الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

قوله : ( فَإِنَّهَا( {[15527]} ) مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) الآية [ 28 ] .

( أَرْبَعِينَ سَنَةً ) منصوب ب( يَتِيهُونَ )( {[15528]} ) ، لأن موسى غضب عليهم لما قالوا ، فدعا عليهم ، فحرمها الله عليهم أبداً وألزمهم أن يتيهوا( {[15529]} ) أربعين سنة عقوبة ولم يدخلوها( {[15530]} ) .

وقيل : وهو منصوب ب( مُحَرَّمَةٌ )( {[15531]} ) وأنهم عوقبوا بأن حرمت عليهم أربعين سنة ، و( يَتِيهُونَ ) ، حال العامل فيه ( مُحَرَّمَةٌ )( {[15532]} ) ، ثم بعد الأربعين فَتَحَها لهم وأسكنهم إياها وكانوا يومئذ ست مائة ألف مقاتل ، فلبثوا أربعين ( سَنَةً )( {[15533]} ) في ستة فراسخ جادين في السير ، فإذا سئموا( {[15534]} ) ونزلوا ، فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا فاشتكوا إلى موسى ما فُعِل( {[15535]} ) بهم ، فأنزل الله عز وجل عليهم المن والسلوى و( ظللهم بالغمام )( {[15536]} ) ، وانفجر( {[15537]} ) لهم حجر أبيض عن اثنتي( {[15538]} ) عشرة عيناً ، لكل سبط منهم عين ، فلما تمت الأربعون( {[15539]} ) سنة أمرهم الله أن يأتوا المدينة ، فقد كفوا أمر عدوهم ، وقال لهم : إذا أتيتم المسجد . فَأْتوا( {[15540]} ) الباب واسجدوا( {[15541]} ) وقولوا " حطة " ( {[15542]} ) ، بمعنى : حط عنا ذنوبنا ، فأتى عامة القوم وسجدوا على خدودهم وقالوا : حنطة( {[15543]} ) .

قال السدي : / لما ضرب عليهم التيه( {[15544]} ) ، ندم موسى فمكثوا أربعين سنة ، ثم إن موسى اجتمع بعاج ، [ فنزا ]( {[15545]} ) موسى في السماء عشرة أذرع ، وكانت عصاه عشرة أذرع ، وكان طوله عشرة أذرع ، فأصاب كعب عاج( {[15546]} ) فقتله ، ولم يبق أحد ممن أبى( {[15547]} ) ( أن يدخل )( {[15548]} ) قرية الجبارين –ممن كان مع موسى- إلاَّ مات ولم يشهد الفتح ، وإنما كان معه أبناؤهم ، ثم إن الله [ نَبَّأَ ]( {[15549]} ) يوشع بن نون وأمره بقتال الجبارين ، فآمن به بنو إسرائيل ، فهزموا الجبارين ، قال : فكانت العصابة من بني إسرائيل تجتمع على عُنُقِ( {[15550]} ) الرجل يضربونها لا يقطعونها( {[15551]} ) .

قال ابن عباس : كل من دخل التيه –ممن جاز العشرين سنة- مات في التيه ، ومات موسى عليه السلام في التيه ، ومات هارون قبله ، وبرز( {[15552]} ) يوشع [ بمن بقي ]( {[15553]} ) معه مدينة( {[15554]} ) الجبارين فافتتحها( {[15555]} ) .

قال قتادة : مات موسى في الأربعين سنة ولم يدخل بيت المقدس إلا أبناؤهم والرجلان اللذان قالا ما قالا( {[15556]} ) .

قال الطبري : ثبتت الأخبار أن موسى قتل عاج بن عناق وهو من أعظم الجبارين ، وموسى صلى الله عليه وسلم هو الذي افتتح مدينة الجبارين والرجلان على مقدمته( {[15557]} ) .

وروي أن طول( {[15558]} ) عاج ثمان( {[15559]} ) مائة ذراع ، وأنه لما ضربه موسى بعصاه( {[15560]} ) [ في ]( {[15561]} ) الكعب [ سقط ]( {[15562]} ) ميتاً ، فكان جسراً للناس يمرون عليه( {[15563]} ) .

وروى ابن زيد( {[15564]} ) عن أبيه أن النبي عليه السلام قال : كان طول موسى عشرة أذرع ، وطول عصاه عشرة أذرع ، ونزا( {[15565]} ) موسى عشرة أذرع ( فما نال من عوج إلا العِرق )( {[15566]} ) –الذي تحت الكعب- فقتله بتلك الضربة . قال زيد فبلغني أن جيفته( {[15567]} ) سدَّت بطن وادي الأردن( {[15568]} ) .

قال نوف( {[15569]} ) البكالي( {[15570]} ) : كان طول( {[15571]} ) عوج( {[15572]} ) ثمان( {[15573]} ) مائة ذراع( {[15574]} ) ، وعرضه أربع( {[15575]} ) مائة ذراع .

