المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

26- فاستجاب الله لموسى ، وحرَّم على أولئك المخالفين دخول هذه الأرض طيلة أربعين عاماً ، يضلُّون في الصحراء لا يهتدون إلى جهة . قال الله لموسى يواسيه : لا تحزن على ما أصابهم ، فإنهم فاسقون خارجون عن أمر الله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

قوله تعالى : { قال } الله تعالى

قوله تعالى : { فإنها محرمة عليهم } ، قيل : هاهنا تم الكلام معناه : تلك البلدة محرمة عليهم أبداً ، لم يرد به تحريم تعبد ، وإنما أراد تحريم منع ، فأوحى الله تعالى إلى موسى : لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب ، ولأتيهنهم في هذه البرية .

قوله تعالى : { أربعين سنة } يتيهون مكان كل يوم من الأيام التي تجسسوا فيها سنة ، ولألقين جيفهم في هذه القفار ، وأما بنوهم الذين لم يعلموا الشر فيدخلونها ، فذلك قوله تعالى : { فإنها محرمة عليهم أربعين سنة } .

قوله تعالى : { يتيهون في الأرض } . يتحيرون .

قوله تعالى : { فلا تأس على القوم الفاسقين } ، أي لا تحزن على مثل هؤلاء القوم ، فلبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ ، وهم ستمائة ألف مقاتل ، وكانوا يسيرون كل يوم جادين ، فإذا أمسوا كانوا في الموضع الذي ارتحلوا عنه . وقيل : إن موسى وهارون عليهما السلام لم يكونا فيهم ، والأصح أنهما كانا فيهم ، ولم يكن لهما عقوبة ، إنما كانت العقوبة لأولئك القوم ، ومات في التيه كل من دخلها ممن جاوز عشرين سنة غير يوشع وكالب ، ولم يدخل أريحاء أحد ممن قالوا { إنا لن ندخلها أبداً } فلما هلكوا وانقضت الأربعون سنة ، ونشأت النواشئ من ذراريهم ، ساروا إلى حرب الجبارين . واختلفوا فيمن تولى تلك الحرب ، وعلى يدي من كان الفتح ، فقال قوم : إنما فتح موسى أريحاء ، وكان يوشع على مقدمته ، فسار موسى عليه السلام إليهم فيمن بقي من بني إسرائيل ، فدخلها يوشع ، فقاتل الجبابرة ، ثم دخلها موسى عليه السلام ، فأقام فيها ما شاء الله تعالى ، ثم قبضه الله تعالى إليه ، ولا يعلم قبره أحد ، هذا أصح الأقاويل لاتفاق العلماء أن عوج بن عنق قتله موسى عليه السلام . وقال الآخرون : إنما قاتل الجبارين يوشع ، ولم يسر إليهم إلا بعد موت موسى عليه السلام ، وقالوا : مات موسى وهارون جميعاً في التيه .

فصل في ذكر وفاة هارون

قال السدي : أوحى الله عز وجل إلى موسى أني متوفي هارون فأت به جبل كذا وكذا ، فانطلق موسى وهارون عليهما السلام نحو ذلك الجبل ، فإذا هما بشجرة لم ير مثلها ، وإذا ببيت مبني وفيه سرير عليه فرش ، وإذا فيه ريح طيبة ، فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه ، فقال : يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال : فنم عليه ، فقال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي ، قال له موسى : لا ترهب ، إني أكفيك أمر رب هذا البيت فنم ، قال : يا موسى نم أنت معي ، فإن جاء رب البيت غضب علي وعليك جميعاً ، فلما ناما أخذ هارون الموت ، فلما وجد مسه قال : يا موسى خدعتني ، فلما قبض رفع البيت ، وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به إلى السماء ، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا : إن موسى قتل هارون ، وحسده لحب بني إسرائيل له ، فقال موسى عليه السلام : ويحكم ! كان أخي ، فكيف أقتله ! فلما أكثروا عليه قام ، فصلى ركعتين ، ثم دعا الله تعالى ، ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه . وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون ، فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : أنت قتلته ، فآذوه ، فأمر الله الملائكة فحملوه ، حتى مروا به على بني إسرائيل ، وتكلمت الملائكة بموته ، حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات ، فبرأه الله تعالى مما قالوا ، ثم إن الملائكة حملوه ، ودفنوه ، فلم يطلع على موضع قبره أحد إلا الرخم ، فجعله الله أصم وأبكم . وقال عمرو بن ميمون : مات هارون قبل موسى عليه السلام في التيه ، وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف ، فمات هارون ، ودفنه موسى ، وانصرف إلى بني إسرائيل ، فقالوا : قتله لحبنا إياه ، وكان محبباً في بني إسرائيل ، فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل ، فأوحى الله إليه : أن انطلق بهم إلى قبره فإني باعثه ، فانطلق بهم إلى قبره ، فناداه موسى ، فخرج من قبره ينفض رأسه ، فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا ، ولكني مت . قال : فعد إلى مضجعك ، وانصرفوا .

