الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (99)

قوله تعالى : { قُرُبَاتٍ } : مفعولٌ ثان ليتخذ كما مرَّ في " مَغْرَما " . ولم يختلف قُرَّاء السبعة في ضم الراء من " قُرُبات " مع اختلافهم في راء " قربة " كما سيأتي ، فيحتمل أن تكون هذه جمعاً لقُرُبة بالضم كما هي قراءة ورش عن نافع ، ويحتمل أن تكون جمعاً لساكنها ، وإنما ضُمَّت اتباعاً ل " غرفات " وقد تقدم التنبيه على هذه القاعدة وشروطها عند قوله تعالى { فِي ظُلُمَاتٍ } [ الآية : 17 ] أولَ البقرة .

قوله : { عِندَ اللَّهِ } في هذا الظرفِ ثلاثة أوجه ، أظهرها : أنه متعلقٌ ب " يَتَّخذ " . والثاني : أنه ظرف ل " قربات " قاله أبو البقاء ، وليس بذاك . الثالث : أنه متعلقٌ بمحذوف لأنه صفةٌ ل " قربات " .

قوله : { وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ } فيه وجهان أظهرهما : أنه نسق على " قربات " وهو ظاهرُ كلام الزمخشري فإنه قال : " والمعنى أنَّ ما ينفقه سببٌ لحصول القربات عند الله " وصلوات الرسول " لأنه كان يدعو للمتصدِّقين بالخير كقوله : " اللهم صل على آل أبي أوفى " والثاني : وجَوَّزَه ابن عطية ولم يذكر أبو البقاء غيره أنها منسوقةٌ على " ما ينفق " ، أي : ويتخذ بالأعمال الصالحة وصلوات الرسول قربة .

قوله : { أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ } الضمير في " إنها " قيل : عائد على " صلوات " وقيل : على النفقات أي المفهومة من " يُنفقون " .

وقرأ ورش " قُرُبَة " بضم الراء ، والباقون بسكونها فقيل : لغتان . وقيل : الأصل السكون والضمة إتباع ، وهذا قد تقدم لك فيه خلاف بين أهل التصريف : هل يجوز تثقيل فُعْل إلى فُعُل ؟ وأن بعضَهم جعل عُسُراً يُسُراً بضم السين فَرْعين على سكونها . وقيل : الأصل قُرُبة بالضم ، والسكون تخفيف ، وهذا أَجْرى على لغة العرب إذ مبناها الهرب مِنَ الثِّقَل إلى الخفة .

وفي استئناف هذه الجملة وتصدُّرِها بحرفَيْ التنبيه والتحقيق المُؤْذنين بثبات الأمر وتمكُّنه شهادةٌ من الله بصحة ما اعتقده من إنفاقه ، قال معناه الزمخشري قال : " وكذلك سيُدْخلهم ، وما في السين من تحقيق الوعد " .