البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (99)

{ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم } : نزلت في بني مقرن من مزينة قاله مجاهد .

وقال عبد الرحمن بن مغفل بن مقرن : كنا عشرة ولد مقرن فنزلت : ومن الأعراب من يؤمن الآية يريد : الستة والسبعة الإخوة على الخلاف في عددهم وبنيهم .

وقال الضحاك : في عبد الله ذي النجادين ورهطه .

وقال الكلبي : في أسلم وغفار وجهينة .

ولما ذكر تعالى من يتخذ ما ينفق مغرماً ذكر مقابله وهو من يتخذ ما ينفق مغنماً ، وذكر هنا الأصل الذي يترتب عليه إنفاق المال في القربات وهو الإيمان بالله واليوم الآخر ، إذ جزاء ما ينفق إنما يظهر ثوابه الدائم في الآخرة .

وفي قصة أولئك اكتفى بذكر نتيجة الكفر وعدم الإيمان ، وهو اتخاذه ما ينفق مغرماً وتربصه بالمؤمنين الدوائر .

والأجود تعميم القربات من جهاد وصدقة ، والمعنى : يتخذه سبب وصل عند الله وأدعية الرسول ، وكان يدعو للمصدقين بالخير والبركة ، ويستغفر لهم كقوله صلى الله عليه وسلم :

« اللهم صل على آل أبي أوفى » وقال تعالى : { وصل عليهم } والظاهر عطف وصلوات على قربات .

قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون وصلوات الرسول عطفاً على ما ينفق ، أي : ويتخذ بالأعمال الصالحة صلوات الرسول قربة .

قال ابن عباس : صلوات الرسول هي استغفاره لهم .

وقال قتادة : أدعيته بالخير والبركة سماها صلوات جرياً على الحقيقة اللغوية ، أو لأنّ الدعاء فيها ، وحين جاء ابن أبي أوفى بصدقته قال : « آجرك الله فيما أعطيت ، وجعله لك طهوراً » والضمير في أنها قيل : عائد على الصلوات .

وقيل : عائد على النفقات .

وتحرير هذا القول أنه عائد على ما على معناها ، والمعنى : قربة لهم عند الله .

وهذه شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق رجائه على طريق الاستئناف مع حرف التنبيه ، وهو ألا وحرف التوكيد وهو أنّ .

قال الزمخشري : وما في السين من تحقيق الوعد ، وما أدل هذا الكلام على رضا الله تعالى عن المتصدقين ، وأنّ الصدقة منه تعالى بمكان إذا خلصت النية من صاحبها انتهى .

وتقدم الكلام معه في دعواه أنّ السين تفيد تحقيق الوعد .

وقرأ ورش : قربة بضم الراء ، وباقي السبعة بالسكون ، وهما لغتان .

ولم يختلفوا في قربات أنه بالضم ، فإن كان جمع قربة فجاء الضم على الأصل في الوضع ، وإن كان جمع قربة بالسكون فجاء الضم اتباعاً لما قبله ، كما قالوا : ظلمات في جمع ظلمة .