وأما وفاة موسى عليه السلام ، قال ابن إسحاق : كان موسى عليه الصلاة والسلام قد كره الموت وأعظمه ، فأراد الله أن يحبب إليه الموت ، فنبأ يوشع بن نون ، فكان يغدو ويروح عليه ، قال : فيقول له موسى عليه السلام : يا نبي الله ، ما أحدث الله إليك ؟ فيقول له يوشع : يا نبي الله ، ألم أصحبك كذا وكذا سنة ؟ فهل كنت أسألك شيئاً مما أحدث الله إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره ؟ ولا يذكر له شيئاً ، فلما رأى ذلك موسى كره الحياة ، وأحب الموت .

أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام بن منبه ، قال : أخبرنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جاء ملك الموت إلى موسى بن عمران ، فقال له : أجب ربك ، قال : فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها ، قال : فرجع ملك الموت إلى الله تعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني ، قال : فرد الله إليه عينه ، وقال : ارجع إلى عبدي فقل له : الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور ، فما وارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة ، قال : ثم مه ؟ قال : ثم تموت . قال : فالآن من قريب ، رب أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر " .

وقال وهب : خرج موسى لبعض حاجته ، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبراً لم ير شيئاً قط أحسن منه ، ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة ، فقال لهم : يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا : لعبد كريم على ربه ، فقال : إن هذا العبد لمن الله له بمنزلة ، ما رأيت كاليوم مضجعاً ، فقالت الملائكة : يا صفي الله ، تحب أن يكون لك ؟ قال : وددت ، قالوا : فانزل واضطجع فيه وتوجه إلى ربك ، قال فاضطجع فيه ، وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس ، فقبض الله تبارك وتعالى روحه ، ثم سوت عليه الملائكة . وقيل : إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها ، فقبض روحه . وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة ، فلما مات موسى عليه السلام وانقضت الأربعون سنة بعث الله يوشع نبياً ، فأخبرهم أن الله قد أمره بقتال الجبابرة ، فصدقوه وتابعوه ، فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحاء ومعه تابوت الميثاق ، فأحاط بمدينة أريحاء ستة أشهر ، فلما كان السابع نفخوا في القرون ، وضج الشعب ضجة واحدة ، فسقط سور المدينة ودخلوا ، فقاتلوا الجبارين وهزموهم ، وهجموا عليهم يقتلونهم ، وكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها حتى يقطعوها ، فكان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم بقية ، وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت ، فقال : اللهم اردد الشمس عليّ وقال للشمس : إنك في طاعة الله سبحانه وتعالى وأنا في طاعته ، فسأل الشمس أن تقف والقمر أن يقيم ، حتى ينتقم من أعداء الله تعالى قبل دخول السبت ، فردت عليه الشمس وزيدت في النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين ، وتتبع ملوك الشام ، فاستباح منهم أحداً وثلاثين ملكاً حتى غلب على جميع أرض الشام ، وصارت الشام كلها لبني إسرائيل وفرق عماله في نواحيها ، وجمع الغنائم ، فلم تنزل النار ، فأوحى الله إلى يوشع أن فيها غلولاً فمرهم فليبايعوك ، فبايعوه ، فالتصقت يد رجل منهم بيده فقال : هلم ما عندك ؟ فأتاه برأس ثور من ذهب مكلل باليواقيت والجواهر كان قد غله ، فجعله في القربان ، وجعل الرجل معه ، فجاءت النار فأكلت الرجل والقربان ، ثم مات يوشع ودفن في جبل إفراثيم ، وكان عمره مائة وستاً وعشرين سنة ، وتدبيره أمر بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام سبعاً وعشرين سنة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

