{ قال فإنها } أي الأرض المقدسة { محرمة عليهم } أي بسبب أقوالهم هذه وأفعالهم ، لا يدخلها ممن قال هذه المقالة أو رضيها أحد ، بل يمكثون { أربعين سنة } ثم استأنف جواباً لمن تشعب{[24986]} فكره في تعرف حالهم في هذه الأربعين ومحلهم من الأرض قوله : { يتيهون } أي يسيرون متحيرين{[24987]} { في الأرض } حتى يهلكوا كلهم ، والتيه : المفازة التي يحير سالكها فيضل عن وجه مقصده ، روي أنهم أقاموا{[24988]} هذه المدة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين ، ثم يمشون في الموضع{[24989]} الذي ساروا منه ، ثم سبب عن إخباره بعقوبتهم قوله : { فلا تأس } أي تحزن حزناً مؤيساً{[24990]} { على القوم } أي الأقوياء الأبدان الضعفاء القلوب { الفاسقين * } أي الخارجين من قيد الطاعات ، ثم بعد هلاكهم أدخلها بنيهم الذين نشأوا في التيه لسلامتهم من اعوجاج{[24991]} طباعهم التي ألبستهم إياها بلاد الفراعنة ، فإني كتبتها لبني إسرائيل ، ولم أخبر بتعيينهم - وإن كانوا معينين في علمي - كما اقتضت ذلك حكمتي ؛ وفي هذه القصة أوضح دليل على{[24992]} نقضهم للعهود{[24993]} التي بنيت السورة على طلب الوفاء بها وافتتحت بها ، وصرح بأخذها عليهم في قوله : ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل }[ المائدة : 12 ] إلى أن قال :{ وآمنتم برسلي وعزرتموهم }[ المائدة : 12 ] وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعلونه{[24994]} معه ، وتذكير{[24995]} له بالنعمة على قومه بالتوفيق ، وترغيب لمن أطاع منهم وترهيب لمن عصى ، ومات في تلك الأربعين كل من قال ذلك القول أو رضيه حتى النقباء العشرة ، وكان الغمام يظلهم من حر الشمس ، ويكون لهم عمود من نور بالليل يضيء هاهنا{[24996]} عليهم - وغير هذا من النعم ، لأن المنع{[24997]} بالتيه كان تأديباً لهم لا غضباً فإنهم تابوا .
شرحُ هذه القصة ما بين أيديهم من التوراة وذكرُ بعض ما عذبهم{[24998]} فيه بذنوبهم ، قال في السفر الرابع منها : وكلم الرب موسى وقال له{[24999]} : أرسل قوماً يجسون الأرض التي أعطى بني إسرائيل ، فأرسلهم موسى من برية فاران رجالاً{[25000]} من رؤساء بني إسرائيل - اثني عشر رجلاً - فيهم كالاب بن يوفنا وهو ساع بن نون ، ودعا موسى هوساع بن نون يوشع ، وأرسلهم{[25001]} ليستخبروا أرض كنعان وقال لهم : اعرفوا خبر الشعب الذي بها ، أقوي هو أم ضعيف ؟ أكثير هو أم قليل ؟ وما خبر الأرض التي هم فيها ، أمخصبة أم لا ؟ أفيها شجر أم لا ؟ وفي نسخة : وما المدن التي يسكنونها ؟ وإن كانت محوَّطاً عليها أم لا ؟ وتقووا{[25002]} وخذوا من ثمار الأرض ؛ فصعدوا فاستخبروا الأرض ، وأخذوا من برية{[25003]} صين حتى انتهوا إلى راحوب{[25004]} التي في مدخل حمات{[25005]} ، وصعدوا إلى التيمن فأتوا حبران - وفي نسخة : حبرون{[25006]} - وكان بها بنو الجبابرة ، ثم أتوا{[25007]} وادي العنقود وقطعوا{[25008]} قضيباً من الكرم فيه عنقود عنب ، فحمله رجلان بأسطار{[25009]} ، ودعوا اسم ذلك الموضع وادي العنقود من أجل ذلك ، وأخذوا من الرمان والتين أيضاً ، ورجعوا إلى موسى بعد أربعين ليلة إلى برية فاران إلى رقيم ، وأخبروا موسى والجماعة كلها خبر الأرض وقالوا : انطلقنا فإذا الأرض تغل{[25010]} اللبن{[25011]} والعسل وهذه ثمارها ، ولكن الشعب الذي في الأرض عزيز قوي ، وقراهم كبار مشيدة ، ورأينا ثَمّ بني الجبابرة ، ثم{[25012]} ذكر أن الكنعانيين{[25013]} على ساحل البحر إلى نهر الأردن ، قالوا : وكنا عندهم مثل الجراد ، كذلك{[25014]} رأينا أنفسنا ، فضجت الجماعة كلها ورفعوا أصواتهم بالبكاء ، وبكوا في تلك الليلة بكاء شديداً ، وتذمر جميع بني إسرائيل على موسى وهارون في ذلك اليوم وضجوا عليهما ، وقال لهما محافل بني إسرائيل كلها : يا ليتنا ! متنا بأرض مصر على يدي الرب ، وليتنا متنا في هذه البرية ولا يدخلنا الرب إلى الأرض التي نصرع{[25015]} فيها قتلاً ! وتنتهب مواشينا وأهلونا ! كان المنون{[25016]} بأرض مصر خيراً لنا ، وقال كل امرىء منهم لأخيه : اجتمعوا حتى نصيّر{[25017]} علينا رئيساً ، ونرجع إلى أرض مصر ، فخر موسى وهارون على وجوههما ساجدين بين يدي{[25018]} جماعة بني إسرائيل كلها ، فأما يشوع ابن نون وكالاب بن يوفنا اللذان{[25019]} كانا من الجواسيس فقالا : الأرض مخصبة جداً ، فإن شاء الرب دفعها إلينا ، فهي أرض تغل{[25020]} السمن والعسل ، فلا تعصوا{[25021]} الرب ولا تفتتنوا{[25022]} ولا تخافوا شعب هذه{[25023]} الأرض ، لأن أهلها مبذولون لنا مثل الطعام للأكل ، واعلموا أن قويهم سيضعف وتزول عنهم شدتهم ، ونحن الغالبون لأن الرب معنا ، فلا تفرقوا منهم ، وظهر مجد الرب بالسحابة في قبة الزمان تجاه بني إسرائيل ، وقال الرب لموسى : إلى متى يسخطني{[25024]} هذا الشعب ؟ وكم إلى كم لا يصدقونني ؟ ألم يروا جميع الآيات التي أتيتهم بها ؟ سأضربهم بالموت وأهلكهم ، وأصيرك الشعب{[25025]} أعظم من هذا وأعزّ منهم ، فقال موسى{[25026]} أمام الرب : يسمع أهل مصر الذين أخرجت هذا الشعب من بينهم بقوتك ، ويقول لسكان هذه الأرض أيضاً الذين سمعوا أنك رب{[25027]} هذا الشعب ، فإن أنت قتلت هذا الشعب{[25028]} جميعاً كرجل واحد تقول الشعوب التي بلغها خبرك : إن الرب لم يقدر أن يدخل هذا الشعب{[25029]} الأرض التي كان{[25030]} وعد إياهم ، فلذلك قتلهم في البرية ، فلتعظم قوتك الآن يا رب كما وعدت{[25031]} وقلت ! يا رب{[25032]} أنت ذو المودة والنعمة ، تغفر الإثم{[25033]} والخطايا ، وتزكي من ليس بمزكي ، اغفر يا رب كما غفرت لهم مذ خرجوا من أرض مصر إلى الآن ! فقال الرب لموسى : قد غفرت لهم لقولك{[25034]} ولكني حي قيوم ، أقسم بذلك وبمجدي الذي امتلأت الأرض كلها منه أن جميع الرجال الذين عاينوا مجدي والآيات التي أظهرت لهم بمصر والفضاء ، وجربوني عشر مرات ، ولم يطيعوني{[25035]} ولم يقبلوا قولي ، لا يعاينون الأرض التي أقسمت لآبائهم أني أعطيهم ، ولا يدخلها أحد من الذين أغضبوني{[25036]} ، فأقبلوا غداً وارتحلوا إلى طريق بحر سوف ؛ وقال الرب : إلى متى تغفرُ هذه الجماعة الرديئة بين يدي ؟ فبي أقسم أنكم{[25037]} تصيرون إلى ما قلتم ، وكما فكرتم{[25038]} ذلك يصيبكم{[25039]} في هذه البرية ، فتسقط جثثكم فيها وتبلى أجسادكم ويهلك كل عددكم وحسابكم من ابن عشرين سنة إلى فوق ، لأنكم تشوشتم وتذمرتم عليّ ، لا تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لأنزلكم فيها ، و لا يدخلها إلا كالاب بن يوفنا ويوشع بن نون ، وأما مواشيكم التي قلتم : إنها تنتهب ، وبنوكم الذين لا يعلمون الخير من الشر فهم يدخلون الأرض وأصيّرهم إليها وأورثهم الأرض ، فأما جيفكم فتسقط وتبلى في هذه البرية .
وتمكث بنوكم يترددون في هذه المفازة أربعين سنة ، يعاقبون حتى تهلك جثثكم في هذه البرية على عدد الأيام التي اجتس الجواسيس الأرض فيها ، لكل يوم سنة ، وتعاقبون بإثمكم{[25040]} ، لكل يوم سنة{[25041]} ، أربعين سنة لأربعين يوماً ، فتعلمون أني إنما فعلت ذلك لتذمركم{[25042]} بين يدي ، أنا الرب قلت : كذلك أصنع بهذه الجماعة الرديئة التي اجتمعت بين يدي ، تهلك في هذه البرية ، يموتون كلهم ، والقوم الذين أرسلهم موسى أن يجتسوا الأرض له فانقلبوا وشغبوا عليه وأفسدوا الجماعة كلها ، وذلك أنهم أخبروا الشعب في أمر الأرض خبراً رديئاً ، ومات القوم الذين أخبروا الخبر السوء موت الفجاءة أمام الرب ، فأما يشوع وكالاب فنجوا من الموت ، ولم يهلكا مع الذين استخبروا الأرض ، فأخبر موسى بني إسرائيل هذه الأقوال ، وجلسوا{[25043]} في حزن شديد وقالوا : نحن صاعدون إلى الموضع الذي أمر الرب ونقر بخطايانا ، قال لهم موسى : اعلموا أنكم لا تنجحون{[25044]} ولا يتم أمركم ، لا تصعدوا لأن الرب ليس معكم لئلا يهزمكم أعداؤكم ، فإن صعدتم هزمتم وقتلتم ، لأنكم أغضبتم الرب ورجعتم عن قوله ، فلذلك لا يكون الرب معكم ، فصعد القوم إلى رأس الجبل ، فأما تابوت عهد الرب وموسى النبي فلم يبرحا من العسكر ، ونزل العملقانيون الذين يسكنون ذلك الجبل وحاربوهم وهزموهم ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وطردوهم إلى حرما ؛ وكان ذكر قبل ذلك في السفر الثاني وقبل معصيتهم في أمر الجواسيس قتالهم في رفيدين ورقيم لعماليق فقال ما نصه : وإن عماليق جاء ليقاتل بني إسرائيل برفيدين{[25045]} فقال موسى ليشوع{[25046]} : اختر رجلاً من أهل الجلد والشدة واخرج بنا نقاتل{[25047]} عماليق غداً{[25048]} وأنا واقف على رأس الأكمة ، وقضيب{[25049]} الله في يدي ، فصنع يشوع كما قال له{[25050]} موسى فخرج إلى حرب عماليق ، وصعد موسى وهارون وحور إلى رأس الجبل ، وكان موسى إذا رفع يده قوى بنو إسرائيل ، وإذا خفض يده قوى عماليق ، فأعيت يدُ موسى فأخذ حجارة فوضعها تحته ، ثم استوى عليها جالساً ، وكان هارون وحور {[25051]} يدعمان يديه{[25052]} ، أحدهما يميناً والآخر شمالاً حتى غربت الشمس ، فهزم يشوع عماليق ومن معه وقتلوهم بحد السيف ، فقال الرب لموسى : اكتب{[25053]} هذا الأمر في سفر الكتاب وضعه أما يشوع بن نون ، لأني أمحق وأبيد ذكر عماليق من تحت{[25054]} السماء ، فبنى للرب مذبحاً ، {[25055]} ودعا اسمه{[25056]} {[25057]} الله علمي{[25058]} ، ثم قال : وأرسل رسلاً من رقيم إلى ملك أدوم{[25059]} بأنهم نازلون في رقيم - القرية