المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ} (165)

165- ومع هذه الدلائل الواضحة اتخذ بعض الناس ممن ضلّت عقولهم أرباباً غير الله يطيعونهم ويعبدونهم كعبادة الله ويجعلونهم مثل الله ، والمؤمن يسلم القيادة لله وحده وطاعته له لا تنقطع ، أما هم فإن ولاءهم لآلهتهم يتزلزل عند النوائب فيلجأون إلى الله سبحانه ، وهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم لو عاينوا ما سينالهم من العذاب يوم الجزاء حين ينكشف ملك الله وتكون الطاعة له وحده ، لانتهوا عن جرمهم وأقلعوا عن إثمهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ} (165)

قوله تعالى : { ومن الناس } . يعني المشركين .

قوله تعالى : { من يتخذ من دون الله أنداداً } . أي أصناماً يعبدونها .

قوله تعالى : { يحبونهم كحب الله } . أي يحبون آلهتهم كحب المؤمنين الله ، وقال الزجاج : يحبون الأصنام كما يحبون الله لأنهم أشركوها مع الله فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة .

قوله تعالى : { والذين آمنوا أشد حباً لله } . أي أثبت وأدوم على حبه من المشركين لأنهم لا يختارون على الله ما سواه . والمشركون إذا اتخذوا صنماً ثم رأوا أحسن منه طرحوا الأول واختاروا الثاني . قال قتادة : إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء ويقبل على الله تعالى كما أخبر الله عز وجل عنهم فقال : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) والمؤمن لا يعرض عن الله في السراء والضراء والشدة والرخاء .

قال سعيد بن جبير : إن الله عز وجل يأمر يوم القيامة من أحرق نفسه في الدنيا على رؤية الأصنام أن يدخلوا جهنم مع أصنامهم فلا يدخلون ، لعلمهم أن عذاب جهنم على الدوام ، ثم يقول للمؤمنين وهم بين أيدي الكفار : إن كنتم أحبائي فادخلوا جهنم فيقتحمون فيها فينادي مناد من تحت العرش ( والذين آمنوا أشد حباً لله ) .

وقيل إنما قال : ( والذين آمنوا أشد حباً لله ) لأن الله تعالى أحبهم أولاً ثم أحبوه ومن شهد له المعبود بالمحبة كانت محبته أتم قال الله تعالى : ( يحبهم ويحبونه ) .

قوله تعالى : { ولو يرى الذين ظلموا } . قرأ نافع وابن عامر ويعقوب ولو ترى بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، وجواب لو هاهنا محذوف ، ومثله كثير في القرآن كقوله تعالى ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به ) الآية يعني لكان هذا القرآن ، فمن قرأ بالتاء معناه ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم من شدة العذاب لرأيت أمراً عظيماً ، وقيل : معناه قل يا محمد : أيها الظالم لو ترى الذين ظلموا أي أشركوا في شدة العقاب لرأيت أمراً فظيعاً ، ومن قرأ بالياء معناه ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم عند رؤية العذاب أو لو رأوا شدة عذاب الله وعقوبته حين يرون العذاب لعرفوا مضرة الكفر وأن ما اتخذوا من الأصنام لا ينفعهم .

قوله تعالى : { إذ يرون } . قرأ ابن عامر بضم الياء والباقون بفتحها .

قوله تعالى : { العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العقاب } . أي بأن القوة لله جميعاً ، معناه لرأوا معناه وأيقنوا أن القوة لله جميعاً . وقرا أبو جعفر ويعقوب : إن القوة وإن الله بكسر الألف على الاستئناف والكلام تام عند قوله إذ يرون العذاب مع إضمار الجواب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ} (165)

وبعد أن ذكر - سبحانه - جانباً من الآيات الدالة على ألوهيته ووحدانيته ، أردف ذلك ببيان حال المشركين ، وما يكون منهم يوم القيامة من تدابر وتقاطع وتحسر على ما فرط منهم فقال - تعالى - :

{ وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً . . . }

{ أَندَاداً } : جمع ند ، وهو مثل الشيء الذي يضاده وينافره ويتباعد عنه . وأصله من ند البعير يند نداً ونداداً وندوداً ، أي : نفر وذهب على وجهه شارداً . ويرى بعض العلماء أن المراد بالأنداد هنا الأصنام التي اتخذها المشركون آلهة للتقرب بها إلى الله ، وقيل : المراد بها الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم فيما يحلونه لهم ويحرمونه عليهم . والأولى أن يكون المراد بهذه الأنداد كل مخلوق أسند إليه أمر اختص به الله - تعالى - من نحو التحليل ، والتحريم وإيصال النفع وغير ذلك من الأمور التي انفرد بها الخالق - عز وجل - .