وهذا الرجاء من موسى لربه في معنى الدعاء عليهم بسبب جبنهم وعصيانهم وقد أجاب الله - تعالى - دعاءه فيهم ، بأن أضلهم ظاهرا كما ضلوا باطنا وجاء الحكم الفاصل ممن يملكه فقال - تعالى - : { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين } .

وقوله : { يَتِيهُونَ } من التيه وهو الحيرة . يقال : تاه يتيه ويتوه إذا تحير وضل الطريق . ووقع فلان في التيه أي : في مواضع الحيرة .

وقوله : { فَلاَ تَأْسَ } أي : فلا تحزن عليهم من الأسى وهو الحزن . يقال : أسى - كتعب - أي : حزن . فهو أسين مثل حزين . وأسا على مصيبته - من باب عدا - أي : حزن قال امرؤ القيس :

وقوفا بها صحبي على مطيهم . . . يقولون لا تهلك أسى وتجمل

أي : يقولون لا تهلك نفسك حزنا وتجمل بالصبر .

والمعنى : قال الله - تعالى - لنبيه موسى مجيبا لدعائه : يا موسى إن الأرض المقدسة محرمة على هؤلاء الجبناء العصاة مدة أربعين سنة ، يسيرون خلالها في الصحراء تائيهن حياري لا يستقيم لهم أمر ، ولا يستقر لهم قرار ، فلا تحزن عليهم بسبب هذه العقوبة ؛ فإننا ما عاقبناهم بهذه العقوبة إلا بسبب خورجهم عن طاعتنا ، وتمردهم على أوامرنا ، وجبنهم عن قتال أعدائنا ، وسوء أدبهم مع أنبيائنا .

قال الآلوسي : قوله : { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } أي : لا يدخلونها ولا يملكونها . والتحريم تحريم منع لا تحريم تعبد ، وجوز أن يكون تحريم العبد والأول أظهر وقوله { أَرْبَعِينَ سَنَةً } متعلق بقوله : محرمة فيكون التحريم مؤقتا لا مؤبداً ، فلا يكون مخالفا لظاهر قوله - تعالى - { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } والمراد بتحريمها عليهم أنه لا يدخلها أحد منهم هذه المدة ، لكن لا بمعنى أن كلهم يدخلونها بعدها ، بل بعضهم ممن بقي - يجوز له دخولها - فقد روى أن موسى سار بمن بقي من بني إسرائيل - بعد انقضاء هذه المدة - إلى الأرض المقدسة .

وقوله : { يَتِيهُونَ فِي الأرض } استئناف لبيان كيفية حرمانهم . وقيل حال من ضمير { عَلَيْهِمْ } وقيل : الظرف متعلق بقوله : { يَتِيهُونَ } فيكون التيه مؤقتا والتحريم مطلقا يحتمل التأبيد وعدمه .

وقال الفخري الرازي : اختلف الناس في أن موسى وهارون - عليهما السلام - هل بقيا في التيه أو لا ؟ فقال قوم : إنهما ما كانا في التيه ؛ لأن موسى دعا الله أن يفرق بينه وبين القوم الفاسقين ، ودعوات الأنبياء مجابة ، لأن التيه كان عذاباً والأنبياء لا يُعذبون .

وقال آخرون : إنهما كانا مع القوم في ذلك التيه ، إلا أن الله - تعالى - سهل عليهما ذلك العذاب كما سهل النار على إبراهيم فجعلها بردا وسلاما . وإنهما قد ماتا في التيه وبقي يوشع بن نون - وكان ابن أخت موسى ووصيه بعد موته - وهو الذي فتح الأرض المقدسة - بعد انقضاء مدة التيه .