التي في حد بلاده - واستأذنه في الجواز في بلاده ، فهددهم بالمقاتلة فقالوا : لا نشرب لك ماء إلا بثمن ، فقال : لا تجوزوا في{[25060]} حدي ، وخرج إليهم بجيش عظيم وسلاح شاك فصغا بنو إسرائيل عنه وظعنوا من رقيم ، وأتى جميع بني إسرائيل إلى هور{[25061]} الجبل حيث توفي هارون ، ثم قال : ونزل موسى وإليعازر من الجبل ، فرأت محافل بني إسرائيل كلها أن هارون قد توفي ، وبكى على هارون{[25062]} جميع بني إسرائيل ثلاثين يوماً ، وسمع الكنعاني ملك عراد{[25063]} الذي كان يسكن التيمن{[25064]} أن بني إسرائيل قد نزلوا في طريق الجواسيس فحاربهم{[25065]} وسبى منهم قوماً ، فنذر بنو إسرائيل نذراًَ للرب وقالوا : إن أنت دفعت إلينا هذا الشعب يا رب وقويتنا عليه جعلنا قراهم حريمة{[25066]} للرب ، فسمع الرب أصوات بني إسرائيل ودفع إليهم الكنعانيين وقوّاهم عليهم ، وهزموهم وقتلوهم وجعلوا قراهم حريمة للرب ودعوا{[25067]} اسم تلك البلاد حريمة ، فظعن الشعب من هور الجبل في طريق بحر سوف ليدوروا حول{[25068]} أرض أدوم ، ففزعت{[25069]} أنفس الشعب من شدة الطريق وكلّت ، وتذمر{[25070]} الشعب على الله وعلى موسى وقالوا : لِمَ أصعدتنا من مصر ؟ لتميتنا في موضع ليس فيه خبز ولا ماء ، قد ضاقت أنفسنا من قلة الطعام ، فسلط الله عليهم حيات فنهشت قوماً من الشعب ومات منهم كثير ، فاجتمعوا إلى موسى وقالوا : قد{[25071]} أخطأنا إذ تذمرنا على الله وعليك ، صل أمام الرب لتنصرف عنا الحيات ، فصلى موسى فقال الرب له : اتخذ حية من نحاس مثال الحية وارفعها على خشبة علامة ، ومن نهشته حية ينظر إلى الحية المعلقة{[25072]} فيبرأ ، ففعل ذلك ، فطعن{[25073]} بنو إسرائيل فنزلوا أبوت{[25074]} ، ثم ارتحلوا من أبوت{[25075]} ونزلوا على عين العبرانيين التي في البرية أمام أرض موآب في الجانب الشرقي وحيث{[25076]} مشارق الشمس ، ثم ظعنوا من هناك ونزلوا وادي زرود ، وارتحلوا من هناك ونزلوا عبر أرنون في البرية أمام أرض موآب في الجانبين{[25077]} التي{[25078]} تخرج من حد{[25079]} الأمورانيين{[25080]} وهي في حد الموآبيين ، ولذلك يقال في كتاب حروب{[25081]} الرب :{[25082]} واهب في سوفة و{[25083]} وادي أرنون ومصب{[25084]} الأودية المائلة إلى سكان عار{[25085]} التي تنتهي إلى{[25086]} حد الموآبيين{[25087]} ؛ ثم أرسل بنو إسرائيل رسلاً إلى سيحون ملك الأمورانيين{[25088]} و{[25089]}قالوا له : نجوز في أرضك من غير أن نطأ{[25090]} لك حقلاً ولا كرماً ، ولا نشرب{[25091]} من ماء جناتك{[25092]} ، ولكن نلزم الطريق الأعظم حتى نجوز{[25093]} أرضك ، فأبى سيحون وجمع جميع أجناده وخرج إلى البرية وحارب بني إسرائيل ، فقتل بنو إسرائيل سيحون وأصحابه وورثوا أرضه ، وصعدوا إلى أرض متنين ، وخرج عوج ملك متنين{[25094]} إليهم هو وأجناده ليحاربهم في أدرعى{[25095]} ، وقال الرب لموسى : لا تخفه لأني{[25096]} دافعه في يدك وأصيّر جميع شعبه وأرضه في يدك ، فاصنع{[25097]} به كما صنعت بسيحون ملك الأمورانيين ، فلما حاربوه قتل هو وبنوه وجميع شعبه ولم يبق منهم أحد ، فظعن بنو إسرائيل ونزلوا عربات{[25098]} موآب{[25099]} التي عند أردن إريحا ؛ ثم ذكر قصة بلعام بن باعور{[25100]} وغيرها و{[25101]} قال : ثم قال الرب لموسى : اصعد إلى هذا الجبل جبل العبرانيين ، وانظر{[25102]} إلى أرض كنعان{[25103]} التي أعطى بني إسرائيل ، فإذا نظرت إليها اجتمع معك{[25104]} شعبك ، وصر إلى ما صار إليه آباؤك كما صار [ إليه{[25105]} ] هارون أخوك ، فتكلم موسى أمام الرب وقال : يأمر الله رجلاً يريد الجماعة ويدخل ويخرج أمامهم ، ويدخلهم ويخرجهم لكيلا تكون{[25106]} جماعة الرب كالغنم التي ليس لها راعٍ ، فقال الرب لموسى : اعمد إلى يشوع{[25107]} بن نون - رجل عليه من الروح نعمة - فضع يدك عليه ، وأقمه بين يدي إليعازر الحبر أمام الجماعة كلها ومن تجاههم قبلاً ، وأعطه من المجد الذي عليك ، فتطيعه جماعة بني إسرائيل كلها ، ويقوم{[25108]} بين يدي إليعازر الحبر ليكون يسأل الرب عن حوائجه وسننه ، ويحفظ بنو إسرائيل{[25109]} قوله ، وعن قوله يخرجون وعن قوله يدخلون ، وفعل موسى كالذي أمره الله في يوشع وغيره - ثم ذكر أشياء{[25110]} من القرابين{[25111]} والأعياد وفتح مدين وبقية قصة بلعام وغير ذلك ثم{[25112]} قال : وكثرت مواشي بني روبيل{[25113]} وبني جاد جداً ، ونظروا إلى{[25114]} يعزير وأرض جلعاد{[25115]} أنه موضع يصلح للمواشي فقالوا لموسى : إن نحن ظفرنا منك برحمة ورأفة تعطي هذه الأرض لعبيدك ميراثاً ولا تجزنا نهر الأردن ، فقال موسى : إخوتكم يخرجون إلى الحرب وأنتم تستقرون هاهنا ؟ لِمَ تكسرون{[25116]} قلوب إخوتكم أن لا يجوزوا{[25117]} إلى الأرض التي يعطيهم{[25118]} الرب ميراثاً ! هكذا صنع أيضاً آباؤكم فاشتد غضب الرب عليهم ، وأقسم أنه لا يعاين أحد منهم الأرض التي وعدت بها آباءهم ، لأنهم لم يتموا{[25119]} قولي ولم يتبعوا وصيتي ما خلا كالاب بن يوفنا{[25120]} القنزابي ويشوع{[25121]} بن نون ، إنهما أتما قول الرب ، فاشتد غضب الرب على بني إسرائيل وتَوَّههُمْ في البرية أربعين سنة حتى هلك حقب الرجال الذين أسخطوا الرب ، وأنتم اليوم أيضاً تريدون أن ينزل غضب الرب ببني إسرائيل ، وإن{[25122]} أنتم انقلبتم عن أمر الرب أيضاً يعود أن يُتَوِّهَكم في التيه ، فتفسدون{[25123]} على جميع هذا الشعب ، فدنا منه القوم وقالوا : نبني هاهنا{[25124]} قرى{[25125]} لعيالاتنا{[25126]} وحظائر لأنعامنا ، ونحن نتسلح أمام بني إسرائيل حتى ندخلهم{[25127]} إلى مواضعهم ولا نرجع إلى بيوتنا حتى يرث بنو إسرائيل كل إنسان ميراثه ، ولا نرث معهم من عبر الأردن وما خلف ذلك ، لأنا قد قبضنا ميراثنا في مجاز الأردن في مشارق الشمس ، فقال لهم موسى : إذا أنتم فعلتم هذا الفعل وتسلحتم{[25128]} أمام ربكم ، حينئذ ترجعون وتستجلبون{[25129]} أرضكم ويرضى{[25130]} بنو إسرائيل عنكم ، وتصير هذه الأرض لكم{[25131]} ميراثاً ، وإن لم تفعلوا هذا{[25132]} تصيروا{[25133]} أمام الرب خطأة{[25134]} ، واعلموا أن خطاياكم تدرككم ، ثم قال : وهذا خطأ عن بني إسرائيل حيث خرجوا من أرض مصر - فذكر ما تقدم في البقرة ، ثم قال{[25135]} : وارتحلوا من مقبرة الشهوة ونزلوا حضروت{[25136]} ، وظعنوا من حضروت ونزلوا رثما ، وارتحلوا من رثما ونزلوا رمّون{[25137]} فرص ، وظعنوا{[25138]} من رمّون{[25139]} فرص ونزلوا لبنا - وفي نسخة{[25140]} : لبونا - وارتحلوا من لبنا ونزلوا أراسيا - وفي نسخة : رسا - وظعنوا من أراسيا أو رسا ونزلوا قهاث - وفي نسخة : بقهالاث{[25141]} - وارتحلوا من قهاث ونزلوا جبل شافار -{[25142]} وفي نسخة{[25143]} : شافر - وارتحلوا من جبل شافار{[25144]} ونزلوا حرادة{[25145]} - وفي نسخة : حرذا - وارتحلوا من حرادة {[25146]}- وفي نسخة : حارذا - ونزلوا مقهلوث{[25147]} - وفي نسخة : مهقلوث{[25148]} - وظعنوا من مقهلوث{[25149]} {[25150]} نزلوا تحاث - وارتحلوا من تحاث ونزلوا ترح ، وارتحلوا من ترح ونزلوا مثقا ، وارتحلوا من مثقا ونزلوا حشمونا ، وظعنوا من حشمونا ونزلوا مسروت ، وارتحلوا من مسروت{[25151]} ونزلوا بحيّ بني يعقان{[25152]} ، وظعنوا من حيّ بني يعقان{[25153]} ونزلوا جبل جدجاد ، وارتحلوا من جدجاد ونزلوا يطبث{[25154]} - وفي نسخة : يطباثا{[25155]} - وظعنوا من يطبث ونزلوا عجرونا - وفي نسخة : عبرونا - وارتحلوا من عجرونا ونزلوا{[25156]} عصيون جابر{[25157]} وهي قلزم ، ورحلوا من{[25158]} عصيون جابر{[25159]} ونزلوا بَرَّصين - وفي نسخة : برية صين المعروفة بقداش{[25160]} - وهي رقيم ، وظعنوا من قداش{[25161]} ونزلوا هور الجبل الذي في أقاصي أرض أدوم - وفي نسخة : وظعنوا من برية صين فنزلوا في قفر{[25162]} فاران وهي القدس ، وارتحلوا من القدس فنزلوا في جبل هور بحذاء أرض أدوم وهي{[25163]} الروم - وصعد هارون الحبر{[25164]} عن قول الله إلى هور الجبل ، وتوفي هناك في سنة أربعين بخروج بني إسرائيل من أرض مصر في الشهر الأول أول يوم منه ، وقد كان أتى على هارون{[25165]} يوم توفي مائة وثلاث وعشرون سنة ، وبلغ الكنعاني ملك حديا الساكن بالتيمن في أرض كنعان - وفي نسخة : عراد{[25166]} الساكن في الداروم في بلد ماءب{[25167]} - أن بني إسرائيل{[25168]} أتوا حده{[25169]} ، وظعنوا من هور الجبل ونزلوا صلمونا ، وارتحلوا من صلمونا ونزلوا فينون ، وظعنوا من فينون ونزلوا أبوث{[25170]} - وفي نسخة : أباث{[25171]} - وارتحلوا من أبوث{[25172]} ونزلوا العين المعروفة بالعبرانيين على حد موآب - وفي نسخة : ونزلوا عايا في العين على تخوم موآب{[25173]} - وارتحلوا من{[25174]} عايا فنزلوا جاد - وفي نسخة : ورحلوا من عين العبرانيين ونزلوا ديبون{[25175]} قرية جاد - وارتحلوا من قرية جاد{[25176]} ونزلوا علمون التي{[25177]} دبلثيم - وفي نسخة : دبلاثيم{[25178]} - وظعنوا من علمون التي دبلثيم - وفي نسخة : دبلاثيم - فنزلوا جبل العبرانيين الذي أمام نابو ، وارتحلوا من جبل العبرانيين ونزلوا عربة موآب التي بأردن يريحا - وفي نسخة : ونزلوا مغارب موآب على الأردن{[25179]} قبالة يريحا - ونزلوا على شاطىء الأردن{[25180]} من عند أشيموت{[25181]} إلى آبل{[25182]} شاطيم التي عند عربة موآب{[25183]} - وفي نسخة : قبالة مغارب موآب .
