تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (99)

وقوله تعالى : ( وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ ) ذكرفي الآية أن ( وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) ليعلم أن قوله ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا )[ التوبة : 97 ] كان في طائفة مشار إليها لا كل الأعراب لأنه ذكر ههنا أن منهم من ينفق ( ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ) وذكر [ في ][ من م ، ساقطة من الأصل ] الآية الأولى أن منهم ( من يتخذ ما ينفق مغرما )[ التوبة : 98 ] أي لا يراه حقا واجبا ، ولكن غرما يلحقه ، ومنهم من يرى ذلك حقا لله واجبا في أموالهم ، فيجعلون ذلك قربة لهم عند الله ، وأولئك يرون غرما لحقهم لا قربة .

ثم في الآية خوف دخول المؤمنين [ الذين لا يؤدون الزكاة ، ولا ينفقون ][ أدرجت هذه العبارة في الأصل وم بعد كلمة الآية ] في وعيد هذه الآية ، وخوف لحوق النفاق [ بهم ][ ساقطة من الأصل وم ] لأنه أخبر أنهم يتخذون ما ينفقون مغرما ؛ فمن ترك أداء [ الزكاة ][ ساقطة من الأصل وم ] فإنما يترك لأنه لا يرى ذلك حقا واجبا لأدَّاه على ما أدى غيره من الحقوق ، أو لو كان موقنا بالبعث لأنفق ، وجعل ذلك قربة له عند الله لأن المؤمن إنما ينفق ، ويعمل للعاقبة . فإذا ترك ذلك يخاف دخوله في وعيد الآية ولحوق اسم النفاق به ، وإن كان لا نشهد عليه ذلك .

وقوله تعالى : ( وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ) قال بعضهم : جعلوا ما أنفقوا قربات عند الله بصلوات الرسول لأنهم إذا أنفقوا كان الرسول يدعو لهم بذلك ، ويستغفر ، فكان ذلك لهم قربات عند الله باستغفار الرسول ودعائه .

وقال بعضهم : جعلوا ما أنفقوا وصلوات الرسول قربات عند الله ، ويكون لهم ما أنفقوا قربة عند الله وصلوات الرسول طمأنينة وبراءة من النفاق لأن الرسول كان لا يدعو لأهل الكفر والنفاق . فإذا دعا لهؤلاء ، وصلى عليهم كان ذلك طمأنينة لقلوبهم وعلما لهم للبراءة من النفاق . وعلى ذلك يخرج قوله : ( إن صلواتك سكن لهم )[ التوبة : 103 ] أي تسكن قلوبهم بصلاة الرسول ، وتطمئن بأنهم ليسوا من أهل النفاق وأنهم بُرآء من ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( ألا إنها قربة لهم ) ذكر هذا مقابل ما ذكر في الآية الأولى ، وهو قوله : ( وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ )[ التوبة : 98 ] أخبر هناك[ في الأصل وم : ههنا ] /221-أ/ أن ما يتربصون هم بهم من الدوائر عليهم ذلك . وههنا أخبر أن ما ينفق المؤمنون ، ويطلبون بذلك قربة عند الله ( إنها قربة لهم ) .

ثم وعد لهم الجنة بقوله : ( سيدخلهم الله في رحمته ) أي جنته . سمى جنته رحمة لما برحمته يدخلون لا استيجابا لهم منه بذلك بل رحمة منه وفضلا ( إن الله غفور ) لما كان منهم من المساوئ والشرك إذا تابوا ، وآمنوا ( رحيم ) حين لم يؤاخذهم بذلك .