والمعنى : أن من الناس من لا يعقل تلك الآيات التي دلت على وحدانية الله وقدرته ، وبلغفت بهم الجهالة أنهم يخضعون لبع المخلوقات خضوعهم لله بزعم أنها مشابهة ومماثلة ومناظرة له - سبحانه - في النفع والضر ، ويحبون تعظيم تلك المخلوقات وطاعتها والتقرب إليها والانقياد لها حبا يشابه الحب اللازم عليهم نحو الله - تعالى - أو يشابه حب المؤمنين لله ، و { مِنَ } في قوله : { وَمِنَ الناس } للتبعيض ، والجار والمجرور خبر مقدم و { مِنَ } في قوله : { مَن يَتَّخِذُ } في محل رفع مبتدأ مؤخر ، و " من دون الله ، حال من ضمير يتخذ و { أَندَاداً } مفعول به ليتخذ .

قال الجمل : وجملة { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله } فيها ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون في محل رفع صفة لمن في أحد وجهيها ، والضمير المرفوع يعود عليها باعتبار المعنى بعد اعتبار اللفظ في يتخذ .

والثاني : أن تكون في محل نصب صفة لأنداداً والضمير المنصوب يعود عليهم والمراد بهم الأصنام ، وإنما جمعوا جمع العقلاء لمعاملتهم معالمة العقلاء . أو أن يكون المراد بهم من عبد من دون الله عقلاء وغيرهم ثم غلب العقلاء على غيرهم .

الثالث : أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في يتخذ ، والضمير المرفوع عائد على ما عاد عليه الضمير في يتخذ وجمع حملا على المعنى .

ثم مدح - سبحانه - عبادة المؤمنين فقالك { والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } .

أي : والذين آمنوا وأخلصوا لله العبادة أشد حباً له - سبحانه - من كل ما سواه ، ومن حب المشركين للأنداد ، ذلك لأن حب المؤمنين لله متولد عن أدلة يقينية ، وعن علم تام ، ببديع حكمته - سبحانه - وبالغ حجته ، وسعة رحمته ، وعدالة أحكامه ، وعزة سلطانه ، وتفرده بالكمال المطلق ، والحب المتولد عن هذا الطريق يكون أشد من حب المشركين لمعبوداتهم لأن حب المشركين لمعبوداتهم متولد عن طريق الظنون والأوهام والتقاليد الباطلة .

والتصريح بالأشدية في قوله : { أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أبلغ من أن يقال أحب لله ؟ إذ ليس المراد الزيادة في أصل الفعل - كما يقول الآلوسي - بل المراد الرسوخ والثبات .

وقيل : عدل عن أحب إلى أشد حباً ، لأن " حب " شاع في الأشد محبوبية فعدل عنه احترازاً عن اللبس .

ولقد ضرب المؤمنون الصادقون أروع الأمثال في حبهم لله - تعالى - لأنهم ضحوا في سبيله بأرواحهم وأموالهم وأبنائهم وأغلى شيء لديهم ، ولأنهنم لم يعرفوا عملا يرضيه إلا فعلوه ، ولم يعرفوا عملا يغضبه إلا اجتبوه .

ثم أخبر - سبحانه - عما ينتظر الظالمين من سوء المصير فقال : { وَلَوْ يَرَى الذين ظلموا إِذْ يَرَوْنَ العذاب أَنَّ القوة للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ الله شَدِيدُ العذاب } { لَوْ } شرطية ، وجوابها محذول لقصد التهويل ولتذهب النفس في تصويرها كل مذهب و { القوة } القدرة والسلطان .

والمعنى : ولو يرى أولئك المشركون حين يشاهدون العذاب المعدلهم يوم القيامة أن القدرة كلها لله وحده ، وأن عذابه الذي يصيب به المتخطبين في ظلمات الشرك شديد ، لو يعلمون ذلك ، لرأوا ما لا يوصف من الهول والفظاعة ، ولوقعوا فيما لا يكاد يوصف من الحسرة والندامة .

وكان الظاهر بمقتضى تقدم ذكرهم أن يقال : ولو يرون إذ يرون . ولكن وضع الموصول وصلته موضع الضمير ، ليحضر في ذهن السامع أنهم صاروا باتخاذهم الأنداد من الظالمين ، وليشعر بأن سبب رؤيتهم العذاب الشديد هو ذلك الظلم العظيم .

وعبر بالماضي في قوله : { إِذْ يَرَوْنَ العذاب } لتحقق الوقوع ، ولك ما كان كذلك فإنه يجري مجري ما وقع وحصل .