وقال وهب بن منبه( {[15576]} ) : لما نظر عوج( {[15577]} ) إلى عسكر موسى –وكانوا ستمائة ( ألف مقاتل )( {[15578]} ) ونيفاً- اقتلع من الجبل صخرة –على قدرهم من الأرض- فاحتملها رافعاً بها يديه ليرسلها على العسكر ، فبعث الله عز وجل الهدهد- ومعه قطعة من ماسٍ- فأداره على الصخرة تلقاء رأسه ، فلما نزا( {[15579]} ) موسى فأصاب( {[15580]} ) عرق عوج ، سقط موضع التقوير( {[15581]} ) من الصخرة في عنق عوج فسقط ميتاً( {[15582]} ) .

وقوله : ( يَتِيهُونَ ) أي : يحارون( {[15583]} ) .

وقوله : ( فَلاَتَاسَ ) خطاب لموسى( {[15584]} ) . وقيل : لمحمد عليه السلام( {[15585]} ) .

والتمام عند الأخفش وأبي حاتم ونافع( {[15586]} ) ويعقوب( {[15587]} ) : ( مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمُ ) على أن نصب( {[15588]} ) " الأربعين " ب( {[15589]} )( يَتِيهُونَ )( {[15590]} ) .

" قال أبو العالية( {[15591]} ) : كانوا ست( {[15592]} ) مائة ألف ، سماهم الله " فاسقين " بهذه المعصية " ( {[15593]} ) .


