بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

ثم قَالَ الله تعالى : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } يعني الأرض المقدسة ، دخولها محرم عليهم { أَرْبَعِينَ سَنَةً } ثم قال : { يَتِيهُونَ في الأرض } ضلالاً يعني : يتحيرون فيها ولا يعرفون وجه الخروج منها ضلالاً في التيه . ويقال : { فإنها محرمة عليهم } ، وتم الكلام . ثم قال { أربعين سنة يتيهون في الأرض } ، فعمي عليهم السبيل ، فحبسهم بالنهار وسيّرهم بالليل ، يسهرون ليلتهم ويصبحون حيث أمسوا ، وكان التيه بين فلسطين وأيلة ست فراسخ في اثني عشر فرسخاً ، فمكثوا فيها أربعين سنة لم يقدروا على الخروج منها . قال بعضهم : لم يكن موسى وهارون عليهما السلام في التيه ، لأن الأنبياء لا يعذبون وقال بعضهم : كانا فيه وسهل الله تعالى عليهما كما سهل على إبراهيم عليه السلام النار ، وجعلها برداً وسلاماً . ويقال : إن موسى وهارون قد ماتا في التيه ، وهلكت تلك العصابة ولم يبقَ منهم إلا يوشع وكالب ، فخرج يوشع بذرياتهم إلى تلك المدينة ، وفتحوها عند غروب الشمس . وذكر في الخبر أن يوشع دعا بأن ترد الشمس فردت ثلاث ساعات حتى فتحوا البلدة ، فاختلفت النجوم عن مجاريها من ذلك اليوم ، فخفي على المنجمين ، فلما بقوا في التيه ندم موسى على دعائه ، فأوحى الله تعالى إليه { فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين } يعني لا تحزن على قوم سميتهم فاسقين . وقال بعضهم : هذا الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم لا تحزن على قومك إن لم يؤمنوا . ويقال : { أَرْبَعِينَ سَنَةً } صار نصباً بمعنى يتيهون لأن في التفسير ، إن دخلوها لم يكن محرم عليهم أبداً . كذا قاله ابن عباس رضي الله عنه . وإنما دخلها أولادهم . وقال قوم : حرمت أربعين سنة فكانوا يتيهون أربعين سنة وفتحوا .