وجملة { أَنَّ القوة للَّهِ جَمِيعاً } سدت مسد مفعولي يرى ، وانتصب لفظ { جَمِيعاً } على التوكيد للقوة . أي . جميع جنس القوة ثابت لله ، وهو مبالغة في عدم الاعتداد بقوة غيره ، فمفاد جميع هنا مفاد لام الاستغراق في قوله : { الحمد للَّهِ } وجملة { وَأَنَّ الله شَدِيدُ العذاب } معطوفة على ما قبلها ، وفائدتها المبالغة في تفظيع الخطب ، وتهويل الأمر ، فإن اختصاص القوة به - تعالى - لا يوجب شدة العذاب لجواز تركه عفواً مع القدرة عليه .

هذا ، وقد قرأ نافع وابن عمر " ولو ترى " بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى له الخطاب .

أي : لو ترى ذلك أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب لرأيت أمراً عظمياً في الفظاعة والهول .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ} (165)

{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا } من الأصنام . وقيل من الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم لقوله تعالى : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } ولعل المراد أعم منهما وهو ما يشغله عن الله { يحبونهم } يعظمونهم ويطيعونهم { كحب الله } كتعظيمه والميل إلى طاعته ، أي يسوون بينه وبينهم في المحبة والطاعة ، والمحبة : ميل القلب من الحب ، استعير لحبة القلب ، ثم اشتق منه الحب لأنه أصابها ورسخ فيها ، ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل مراضيه ، ومحبة الله للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة ، وصونه عن المعاصي . { والذين آمنوا أشد حبا لله } لأنه لا تنقطع محبتهم لله تعالى ، بخلاف محبة الأنداد فإنها لأغراض فاسدة موهومة تزول بأدنى سبب ، ولذلك كانوا يعدلون عن آلهتهم إلى الله تعالى عند الشدائد ، ويعبدون الصنم زمانا ثم يرفضونه إلى غيره .

{ ولو يرى الذين ظلموا } ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتخاذ الأنداد { إذ يرون العذاب } إذ عاينوه يوم القيامة . وأجرى المستقبل مجرى الماضي لتحققه كقوله تعالى : { ونادى أصحاب الجنة } .

{ أن القوة لله جميعا } ساد مسد مفعولي { يرى } ، وجواب { لو } محذوف . أي لو يعلمون أن القوة لله جميعا إذا عاينوا العذاب لندموا أشد الندم . وقيل هو متعلق الجواب والمفعولان محذوفان ، والتقدير : ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع ، لعلموا أن القوة لله كلها لا ينفع ولا يضر غيره . وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب : { ولو ترى } على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما ، وابن عامر : { إذ يرون } على البناء للمفعول ، ويعقوب { إن } بالكسر وكذا { وإن الله شديد العذاب } على الاستئناف ، أو إضمار القول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ} (165)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ( 165 )

ذكر الله الوحدانية ثم الآيات الدالة على الصانع الذي لا يمكن أن يكون إلا واحداً ، ثم ذكر في هذه الآية الجاحدين الضالين معجباً من سوء ضلالهم مع الآيات ، لأن المعنى أن في هذه الأمور لآيات بينة ، ومن الناس مع ذلك البيان من يتخذ ، وخرج { يتخذ } موحداً على لفظ { من } والمعنى جمعه ، و { من دون } لفظ يعطي غيبة ما تضاف إليه { دون } عن القضية التي فيها الكلام( {[1512]} ) ، وتفسير { دون } بسوى أو بغير لا يطرد ، والند والنظير والمقاوم والموازي كان ضداً أو خلافاً أو مثلاً ، إذا قاوم من جهة فهو منها ند ، وقال مجاهد وقتادة : المراد بالأنداد الأوثان ، وجاء ضميرها في { يحبونهم } ضمير من يعقل لما أنزلت بالعبادة منزلة من يعقل ، وقال ابن عباس والسدي : المراد بالأنداد الرؤساء المتبعون يطيعونهم في معاصي الله تعالى ، و { يحبونهم } في موضع نصب نعت للأنداد ، أو على الحال من المضمر في { يتخذ } ، أو يكون في موضع رفع نعت { لمن } وهذا على أن تكون { من } نكرة والكاف من { كحب } في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، و { حب } مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ وهو على التقدير مضاف إلى الفاعل المضمر ، تقديره كحبكم الله أو كحبهم الله حسبما قدر كل وجه منها فرقة ، ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان( {[1513]} ) .

ثم أخبر أن المؤمنين { أشد حباً الله } لإخلاصهم وتيقنهم الحق( {[1514]} ) .

