم عبيداً .

وقوله سبحانه { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي اتّخذتهم عبيداً ، يقال : عبّدته وأعبدته ، وأنشد الفرّاء :

علام يعبّدني قومي وقد كثرتْ *** فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان

وله وجهان : أحدهما : النصب بنزع الخافض مجازه : بتعبيدك بني إسرائيل

والثاني : الرفع على البدل من النعمة .