99- وليس كل الأعراب كذلك ، فمنهم مؤمنون باللَّه مصدقون بيوم القيامة ، يتخذون الإنفاق في سبيل اللَّه وسيلة يتقربون بها إلى اللَّه ، وسببا لدعاء الرسول لهم ، إذ كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ، وهي لا شك قربة عظيمة توصلهم إلى ما يبتغون ، فإن اللَّه سيغمرهم برحمته ، لأنه الغفور للذنوب ، الرحيم بخلقه .
ثم استثنى فقال :{ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر } ، قال مجاهد : هم بنو مقرن من مزينة . وقال الكلبي : أسلم وغفار وجهينة . أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنا جدي عبد الرحمن البزار ، أنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري ، أنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلم وغفار وشيء من جهينة ومزينة خير عند الله يوم القيامة من تميم وأسد بن خزيمة وهوازن وغطفان " . { ويتخذ ما ينفق قربات عند الله } ، القربات جمع القربة ، أي : يطلب القربة إلى الله تعالى ، { وصلوات الرسول } ، أي : دعاءه واستغفاره ، قال عطاء : يرغبون في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم . { ألا إنها قربة لهم } . قرأ نافع برواية ورش " قربة " بضم الراء ، والباقون بسكونها . { سيدخلهم الله في رحمته } ، في جنته ، { إن الله غفور رحيم* }
وبعد أن ذكر - سبحانه - حال هؤلاء الأعراب المنافقين ، أتبعه ببيان حال المؤمنين الصادقين منهم فقال : { وَمِنَ الأعراب مَن يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر } .
أى : ومن الأعراب قوم آخرون من صفاتهم أنهم يؤمنون بالله إيمانا صادقا ، ويؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب .
وقوله : { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ الله وَصَلَوَاتِ الرسول } مدح لهم على إخلاصهم وسخائهم وطاعتهم . .
والقربات : جمع قربة وهى ما يتقرب به الإِنسان إلى خالقه من أعمال الخير ، والمراد بصلوات الرسول : دعواته للمتقربين إلى الله بالطاعة .
أى : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانا حقا ، ويعتبر كل ما ينفقه في سبيل الله وسيلة للتقرب إليه - سبحانه - وتعالى بالطاعة ، ووسيلة للحصلو على دعوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - له بالرحمة والمغفرة ، وبحسنات الدنيا والآخرة .
ولقد كان من عادة النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ، فقد ورد في الحديث الشريف " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لآل أبى أوفى عندما تقدموا إليه بصدقاتهم فقال : " اللهم صل على آل أبي أوفى " أي : ارحمهم وبارك لهم في أموالهم . .
وقوله : { ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ } شهادة لهم منه سبحانه - بصدق إيمانهم ، وخلوص نياتتهم ، وقبول صدقاتهم .
والضمير في قوله { إِنَّهَا } يعود على النفقة التي أنفقوها في سبيل الله { ألا } أداة استفتاح جيء بها لتأكيد الخبر والاهتمام به . أي : ألا إن هذه النفقات التي تقربوا بها إلى الله ، مقبولة عنده - سبحانه - قبولا مؤكدا ، وسيجازيهم عليها بما يستحقون من أجر جزيل . . .
وقوله { سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ } وَعْدٌ لهم بإحاطة رحمته بهم . والسين للتحقيق والتأكيد .
أى : أن هؤلاء المؤمنين بالله واليوم الآخر ، والمتقربين إليه سبحانه بالطاعات ، سيغمرهم الله تعالى برحمته التي لا شقاء معها .
قال صاحب الكشاف : وقوله : { ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ } شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات ، وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف مع حرفي التنبيه والتحقيق المؤذنتين بثبات الأمر وتمكنه ، وكذلك قوله : { سَيُدْخِلُهُمُ } وما في السين من تحقيق الوعد . وما أدل هذا الكلام على رضا الله تعالى عن المتصدقين ، وأن الصدقة منه مكان ، إذا خلصت النية من صاحبها .
وقوله : { إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييل مقرر لما قبله على سبيل التعليل ، أى : إن الله تعالى - واسع المغفرة ، كثير الرحمة للمخلصين الذين يجتنبون كبائر الإِثم والفواحش إلا للمم .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذمت من يستحق الذم من الأعراب ومدحت من يستحق المدح منهم ، وبينت مصير كل فريق ليكون عبرة للمعتبرين وذكرى للمتذكرين .
{ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قُربات عند الله } سبب { قربات } وهي ثاني مفعولي { يتخذ } ، وعند الله صفتها أو ظرف ل { يتخذ } . { وصلوات الرسول } وسبب صلواته لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمتصدقين ويستغفر لهم ، ولذلك سن للمصدق عليه أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته لكن ليس له أن يصلي عليه كما قال صلى الله عليه وسلم " اللهم صل على آل أبي أوفى " ، لأنه منصبه فله أن يتفضل به على غيره . { إلا إنها قُربة لهم } شهادة من الله بصحة معتقدهم وتصديق لرجائهم على الاستئناف مع حرف التنبيه وإن المحققة للنسبة والضمير لنفقتهم وقرأ ورش { قربة } بضم الراء . { سيدخلهم الله في رحمته } وعدلهم بإحاطة الرحمة عليهم والسين لتحقيقه وقوله : { إن الله غفور رحيم } لتقريره . وقيل الأولى في أسد وغطفان وبني تميم والثانية في عبد الله ذي البجادين وقومه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.