وقيل بل بقي موسى بعد ذلك وخرج من التيه وحارب الجبارين وقهرهم وأخذ الأرض المقدسة .

هذا ونرى من المناسب في هذا المقام أن نتعرض بشيء من التفصيل للمسائل الآتية :

أولا : الرد على اليهود في دعواهم أن الأرض المقدسة - فلسطين - ملك لهم مستندين إلى قوله - تعالى - : { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } .

ثانيا : الحكمة في كون عقابهم أربعين سنة يتيهون في الأرض .

ثالثاً : ما يؤخذ من هذه الآيات من العبر والعظات .

وللإِجابة على المسألة الأولى نقول : للمفسرين أقوال في المراد من الكتابة في قوله - تعالى - { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } أشهرها قولان :

أولهما : أن معنى { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } : أمركم بدخولها ، وفرضه عليكم كما أمركم بالصلاة والزكاة فالكتب هنا مثله في قوله - تعالى - { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام } أي : فرض عليكم وهذا قول قتادة والسدى .

والثاني : أن معنى { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } قدرها لكم وقضى أن تكون مساكن لكم دون الجبارين . وهذا القضاء مشروط بالإِيمان ، وطاعة الأنبياء ، والجهاد في سبيل نصرة الحق ، فإذا لم يكونوا كذلك - وهم لم يكونوا كذلك فعلا - لم يتحقق لهم التمكين في الأرض المقدسة ، ولذا بعد أن أغراهم نبيهم موسى - عليه السلام - بدخولها ، حذرهم من الجبن والعصيان فقال لهم : { وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } .

قال الآلوسي : " وترتيب الخيبة والخسران على الارتداد يدل على اشتراط الكتب بالمجاهدة المترتبة على الإيمان .

وقال ابن عباس : كانت هبة من الله لهم ثم حرمها - سبحانه - عليهم بشؤم تمردهم وعصيانهم .

وقال الفخر الرازي : إن الوعد بقوله { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } مشروط بقيد الطاعة فلما لم يوجد الشرط لا جرم لم يوجد المشروط .

والخلاصة أن الكتابة في قوله - تعالى - { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } : إما أن تكون تكليفية على معنى : أن الله - تعالى - كتب عليكم وفرض أن تدخلوها مجاهدين مطيعين لنبيكم فإذا خالفتم ذلك حقت عليكم العقوبة .

وإما أن تكون كتابة قدرية . أي : قضى وقدر - سبحانه - أن تكون لكم متى آمنتم وأطعتم . وبنو إسرائيل ما آمنوا وما أطاعوا ، بل كفروا وعصوا فحرمها - سبحانه - عليهم .

وبذلك ترى أن دعوى اليهود بأن الأرض المقدسة ملك لهم ، بدليل قوله - تعالى - { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } لا أساس لها من الصحة ولا يشهد لها عقل أو نقل .

وللإِجابة على المسألة الثانية نقول : اقتضت حكمة الله - تعالى - أن يجعل عقوبته لقوم مناسبة لما اجترحوا من ذنوب وآثام وبنو إسرائيل لطول ما ألفوا من ذل واستعباد ، هانت عليهم نعمة الحرية . وضعف عندهم الشعور بالعزة . وأصبحت حياة الذلة مع العقود . أحب إليهم من حياة العزة مع الجهاد ولهذا عندما أمرهم نبيهم موسى - عليه السلام - بدخول الأرض المقدسة اعتذروا بشتى المعاذير الواهية وأكدوا له عدم اقترابهم منها ما دام الجبارون فيها :

وقالوا : { إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } .

فاقتضت حكمة الله - تعالى - أن يحرمهم منها جزاء جبنهم وعصيانهم وأن يعاقبهم بما يشبه القعود ، بأن يحكم عليهم بالتيهان في بقعة محدودة من الأرض ، يذهبون فيها ويجيئون وهم حيارى لا يعرفون لهم مقرا وأن يستمروا على تلك الحالة أربعين سنة حتى ينشأ من بينهم جيل آخر سوى ذلك الجيل الذي استمرأ الذل والهوان .