[15527]:- ب ج د: قال فانها.
[15528]:- انظر: معاني الفراء 1/305، ومعاني الزجاج 2/165، وإعراب مكي 223، وإعراب العكبريي 431، قال القرطبي في أحكامه: "(أربعين) ظرف زمان للتيه، في قول الحسن وقتادة" 6/130.
[15529]:- ب: ينتهوا.
[15530]:- هو قول قتادة وعكرمة والسدي في تفسير الطبري 10/191 وما بعدها، وانظر: إعراب مكي 223، وإعراب ابن الأنباري 1/289، وإعراب العكبري 431.
[15531]:- د: بحرمة. وانظر: معاني الفراء 1/305، وتفسير الطبري، وقد اختاره -10/198 وخطَأه الزجاج في معانيه 2/165 و"قال الربيع بن أنس وغيره إن (أربعين سنة) ظرف للتحريم" أحكام القرطبي 6/130.
[15532]:- انظر: إعراب مكي 223، وإعراب ابن الأنباري 1/289، وإعراب العكبري 431.
[15533]:- ساقطة من ج د.
[15534]:- ب: اسئموا.
[15535]:- ب ج د: حل.
[15536]:- ب ج د: ظلهم الغمام.
[15537]:- د: الفجر.
[15538]:- اثني.
[15539]:- ب ج د: الأربعين.
[15540]:- ب: فايتوا.
[15541]:- ج: استجدا.
[15542]:- "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس "قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه"، فقالوا ذلك، فقال: "والله إنها لَلْحِطّةُ التي عُرِضَت علَى بني إسرائيل فَلَم يَقُولُوهَا" سيرة ابن هشام 3/357.
[15543]:- ب ج د: حطة. وهو قول الربيع في تفسير الطبري 10/190 و191.
[15544]:- ج: الثبة، د: الثيه.
[15545]:- مخرومة في أ، ب: فقعد، ج د: فترى. وفي أحكام القرطبي 6/127: "وترقى". والتصويب من تفسير الطبري 10/192، "وخص بعضهم به الوثب إلى فَوْقُ، نَزَا يَنْزُو نَزْواً ونُزُواً ونَزَوَاناً" اللسان: نزا.
[15546]:- ب: حاج.
[15547]:- ج د: اي.
[15548]:- ج: أزيد.
[15549]:- في جميع النسخ: تنبأ. وانظر: أحكام القرطبي 6/130. قال الطبري في تفسيره 10/192: "الله... بَعَثَ يُوشَع بن نون نبياً"، وفي اللسان: نبأ "تَنَبَّأ الرَّجُلُ: ادعى النبوّة". وانظر: كذلك فيما أثبت تفسير البحر 3/458.
[15550]:- مخرومة في أ ب: عتق.
[15551]:- انظر: تفسير الطبري 10/192 و193.
[15552]:- في تفسير الطبري 10/192 و193.
[15553]:- في تفسير الطبري 10/193: فناهض. ومعنى "برز": خرج وظهر. انظر: اللسان: برز.
[15554]:- مخرومة في أ ب: سبس بفي، ج د: بين بقي.
[15555]:- انظر: تفسير الطبري 10/193، والقطع والإئتناف 284 و285.
[15556]:- انظر: تفسير الطبري 10/193.
[15557]:- د: قدمته. وانظر: تفسيره 10/198 وفيه: "عوج" بدلاً من "عاج".
[15558]:- في تفسير الطبري 10/199: "سرير" بدلاً من "طول".
[15559]:- ب ج: ثماني. د: ثمانية.
[15560]:- مخرومة في أ.
[15561]:- الظاهر من الخرم في "أ" أنها ساقطة، ساقطة من ج د.
[15562]:- أ: سقطا.
[15563]:- هو جل قول نوف في تفسير الطبري 10/199، وانظر: فيه أيضاً قول ابن عباس.
[15564]:- هو محمد بن زيد بن المهاجر بن قُنْفُذ التيمي المدني، ثقة. انظر: التقريب 2/162.
[15565]:- ب ج د: ترى.
[15566]:- ب: فلما قال من عوج إل العرق، ج: فما زال من عاج إلا العرق، د: فما نال من عواج العرق.
[15567]:- ب: حيفته.
[15568]:- د: الأردان.
[15569]:- ب: توق.
[15570]:- هو نوف بن فضالة الحميري البكالي: إمام أهل دمشق في عصره، ورد ذكره في الصحيحين، وكان راوياً للقصص وهو ابن زوجة كعب الأحبار، ذكره البخاري في فصل من مات ما بين التسعين إلى المائة، توفي سنة 95هـ. انظر: تهذيب التهذيب 10/490، والتقريب 2/309، والحلية 6/48، والجرح والتعديل 8/505، والأعلام 8/54.
[15571]:- في تفسير الطبري 10/199: "سرير" بدلاً من "طول".
[15572]:- ب: حوج.
[15573]:- ب ج: ثماني. د: ثمانية.
[15574]:- د: أذرع. وانظر: تفسير الطبري 10/199.
[15575]:- ب د: أربعة.
[15576]:- هو أبو عبد الله وهب بن منبه الأنباري الصنعاني الذماري، كثير الأخبار عن الكتب القديمة، يعد في التابعين. انهم بالقدر ورجع عنه. انظر: طبقات ابن خياط 287، والأعلام 8/125 و126.
[15577]:- ب: ابن حوج.
[15578]:- مستدركة في هامش أ ومخرومة.
[15579]:- ب ج د: ترى.
[15580]:- ب ج د: وأصاب.
[15581]:- ب: التقرير، ج د: التغوير، وفي روح المعاني 6/86: "... فقور الصخرة بمنقاره، فوقعت في عنقه".
[15582]:- انظر: المحرر 5/74 وفيه: "وهذا كله ضعيف والله أعلم". وفي تفسير البحر 3/458: "وذكروا من وصف عوج وكيفية قتل موسى له ما لا يصح". وقال ابن كثير في تفسيره 2/40: "وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا أخباراً من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين، وأن منهم عوج بن عنق بنت آدم... وهذا شيء يستحي من ذكره، ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله خَلقَ آدَمَ وطولُهُ ذراعاً، ثمّ لم يَزَل الخلقُ يَنقصُ حتى الآن"... ثم في وجود رجل يقال له: عوج بن عنق نظر، والله أعلم". هذا وقد بسط الرازي في التفسير الكبير 11/202 و203 القول في أن ذكر هذه القصة ومثيلاتها في القرآن لأجل التسلية والتخفيف على القلب.
[15583]:- انظر: مجاز أبي عبيدة 1/160، وتفسير الطبري 10/199.
[15584]:- هو قول ابن عباس والسدي في تفسير الطبري 10/200، وانظر: تفسير البحر 3/459.
[15585]:- انظر: المحرر 5/76، وتفسير البحر 3/459.
[15586]:- هو نافع بن عبد الرحمن المدني، أحد القراء السبعة، يكنى أبا رويم. توفي سنة 169هـ. انظر: الغاية 2/320، والمهذب 1/7-12.
[15587]:- هو أبو محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري، أحد القراء العشرة، سمع الحروف من الكسائي وغيره توفي سنة 205هـ. انظر: الغاية 2/356، وإرشاد الأريب 7/320، وطبقات النحويين 51، والخلاصة 2/181، والتقريب 2/375، والأعلام 8/195.
[15588]:- ج: تنصب.
[15589]:- ساقطة من ب.
[15590]:- انظر: القطع 284 و285، وهو وقف كاف في المقصد 31.
[15591]:- هو أبو العالية رُفَيْع بن مِهران، مفسر ومقرئ، سمع من عائشة وآخرين. روى عنه قتادة وخَلق. توفي سنة 90 هـ أو 92 أو 93 أو 106. انظر: طبقات ابن سعد 7/111، والسير 4/207، والتذكرة 1/61، وطبقات الحفاظ 22.
[15592]:- ب: ستة.
[15593]:- القطع 285.