وكلم الرب موسى على مغارب موآب{[25184]} عند الأردن قبالة يريحا فقال : كلم بني إسرائيل وقل لهم : أنتم جائزون الأردن إلى أرض كنعان لتهلكوا{[25185]} جميع سكان الأرض ، وتحرقوا بيوت أصنامهم المسبوكة ، وتقلعوا{[25186]} مذابحهم كلها ، وتصير الأرض إليكم وترثونها{[25187]} ، فاقسموها لعشائركم سهاماً{[25188]} ، وصيروا الكثير على قدر كثرتهم ، والقليل على قدر{[25189]} قلتهم ، وكل قبيلة على ما يرتفع السهم بها{[25190]} وتصيبها{[25191]} القرعة ، وإن لم تهلكوا{[25192]} سكان الأرض من بين أيديكم فالذين{[25193]} يبقون منهم يكونون{[25194]} أسنة في أعينكم وسهاماً في{[25195]} أصداغكم ، ويضيّقون{[25196]} عليكم في الأرض التي{[25197]} تسكنونها ، و{[25198]} كما رأيت أن أصنع بهم كذلك أصنع بكم ، فهكذا اقسموا الأرض في مواريثكم : أرض{[25199]} كنعان بحدودها ، فأما حد التيمن فيكون لكم من ساحل البحر الملح من ناحية المشرق ، ويدور حدكم من التيمن إلى عقبة عقربيم{[25200]} ويجوز إلى صين ، وتكون{[25201]} مخارجه من التيمن إلى رقيم الجائي{[25202]} ، ويخرج من هناك إلى حصر إدار -{[25203]} وفي نسخة : إلى رفح{[25204]} - ويجوز إلى عصمون إلى وادي مصر ، وتكون{[25205]} مخارجه إلى ناحية البحر{[25206]} ويكون حد{[25207]} البحر حدكم والبحر الأعظم بحدوده ، هذا حدكم من ناحية البحر ، وأما حدكم مما يلي الجربيا - وفي نسخة : الشمال - فيكون من البحر الأعظم إلى هور الجبل ، وحدود ذلك من الجبل إلى مدخل حماة ، وتكون{[25208]} مخارج الجبل إلى صدد{[25209]} ، ويخرج الحد إلى زفرون ، وتكون{[25210]} مخارجه إلى حصر عينن ، هذه حدودكم من ناحية الجربيا{[25211]} ، وأما حدودكم من ناحية المشرق فحدوده من حصر{[25212]} عينن إلى شافم ، وينزل الحد من شافم إلى ربلة{[25213]} إلى مشارق غاب{[25214]} ، حتى ينتهي{[25215]} إلى بحر كنرت - وفي نسخة : البحيرة الميتة{[25216]} - من مشارقه ، ويدور حتى ينزل إلى حد الأردن ، وتكون مخارجه إلى بحر الملح ، هذه حدود الأرض التي ترثونها كما تدور ، ثم ذكر القسمة وشيئاً من الأحكام ، ثم قال في أول{[25217]} السفر الخامس : هذه الآيات والأقوال التي قال موسى لبني إسرائيل عند مجاز الأردن في البرية في عرابا - وفي نسخة : البيداء وهو الجانب الغربي - حيال سوف بين فاران وبين تفال{[25218]} ولبان وحضروت و{[25219]}ذي ذهب{[25220]} - وفي نسخة : ودار{[25221]} الذهب وهو{[25222]} إشارة إلى{[25223]} الموضع الذي عبدوا فيه العجل - مسير أحد عشر يوماً من حوريب إلى ساعير وإلى رقام الجائي .
لما كان في سنة أربعين من خروج بني إسرائيل من مصر في الشهر الحادي عشر في أول يوم منه كلم موسى بني إسرائيل وأمرهم بعد قتلهم سيحون ملك الأمورانيين وعوج{[25224]} ملك متنين{[25225]} في مجاز الأردن في أرض موآب{[25226]} ، قال : إن الله قال لنا في حوريب : قد طال مكثكم في{[25227]} هذا الجبل ، انهضوا{[25228]} فارتحلوا من{[25229]} هاهنا وادخلوا جبل الأمورانيين{[25230]} وكل ما حوله إلى القرى والجبل و{[25231]} إلى ساحل{[25232]} البحر أسفل الجبال{[25233]} ، والتيمن أرض الكنعانيين ، ولبنان إلى النهر الكبير الذي هو الفرات ، ادخلوا ورثوا الأرض التي وعد الله آباءكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيهم{[25234]} ، ويورثها نسلهم من بعدهم ، ثم قال : وأمرتكم في ذلك الزمان بما ينبغي أن{[25235]} تصنعوا{[25236]} ، وارتحلنا من حوريب وسرنا{[25237]} في البرية العظيمة المرهوبة كما أمرنا{[25238]} الله ربنا ، وانتهينا{[25239]} إلى رقيم الجائي ، وقلت لكم : قد انتهيتم إلى جبل الأمورانيين الذي أعطانا الله ربنا ، اصعدوا ورثوا الأرض كما قال لكم الله{[25240]} رب آبائكم ، لا تخافوا ولا تفزعوا ، وتقدمتم إليّ بأجمعكم وقلتم : نرسل بين أيدينا رجالاً يتجسسون{[25241]} لنا الأرض ويخبرونا بخبرها ويدلّونا{[25242]} على الطريق الذي نسير{[25243]} فيه والقرى التي ندخلها ؛ فكان قولكم عندي حسناً ، وعمدت إلى اثني عشر رجلاً منكم ، من كل سبط منكم{[25244]} رجل ، وأرسلتهم{[25245]} ، وصعدوا إلى الجبل حتى انتهوا إلى وادي العنقود ، واستخبروا الأرض وأخذوا{[25246]} من ثمار الأرض وأتوا به وأخبرونا وقالوا لنا : ما أخصب الأرض التي يعطينا الله ربناَ{[25247]} ! ولم يعجبكم أن تصعدوا ، و{[25248]} لكن اجتنبتم قول الله ربكم وأغضبتموه وتوشوشتم{[25249]} في خيمتكم{[25250]} وقلتم : لبغض{[25251]} الرب أخرجنا من أرض مصر ليدفعنا في أيدي الأمورانيين ليهلكونا ، إلى أين نصعد ! إخوتنا كسروا قلوبنا وقالوا : الشعب أعظم وأعزّ منا وأقوى ، وقراهم عظيمة مشيدة{[25252]} إلى السماء ، ورأينا هناك{[25253]} أبناء جبابرة ، وقلت لكم{[25254]} : لا تخافوا ولا تفزعوا منهم ، من أجل أن الله ربكم هو يسير أمامكم ، وهو يجاهد عنكم كما صنع بكم في أرض مصر وفي البرية .