قال ابن خلدون في مقدمته . . ويظهر من مساق قوله - تعالى - { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض } ومن مفهومه : أن حكمة ذلك التيه مقصودة ، وهي فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر ، وأفسدوا من عصبيتهم ، حتى نشأ في ذلك التيه جيل آخر عزيز لا يعرف القهر ولا يسام بالمذلة .

فنشأت لهم بذلك عصبية أخرى اقتدروا بها على المطالبة والتغلب ويظهر لك من ذلك أن الأربعين سنة أقل ما يأتي فيها فناء جيل ونشأة جيل آخر .

فسبحان الحكيم العليم .

هذا ولصاحب المنار كلام حسن في كمة هذه العقوبة ، نرى من المناسب إثباته هنا ، فقد قال - رحمه الله - في ختام تفسيره لهذه الآيات :

" إن الشعوب التي تنشأ في مهد الاستبداد ، والإِحساس بالظلم والاضطهاد ، تفسد أخلاقها ، وتذل نفوسها . وإذا طال عليها أمد الظلم تصير هذه الأخلاق موروثة ومكتسبة ، حتى تكون كالغرائز الفطرية . والطبائع الخلقية ، وإذا أخرجت صاحبها من بيئتها ، ورفعت عن رقبته نيرها ، ألفيته ينزع بطبعه إليها ويتفلت منك ليقتحم فيها ، وهذا شأن البشر في كل ما يألفونه ، ويجرون عليه من خير وشر ، وإيمان وكفر .

أفسد ظلم فرعون فطرة بني إسرائيل في مصر ، وطبع عليها بطابع المهانة والذل . وقد أراهم الله - تعالى - من الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته وصدق رسوله موسى - عليه السلام - وبين لهم أنه أخرجهم من مصر لينقذهم من الذل إلى الحرية . ولكنهم كانوا مع هذا كله إذا أصابهم ضرر يتطيرون بموسى ، ويذكرون مصر ويحنون إليها .

وكان الله - تعالى - يعلم أنهم لا تطاوعهم أنفسهم المهينة على دخول أرض الجبارين ، وأن وعده - تعالى - لأجدادهم إنما يتم على وفق سنته في طبيعة الاجتماع البشرى ، إذا هلك ذلك الجيل الذي نشأ في الوثنية والعبودية . ونشأ بعده جيل جديد في حرية البداوة ، وعدل الشريعة ، ونور الآيات الإِلهية ، وما كان الله ليهلك قوما بذنوبهم ، حتى يبين لهم حجته عليهم ، ليعلموا أنه لم يظلمهم إنما يظلمون أنفسهم .

وعلى هذه السنة العادلة أمر الله - تعالى - بني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة ، فأبوا واستكبروا . فأخذهم الله بذنوبهم وأنشأ من بعدهم قوماً آخرين .

فعلينا أن نعتبر بهذه الأمثال التي ضربها الله لنا ، وأن نعلم أن إصلاح الأمم من بعد فسادها بالظلم والاستبداد إنما يكون بإنشاء جيل جديد جمع بين حرية البداوة واستقلالها وعزتها ، وبين معرفة الشريعة والفضائل والعمل بها .

وللإِجابة على المسألة الثالثة - وهي ما يؤخذ من هذه الآيات من عظات وعبر - نقول : إن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على لون حكيم في أسلوب الدعوة إلى الله - تعالى - فقد بدأت بتذكير بني إسرائيل بأمجادهم وبعظم نعم الله عليهم ، لتغرس فيهم الشعور بالعزة ؛ ولتغريهم بالاستجابة لما أمر به - سبحانه - .

كما اشتملت على تحذيرهم من مغبة الجبن والمخالفة لأن ذلك يؤدي إلى الخسران .

وفوق ذلك فقد صورت تصويرا معجزا طبيعة بني إسرائيل على حقيقتها وكشفت عن خور عزيمتهم ، وسقوط همتهم وسوء اختيارهم لأنفسهم . . بما جعلهم أهلا العقوبات الرادعة وفي كل ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما لحقه من اليهود المعاصرين له من أذى ، وتحذير لهم من السير على طريق آبائهم المعوجة ، حتى لا يعرضوا أنفسهم للعقوبات التي حلت بأسلافهم .