وقوله تعالى : { ولو ترى الذين ظلموا } قرأ نافع وابن عامر «ترى » بالتاء من فوق( {[1515]} ) ، و «أن » بفتح الألف ، و «أن » الأخرى كذلك عطف على الأولى ، وتقدير ذلك : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله ، فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى ، وهو العامل في «أن » وتقدير آخر : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعاً ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك ، ولكن خوطب والمراد أمته ، فإن فيهم من يحتاج إلى تقوية علمه بمشاهدة مثل هذا ، وتقدير ثالث : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ولاستعظمت ما حل بهم ، فاللام مضمرة قبل «أن » فهي مفعول من أجله ، والجواب محذوف مقدر بعد ذلك ، وقد حذف جواب { لو } مبالغة ، لأنك تدع السامع يسمو به تخيله( {[1516]} ) ، ولو شرحت له لوطنت نفسه إلى ما شرحت ، وقرأ الحسن وقتادة وشيبة وأبو جعفر { ترى } بالتاء من فوق وكسر الهمزة من «إن » ، وتأويل ذلك : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لاستعظمت ما حل بهم ، ثم ابتدأ الخبر بقوله «إن القوة لله » ، وتأويل آخر : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة لله جميعاً لاستعظمت حالهم .

وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن كثير «يرى » بالياء من أسفل ، وفتح الألف من «أن » ، تأويله : ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله جميعاً ، وتأويل آخر روي عن المبرد والأخفش : ولو يرى بمعنى يعلم الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً لاستعظموا ما حل بهم ، ف «يرى » عامل في «أن » وسدت مسد المفعولين .

وقال أبو علي : ( {[1517]} )«الرؤية في هذه الآية رؤية البصر » ، والتقدير في قراءة الياء : ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله جميعاً ، وحذف جواب { لو } للمبالغة ، ويعمل في «أن » الفعل الظاهر وهو أرجح من أن يكون العامل فيها مقدراً ، ودخلت { إذ } وهي لما مضى في أثناء هذه المستقبلات تقريباً للأمر وتصحيحاً لوقوعه ، كما يقع الماضي موقع المستقبل في قوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } [ الأعراف : 50 ] ، و { أتى أمر الله }( {[1518]} ) [ النحل : 1 ] ، ومنه قول الأشتر النخعي : [ الكامل ]

بقيت وفري وانحرفت عن العلا . . . ولقيت أضيافي بوجه عبوس( {[1519]} )

وقرأت طائفة «يرى » بالياء من أسفل وكسر الألف من «إن » ، وذلك إما على حذف الجواب وابتداء الخبر ، وإما على تقدير : لقالوا إن القوة لله جميعاً ، وقرأ ابن عامر وحده «يُرون » بضم الياء والباقون بفتحها .

وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة( {[1520]} ) ، وقالت طائفة : { الذين اتبعوا } : كل من عبد من دون الله ، وقال قتادة : هم الشياطين المضلون ، وقال الربيع وعطاء : هم رؤساؤهم .

قال القاضي أبو محمد : ولفظ الآية يعم هذا كله .


[1512]:- تقول: فعلت كذا من دون فلان، ففلان غائب عن هذا الفعل وخارج منه، كما تقول: قام القوم دون زيد، فزيد خارج من القيام وغائب عنه، إلا أن (دون) في الآية بمعنى (غير) فإن المشركين يتخذون الله كما يتخذون الأنداد، ويحبون الله كما يحبون الأنداد، فليس الله سبحانه وتعالى خارجا عن اتخاذهم له معبودا ومحبوبا. تأمل.
[1513]:- أصل العبادة – محبة الله المقرونة بغاية الخضوع والإجلال – وأن يكون الحب كله لله فلا يحب العابد معه سواه، وإنما يحب لأجله وفيه كما يحب أنبياءه وملائكته وأولياءه، فمحبته لهم من تمام محبته لله. وليست محبّة معه كمحبة من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله.
[1514]:- حب المؤمنين لله أشد من حب المشركين لأندادهم، لأن حبهم كله لله، وحب المشركين موزع بين الله والأنداد، فهم يعدلون بينه وبينهم لقلة عقلهم وشدة جهلهم.
[1515]:- والباقون من السبعة كلهم قرؤوا بياء الغيبة.
[1516]:- أي يذهب به كل مذهب، وحذف الجواب لهذا المعنى كثير في القرآن، وفي كلام العرب.
[1517]:- الفرق بين ما للمبرد والأخفش، وبين ما لأبي علي الفارسي أن الرؤية عند الأولين علمية وعند الثاني بصرية.
[1518]:- من الآية (44) من سورة (الأعراف) – ومن الآية (1) من سورة (النحل).
[1519]:- الأشر هو مالك بن الحارث من أنصار علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وروي البيت: بقيتُ وفْري: قال (ح) – لأنه علق ذلك على مستقبل هو قوله: إنْ لمْ أشُنّ على ابْنِ هند غَــارَةً لمْ تَخْلُ يَوْمًا مِنْ نهابِ نُفــوسِ
[1520]:- لأنهم يقولون: قادر بدون قدرة، والقوة والقدرة شيء واحد.