كما رأيتم أنه فداكم كما يفدي الوالد ولده في كل الأرض التي سلكتموها{[25255]} حتى انتهيتم إلى هذه البلاد ، وبهذا{[25256]} القول لم تصدقوا أن الله ربكم يكمل لديكم{[25257]} أنه يسير أمامكم في الطريق ليهيىء لكم موضعاً تسكنون فيه ، أليس هو الذي أراكم{[25258]} طريقاً تسلكون فيه بالليل بالنار ، وستركم بالنهار من حر الشمس بالغمام ، وسمع الرب كلامكم وأصواتكم وغضب وأقسم وقال : لا يعاين أحد من هؤلاء القوم - أهل هذا الحقب الرديء - الأرض المخصبة التي أقسمت أن أعطي آباءهم غير كالاب بن يوفنا ، إني أدفع إليه الأرض التي مشى فيها{[25259]} وأورثها ولده ، لأنه أتم قول الرب وأكمل سنته{[25260]} ، وقال لي : وأنت أيضاً لا تدخلها ، ولكن يشوع بن نون الذي يخدمك هو يدخل هناك ، إياه{[25261]} قوِّ وأيد{[25262]} ، لأنه هو الذي يورث بني إسرائيل الأرض المخصبة التي وعدت بها آباءهم أن أعطيهم ، وأما مواشيكم التي قلتم : إنها تنتهب ، وبنوكم الذين لا يعلمون الخير من الشر ، فهم يدخلون هناك ، وإليهم أدفعها وهم يرثونها ، فأما أنتم فاقبلوا وارتحلوا إلى البرية في طريق بحر سوف ، فرددتم عليّ وقلتم : أسأنا وأجرمنا بين يدي الله ربنا ، نحن صاعدون ومجاهدون كما قال لنا ، وتسلح كل امرىء منكم بسلاحه ، وتهيأتم{[25263]} للصعود إلى الجبل ، وقال الرب لي{[25264]} : أنذرهم وقل لهم : لا تصعدوا ولا تجاهدوا ، لأني لست بينكم ، لئلا يهزمكم أعداؤكم ، وقلت ولم تقبلوا{[25265]} ، اجتنبتم قول الرب وأغضبتموه وجسرتم وطلعتم{[25266]} إلى الجبل ، فخرج الأموريون الساكنون في ذلك الجبل للقائكم{[25267]} وطردوكم كما تطرد{[25268]} الزنابير بالدخان ، ودفعوكم{[25269]} من ساعير{[25270]} إلى{[25271]} حرما ، وجلستم{[25272]} وبكيتم ولم يسمع الرب أصواتكم ، فبكيتم أمام الرب في رقام أياماً{[25273]} كثيرة ما مكثتم فيها ، فأقبلنا{[25274]} فارتحلنا في البرية في طريق بحر سوف كما قال الرب ، وترددنا{[25275]} حول جبل ساعير أياماً كثيرة ، وقال لي الرب : قد طال ترددكم حول هذا الجبل ، اقبلوا إلى الجانب الجربي{[25276]} ، فتقدم إلى الشعب وقل لهم : أنتم تجوزون{[25277]} في حد إخوتكم بني عاسو{[25278]} - وفي نسخة : عيصو - الذين يسكنون ساعير ، فاحفظوا{[25279]} أن لا تولعوا بهم{[25280]} .
لأني لست أعطيكم من أرضهم ميراثاً ولا موضع قدم ، ابتاعوا منهم طعاماً لمأكلكم{[25281]} وامتاروا منهم{[25282]} ماء بفضة لمشربكم ، وليبارك الله ربكم عليكم ويبارك{[25283]} لكم في كل ما عملت{[25284]} أيديكم ، كما علم أن يسوسكم في هذه البرية أربعين سنة ، الله{[25285]} ربكم ما دام معكم لا يعوز بكم شيء ، وجزنا{[25286]} طريق العربة{[25287]} - وفي نسخة : البيداء - وأيلة ، وأقبلنا وجزنا في البرية إلى طريق موآب ، وقال لي{[25288]} الرب : لا تضيق على الموآبيين ولا تحاربهم{[25289]} ، لأني لست أعطيك{[25290]} من أرضهم ميراثاً ، بل قد{[25291]} جعلت هذه الأرض ميراثاً لبني لوط هذه التي سكنها إمتى أولاً ، شعباً كان عظيماً ، كان الموآبيون يسمونهم إمتى ، فأما ساعير فكان سكانها الحورانيين{[25292]} أولاً وورثها بنو عاسو{[25293]} ، فقوموا الآن فجوزوا وادي زرد ، {[25294]} فجزنا وادي زرد{[25295]} حينئذ ، وكان عدد الأيام التي{[25296]} سرنا من رقيم إلى أن جزنا وادي زرد ثماني وثلاثين سنة ، حتى هلك{[25297]} جميع الرجال الأبطال أهل ذلك الحقب{[25298]} من عسكر بني إسرائيل كما أقسم عليهم الرب ، لأن يد الرب كانت عليهم حتى هلكوا ، فلما ماتوا من الشعب كلمني{[25299]} الرب وقال لي{[25300]} : أنت جائز اليوم إلى{[25301]} حد موآب ، وتدنو من حد بني عمون فلا تتعرض{[25302]} لهم ، لست أعطيك ميراثاً من أرض بني عمون ، لأني قد جعلتها ميراثاً لبني لوط ، فقم وارتحل وجز وادي أرنون ، إني قد دفعت إليك سيحون ملك الأمورانيين فحاربه و{[25303]} أهلك أصحابه ، فإني أبدأ فألقي خوفك وفزعك على الناس منذ يومك هذا ، وعلى جميع الشعوب التي تحت السماء ، حتى إذا سمعوا بخبرك فرقوا وفزعوا منك ، وأرسلت رسلاً من برية قدموت إلى سيحون ملك حجبون بكلام طيب وبالسلام ، وقلت له : نجوز في أرضك ونسير{[25304]} في الطريق الأعظم ، لا نميل{[25305]} يمنة{[25306]} ولا يسرة نمتار ، منكم طعاماً بفضة{[25307]} لمأكلنا ، وكذلك{[25308]} نبتاع ماء لمشربنا بثمن{[25309]} ، فدعونا نجز{[25310]} سائرين في الطريق كما صنع بنا بنو عاسو الذين في ساعير ، والموآبيون الذين في عار{[25311]} ، حتى يجوز في الأردن إلى الأرض التي يعطينا الله ربنا ، لوم يسرَّ سيحون ملك حجبون أن نجوز في حده ، لأن الله ربكم قسّى قلبه وعظم روحه{[25312]} ليدفعه في أيديكم ، وخرج إلينا هو وجميع أجناده ليحاربونا{[25313]} في ياهاص{[25314]} ، فدفعه الرب إلينا وقتلناه هو وجميع أجناده ، وفتحنا قراه وأهلكنا كل من كان في قراه ، ولم يبق منهم أحد ، وأهلكنا نساءهم وعيالاتهم ، ولم يبق منهم أحد من حد عروعير التي{[25315]} على حد وادي أرنون ، والقرية التي في الوادي وإلى جلعاد لم تفتنا{[25316]} قرية ، بل دفعها الله ربنا في أيدينا جميعاً ، فأما أرض بني عمون فلم نقربها{[25317]} ، وكل ما كان على وادي يبوق{[25318]} وقرى الجبال أيضاً ، وكل ما أمرنا الله ربنا به ، ثم أقبلنا وصعدنا إلى أرض متنين{[25319]} ، وخرج إلينا عوج{[25320]} ملك متنين{[25321]} هو وكل شيعته ليحاربنا في أدرعى{[25322]} ، وقال لي الرب : لا تفرق فإني قد دفعته في{[25323]} يديك ، وأسلمت إليك كل أجناده وأرضه ، وقتلناهم ولم يبق منهم أحد{[25324]} ، وظفرنا بكل قراه{[25325]} في ذلك الزمان ، ولم تفتنا قرية إلا{[25326]} أخذناها{[25327]} منهم ستين قرية ، كل جبل أرجوب ، كل القرى التي كانت أسوارها{[25328]} مشيدة محصنة بالأبواب الشديدة الموثقة ، وأحرمناهن{[25329]} كما صنعنا بسيحون وأخذنا الأرض في ذلك الزمان من ملكي الأمورانيين اللذين كانا عند مجاز الأردن من وادي أرنون إلى جبل حرمون ، فأما الصيدانيون فكانوا يدعون حرمون سريون ، وأما الأمورانيون{[25330]} فكانوا يسمونها سنير{[25331]} ، وأخذنا كل القرى التي{[25332]} كانت في الصحراء وكل جلعاد وكل متنين{[25333]} إلى{[25334]} سلكة وأدرعى{[25335]} ، جميع قرى ملك عوج ، لأن عوجاً كان الجبار الذي بقي وحده من الجبابرة ، وكان سريره من حديد ، وفي{[25336]} مدينة بني عمون{[25337]} التي تسمى ربة ، طوله تسع أذرع وعرضه أربع{[25338]} أذرع بذراع الجبابرة{[25339]} ، وورثنا هذه الأرض في ذلك الزمان ؛ ثم قال : أمرت{[25340]} يشوع{[25341]} في ذلك الزمان وقلت : قد رأيت بعينيك{[25342]} ما صنع الله ربكم{[25343]} بملكي الأمورانيين ، كذلك يصنع الرب بجميع المملكات التي تجوز{[25344]} إليها ، لأن الله ربكم هو يجاهد عنكم ، وتضرعت إلى الرب في ذلك الزمان وقلت : أطلب إليك يا ربي وإلهي أن تظهر لعبدك عظمتك بيدك المنيعة وبذراعك العظيمة ، أيّ إله في السماء أو في الأرض يعمل مثل أعمالك وجرائحك ! أتأذن لي الآن فأعبر وأعاين الأرض المخصبة التي في مجاز الأردن ، هذا الجبل المخصب ولبنان ، ولم يتسجب لي وقال لي الرب : حسبك ! لا تعد أن تقول هذا القول بين يدي ، اصعد رأس الأكمة وارفع عينيك إلى المغرب والمشرق وإلى الجربي والتيمن ، وانظر إليها نظراً{[25345]} ولا تجز هذا الأردن ، ومر يشوع{[25346]} وتقدم إليه وقوِّه وأيده ، لأنه هو الذي يجوز أمام هذا الشعب وهو الذي{[25347]} يورثهم{[25348]} الأرض التي تراها ، ونزلنا{[25349]} الوادي حيال بيت فغور{[25350]} : ثم قال : وأقسم - أي الرب -أني لا أجوز هذا الأردن ولا أدخل إلى الأرض التي{[25351]} أعطاكم الله ربكم ميراثاً ، فأنا الآن{[25352]} متوفٍ في هذه الأرض ، ولا أجوز هذا{[25353]} الأردن ، فأما أنتم فتجوزون وترثون هذه الأرض المخصبة ، احفظوا لا تنسوا عهد ربكم الذي عاهدكم ، ولا تفسدوا وتتخذوا أصناماً وأشباهاً ، {[25354]} من أجل أن الله ربكم هو نار محرقة وهو إله غيور ، وإذا ولد لكم بنون وبنو بنين وعتقتم في الأرض .