قال الإِمام ابن جرير : عند تفسيره للآيات الكريمة : وهذا - أيضاً - من الله - تعالى تعريف - لنبيه صلى الله عليه وسلم يتمادى هؤلاء اليهود في الغي ، وبعدهم عن الحق ، وسوء اختيارهم لأنفسهم ، وشدة خلافهم لأنبيائهم وبطء إثابتهم إلى الرشاد ، مع كثرة نعم الله عندهم ، وتتابع آياته وآلائه عليهم ، مسليا بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم عما ينزل به من مجادلاتهم في ذات الله ، يقول الله - له : لا تأس على ما أصابك منهم ، فإن الذهاب عن الله ، والبعد عن الحق ، وما فيه من الحظ لهم في الدنيا والآخرة ، من عاداتهم وعادات أسلافهم ، وأوائلهم ، وتعزّ بما لاقى منهم أخوك موسى - عليه السلام - .

وقال الإِمام ابن كثير : وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود ، وبيان فضائحهم ، ومخالفتهم لله ولرسوله ، ونكولهم عن طاعتهما فيما أمرهم به من الجهاد ، فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم ، مع أن بين أظهرهم كليم الله وصفيه من خلقه في ذلك الزمان . وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم . هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من الغرق له ولجنوده في اليم وهم ينظرون . لتقر به أعينهم - وما بالعهد من قدم - ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازن عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم . وظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ، ولا يسترها الذيل .

وقال - رحمه الله - قبل ذلك : وما أحسن ما أجاب به الصحابة - رضي الله عنهم - يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشارهم في قتال قريش . فقد قالوا فأحسنوا .

لقد قال المقداد : يا رسول الله ، إنا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى ؛ { فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ولكن نقول لك : " إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون " .

كذلك يؤخذ من هذه القصة أن معصية الله ورسله تؤدي إلى الخسران ، فإن بني إسرائيل لما جبنوا عن دخول الأرض المقدسة ، وعصوا أمر نبيهم ، عاقبهم الله بالتيه مدة أربعين سنة ، صارت قصتهم عبرة للمعتبرين ، وموعظة للمتقين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

وقوله تعالى : { [ قَالَ ]{[9566]} فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ [ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ]{[9567]} } لما دعا عليهم موسى ، عليه السلام ، حين نكَلُوا عن الجهاد حكم الله عليهم بتحريم دخولها قدرًا مدة أربعين سنة ، فوقعوا في التيه يسيرون دائمًا لا يهتدون للخروج منه ، وفيه كانت أمور عجيبة ، وخوارق كثيرة ، من تظليلهم بالغَمام وإنزال المن والسلوى عليهم ، ومن إخراج الماء الجاري من صخرة صماء تحمل{[9568]} معهم على دابة ، فإذا ضربها موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة{[9569]} عينا تجري لكل شعب عين ، وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها موسى بن عمران . وهناك أنزلت التوراة ، وشرعت لهم الأحكام ، وعملت قبة العهد ، ويقال لها : قبة الزمان .

