غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

20

{ فإنها } أي الأرض المقدسة { محرمة عليهم أربعين سنة } ثم يفتحها الله لهم من غير محاربة . أو المراد أنهم يتيهون أربعين سنة ومعنى يتيهون يسيرون متحيرين . عن مقاتل أن موسى عليه السلام لما دعا عليهم فأخبره الله بأنهم يتيهون قالوا له : لم دعوت علينا وندم على ما عمل فأوحى الله إليه : { فلا تأس } أي لا تحزن ولا تندم { على القوم الفاسقين } فإنهم أحقاء بالعذاب لفسقهم . وجوّز بعضهم أن يكون ذلك خطاباً لمحمد صلى الله عليه وسلم أي لا تحزن على قوم لم تزل مخالفة الرسل هجيراهم .

واعلم أن المفسرين اختلفوا في أنّ موسى وهارون هل بقيا في التيه أم لا ؟ فقال قوم : إنهما ما كانا في التيه لأنه دعا أن يفرق بينه وبينهم وكل نبي مجاب ، ولأن التيه عذاب والأنبياء لا يعذبون ، ولأنّ سبب ذلك العذاب التمرد وهما لم يتمرّدا . وقال آخرون : إنهما كانا مع القوم إلاّ أنّ الله تعالى سهل عليهم ذلك العذاب كما أن النار كانت على إبراهيم برداً وسلاماً .

ثم من هؤلاء من قال : إنّ هارون عليه السلام مات في التيه ومات موسى عليه السلام بعده فيه بسنة ، ودخل يوشع عليه السلام أريحاء بعد موته بثلاثة أشهر وكان ابن أخت موسى ووصيه بعد موته ، ومات النقباء في التيه بغتة بعقوبات غليظة إلاّ كالب ويوشع . ومنهم من قال : بل بقي موسى عليه السلام بعد ذلك وخرج من التيه وحارب الجبارين وقهرهم وأخذ الأرض المقدسة والله تعالى أعلم . واختلفوا أيضاً في التيه وهي المفازة التي تاهوا فيها فقال الربيع : مقدار ستة فراسخ . وقيل : تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخاً . وقيل : ستة في اثني عشر . وقيل : كانوا ستمائة ألف فارس . ثم الأكثرون على أنّ قوله : { فإنها محرمة } تحريم منع كانوا يسيرون كل يوم على الاستدارة جادّين حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه ، وكان مع ذلك نعمة الله عليهم من تظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك متظاهرة كالوالد الشفيق يضرب ولده ويؤذيه ليتأدب ويتثقف ولكن لا يقطع عنه معروفه وإحسانه . ويشكل هذا القول بأنه كيف يعقل بقاء هذا الجمع العظيم في ذلك القدر الصغير من المفازة سنين متطاولة بحيث لا يتفق لأحد منهم أن يهتدي طريقاً للتيه ولو بأمارات حركات النجوم ؟ والجواب أنّ هذا من الخوارق التي يجب التصديق بها كسائر المعجزات التي يستبعد وقوعها . وقال بعضهم : إنّ هذا التحريم تعبّد وإنه تعالى أمرهم بالمكث في تلك المفازة أربعين سنة عقاباً لهم على سوء صنيعهم وعلى هذا فلا إشكال .

/خ26