قال يزيد بن هارون ، عن أصبغ بن زيد{[9570]} عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير : سألت ابن عباس عن قوله : { فَإِنَّهَا{[9571]} مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ } الآية . قال : فتاهوا في الأرض أربعين سنة ، يصبحون كل يوم يسيرون ليس لهم قرار ، ثم ظلل عليهم الغمام في التيه ، وأنزل عليهم المن والسلوى وهذا قطعة من حديث " الفتون " ، ثم كانت وفاة هارون ، عليه السلام ، ثم بعده بمدة ثلاثة سنين مات موسى الكليم ، عليه السلام ، وأقام الله فيهم " يوشع بن نون " عليه السلام ، نبيا خليفة عن موسى بن عمران ، ومات أكثر بني إسرائيل هناك في تلك المدة ، ويقال : إنه لم يبق منهم أحد سوى " يوشع " و " كالب " ، ومن هاهنا قال بعض المفسرين في قوله : { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } هذا وقف تام ، وقوله : { أَرْبَعِينَ سَنَةً } منصوب بقوله : { يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ } فلما انقضت المدة خرج بهم " يوشع بن نون " عليه السلام ، أو بمن بقي منهم وبسائر بني إسرائيل من الجيل الثاني ، فقصد{[9572]} بهم بيت المقدس فحاصرها ، فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر ، فلما تَضَيَّفَتِ الشمس للغروب ، وخَشي دخول السبت عليهم قال{[9573]} " إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها عليَّ " ، فحبسها الله تعالى حتى فتحها ، وأمر الله " يوشع بن نون " أن يأمر بني إسرائيل ، حين يدخلون بيت المقدس ، أن يدخلوا بابها سُجّدا ، وهم يقولون : حطّة ، أي : حط عنا ذنوبنا ، فبدلوا ما أمروا به ، فدخلوا{[9574]} يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون : حَبَّة في شَعْرة ، وقد تقدم هذا كله في سورة البقرة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أبي عمر العَدَنِيُّ ، حدثنا سفيان ، عن أبي سعيد ، عن عِكْرِمَة ، عن ابن عباس قوله : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ } قال : فتاهوا أربعين سنة ، فهلك موسى وهارون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة ، فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم " يوشع بن نون " ، وهو الذي قام بالأمر بعد موسى ، وهو الذي افتتحها ، وهو الذي قيل له : " اليوم يوم الجمعة " فهَمُّوا بافتتاحها ، ودنت{[9575]} الشمس للغروب ، فخشي إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا ، فنادى الشمس : " إني مأمور وإنك مأمورة " فوقفت حتى افتتحها ، فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط ، فقربوه إلى النار فلم تأت فقال : فيكم الغلول ، فدعا رءوس الأسباط ، وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم ، والتصقت يد رجل منهم بيده ، فقال : الغلول عندك ، فأخرجه فأخرج رأس بقرة من ذهب ، لها عينان من ياقوت ، وأسنان من لؤلؤ ، فوضعه مع القربان ، فأتت النار فأكلتها .

وهذا السياق له شاهد في الصحيح . وقد اختار ابن جرير أن قوله : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } هو العامل في " أربعين سنة " ، وأنهم مَكَثوا لا يدخلونها أربعين سنة ، وهم تائهون في البرية لا يهتدون لمقصد . قال : ثم خرجوا مع موسى ، عليه السلام ، ففتح بهم بيت المقدس . ثم احتج على ذلك قال : بإجماع علماء أخبار الأولين أن{[9576]} عوج بن عنق " قتله موسى ، عليه السلام ، قال : فلو كان قتله إياه قبل التيه لما رهبت بنو إسرائيل من العماليق ، فدل على أنه كان بعد التيه . قال : وأجمعوا على أن " بلعام بن باعورا " أعان الجبارين بالدعاء على موسى ، قال : وما ذاك إلا بعد التيه ؛ لأنهم كانوا قبل التيه لا يخافون من موسى وقومه هذا استدلاله ، ثم قال :

حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا ابن عطية ، حدثنا قَيْس ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت عصا موسى عشرة أذرع ، ووثبته عشرة أذرع ، وطوله عشرة أذرع ، فوثب فأصاب كعب " عوج " فقتله ، فكان جسرًا لأهل النيل سنة . {[9577]}

وروي أيضا عن محمد بن بَشّار ، حدثنا مُؤَمَّل ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نَوْف البِكالي قال : كان سرير " عوج " ثمانمائة{[9578]} ذراع ، وكان طول موسى عشرة أذرع ، وعصاه عشرة أذرع ، ووثب في السماء عشرة أذرع ، فضرب " عوجا " فأصاب كعبه ، فسقط ميتا ، وكان جسْرًا للناس يمرون عليه . {[9579]}

وقوله تعالى : { فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } تسلية لموسى ، عليه السلام ، عنهم ، أي : لا تتأسف ولا تحزن عليهم فمهما{[9580]} حكمت عليهم ، به فإنهم يستحقون ذلك .

وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم ، ومخالفتهم لله ولرسوله ونكولهم عن طاعتهما ، فيما{[9581]} أمرهم{[9582]} به من الجهاد ، فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ، ومقاتلتهم ، مع أن بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان ، وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم ، هذا ؛ وقد شاهدوا ما أحل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم ، وهم ينظرون لتَقَرَّ به أعينهم وما بالعهد من قدم ، ثم ينكلون عن مقاتلة{[9583]} أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدّة أهلها وعُدَدهم ، فظهرت{[9584]} قبائح صنيعهم للخاص والعام ، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ، ولا يسترها الذيل ، هذا وهم في{[9585]} جهلهم يعمهون ، وفي غَيِّهم يترددون ، وهم البُغَضَاء إلى الله وأعداؤه ، ويقولون مع ذلك : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود ، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود ، ويقضي لهم فيها بتأبيد الخلود ، وقد فعل وله الحمد من{[9586]} جميع الوجود .


[9566]:زيادة من أ.
[9567]:زيادة من ر، وفي هـ: "الآية".
[9568]:في ر: "تحتمل".
[9569]:في ر، أ: "اثنا عشر".
[9570]:في ر، أ: "يزيد".
[9571]:في ر، هـ: "إنها"، والصواب ما أثبتناه.
[9572]:في أ: "يقصد".
[9573]:في أ: "فقال".
[9574]:في أ: "ودخلوا".
[9575]:في أ: "وقربت".
[9576]:في ر: "وأن".
[9577]:في أ: "سنين".
[9578]:في ر، أ: "ثلثمائة".
[9579]:حديث عوج بن عنق حديث طويل باطل، ولا يصح ما ذكر عن أوصافه، وقد تكلم عليه الإمام ابن القيم - رحمه الله - في المنار المنيف (ص76) بما يكفي.
[9580]:في أ: "فيما".
[9581]:في ر: "في الذي".
[9582]:في أ: "أمرهما".
[9583]:في أ: "معاملة".
[9584]:في ر: "وظهرت".
[9585]:في أ: "من".
[9586]:في أ: "في".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

قوله الله تعالى له : { فإنّها محرّمة عليهم أربعين سنة } الخ جواب عن قول موسى { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } ، وهو جواب جامع لجميع ما تضمّنه كلام موسى ، لأنّ الله أعلم موسى بالعقاب الذي يصيب به الّذين عصوا أمره ، فسكن هاجس خوفه أن يصيبهم عذاب يعمّ الجميع ، وحصل العقاب لهم على العصيان انتصاراً لموسى . فإن قلت : هذا العقاب قد نال موسى منه ما نال قومَه ، فإنّه بقي معهم في التِيه حتّى توفّي . قلت : كان ذلك هَيِّناً على موسى لأنّ بقاءه معهم لإرشادهم وصلاحهم وهو خصّيصة رسالته ، فالتعب في ذلك يزيده رفع درجة ، أمَّا هم فكانوا في مشقّة .

{ يتيهون } يضلّون ، ومصدره التَّيْه بفتح التّاء وسكون الياء والتيه بكسر التّاء وسكون التحتية . وسمّيت المفازة تيهاء وسمّيت تِيهاً . وقد بقي بنو إسرائيل مقيمين في جهات ضيّقة ويسيرون الهوينا على طريق غير منتظم حتّى بلغوا جبل ( نيبُو ) على مقربَة من نهر ( الأردن ) ، فهنالك توفّي موسى عليه السلام وهنالك دُفن . ولا يُعرف موضع قبره كما في نصّ كتاب اليهود . وما دَخلوا الأرض المقدسة حتّى عَبَروا الأرْدُن بقيادة يوشع بن نون خليفة موسى . وقد استثناه الله تعالى هو وكالب بن يفنَّة ، لأنّهما لم يقولا : لن ندخلها . وأمّا بَقية الرّوّاد الذين أرسلهم موسى لاختبار الأرض فوافقوا قومهم في الامتناع من دخولها .

وقوله : { فلا تأس على القوم الفاسقين } تفريع على الإخبار بهذا العقاب ، لأنّه علم أنّ موسى يحزنه ذلك ، فنهاه عن الحزن لأنّهم لا يستأهلون الحزن لأجلهم لفسقهم . والأسى : الحزن ، يقال أسِي كفرح إذا حَزن .