واتخذتم أصناماً وأشباهاً{[25355]} وارتكبتم الشر{[25356]} أمام الله ربكم وأغضبتموه قد أشهد{[25357]} عليكم السماء والأرض أنكم تهلكون سريعاً من الأرض التي تجوزون لترثوها ، ولا تكثر أيامكم{[25358]} فيها ، ويبددكم الرب من بين الشعوب ويبقي منكم{[25359]} عدد قليل بين الشعوب التي يفرقكم الرب فيها ، سلوا عن الأيام الأولى التي مضت قبلكم منذ يوم خلق الله الناس على الأرض من أقصى السماء إلى أقطارها ، هل كان مثل هذا الأمر العظيم أو سمع بمثله قط ؟ هل سمع شعب آخر صوت الله يكلمه من النار كما سمعتم أنتم ، وجربوا الله الذي اتخذهم شعباً من الشعوب بالبلايا والآيات والأعاجيب والحروب واليد المنيعة والذراع العظيمة وبالمناظر العظيمة ، كما صنع الله بأهل مصر تجاهكم أنتم وعاينتم وعلمتم أن الله هو رب كل شيء وليس إله غيره ، أسمعكم صوته من السماء ليعلمكم وأراكم ناره العظيمة ، وسمعتم أقاويله من النار ، ولحبه لآبائكم اختار نسلهم من بعدهم ، وأخرجكم{[25360]} بوجهه من مصر بقوته العظيمة ، ليهلك من بين أيديكم شعوباً أعظم وأعزّ منكم ليدخلكم ويعطيكم{[25361]} أرضهم ميراثاً ، لتعلموا يومكم هذا وتقبلوا بقلوبكم لأن الرب هو إله في السماء فوق وفي الأرض أسفل ، وليس إله سواه ، احفظوا سننه ووصاياه التي أمركم بها يومكم هذا لينعم عليكم وعلى أبنائكم من بعدكم ويطول مكثكم{[25362]} في الأرض التي يعطيكم الله ربكم طول الأيام .
هذه الشهادات والأحكام{[25363]} التي قص موسى على بني إسرائيل حيث خرجوا من أرض مصر ، فانتهوا إلى مجاز الأردن في الوادي في مشارق الشمس ، وإلى بحر العربة{[25364]} إلى سدود الفسجة{[25365]} ، ثم قال بعد ذلك في أواخر هذا السفر بعد أن قص عليهم أحكاماً كثيرة وحِكَما عزيزة{[25366]} : الرب يقبل بكم إلى الخير ويفرحكم كما فرح آباءكم ، وذلك إن أنتم سمعتم قول الله ربكم وحفظتم سننه ووصاياه المكتوبة في هذا الكتاب من كل قلوبكم وأنفسكم ، من أجل أن{[25367]} هذه الوصية لم تخف عليكم ولم تغب{[25368]} ، وليس هو بمستور في السماء فتقولوا{[25369]} : من يصعد لنا إلى السماء ويأتينا به{[25370]} فنسمعه ونعمل{[25371]} به ! وليس بغائب عنكم في أقصى البحر فتقولوا{[25372]} : من ينزل لنا إلى البحر ويأتينا به فنسمعه ونعمل به ! ولكن القول قريب من فمك{[25373]} وقلبك فاعمل به ، وانظر أني قد صيّرت بين يديك اليوم الحياة والخير ، فأخبرتك{[25374]} بالموت والشر ، وأنا آمرك اليوم أن تحب الله ربك وتسلك{[25375]} في طرقه{[25376]} وتحفظ سننه ووصاياه وأحكامه ، لتحيى وتكثر جداً ، ويبارك الله ربك عليك ، وينميك في الأرض{[25377]} التي تدخلها{[25378]} لترثها ، وإن مال قلبك وزاغ ولم تسمع وضللت وتبعت الآلهة الأخرى وسجدت لها فقد بينت لكم اليوم أنكم تهلكون هلاكاً ، ولا يطول مكثكم في الأرض التي تجوزون الأردن لترثوها ، وأوعزت إليكم وناشدتكم السماء والأرض والحياة والموت - وفي نسخة : و{[25379]} أشهدت عليكم{[25380]} السماء و{[25381]} الأرض وجعلت بين يديكم الحياة والموت - وتلوت عليكم اللعن والدعاء{[25382]} ، فاختر{[25383]} الحياة لتحيى أنت ونسلك إذا أحببت الله ربك وسمعت قوله ولحقت بعبادته ، لأنه حياتك وطول عمرك ، وتسكن في الأرض التي أقسم الرب لآبائك ووعد إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيك ؛ ثم انطلق موسى وكلم بني إسرائيل وقص عليهم هذه الأقوال كلها{[25384]} وقال لهم{[25385]} : اليوم مائة وعشرون سنة ، ولست أقدر على الدخول والخروج أيضاً ، والرب قال : إنك لا تجوز هذا الأردن ، فالله ربكم هو يجوز أمامكم ، وهو يهلك هذه الشعوب من بين أيديكم وترثونهم{[25386]} ، {[25387]} ويشوع هو يجوز أمامكم كما قال الرب ، وسيصنع بهم الرب كما صنع بسيحون{[25388]} وعوج ملكي الأمورانيين{[25389]} اللذين أهلكهما ، ويهزمهم الله ربكم من بين أيديكم ، فاصنعوا بهم حينئذ ما أمرتكم به ، فتقوّوا واعتزوا ولا تخافوا ولا تفزعوا ، ولا ترعب قلوبكم منهم ، لأن الله ربكم سائر أمامكم ، لا يخذلكم ولا يرفضكم ؛ ودعا موسى يشوع{[25390]} بن نون وقال له بين يدي جماعة بني إسرائيل : تقّو واعتز ، لأنك أنت الذي تدخل هذا الشعب الأرض التي أقسم{[25391]} الله لآبائهم أن يعطيهم ، وأنت تورثها{[25392]} أبناءهم ، والرب هو يسير أمامكم وهو يكون معك ولا يخذلك ولا يرفضك ، فلا تخف ولا تفزع ولا يرعب قلبك ؛ وكتب موسى هذه{[25393]} التوراة وسننها{[25394]} ودفعها إلى الأحبار بني لاوى الذين{[25395]} يحملون{[25396]} تابوت عهد الرب و{[25397]} إلى جميع أشياخ بني إسرائيل ؛ ثم قال : وكلم الرب موسى في ذلك اليوم وقال له : اصعد إلى جبل العبرانيين هذا جبل نابو{[25398]} الذي في أرض موآب حيال يريحا{[25399]} ، وانظر إلى أرض كنعان التي أعطى بني إسرائيل ميراثاً ، ولتتوفّ هناك في الجبل الذي تصعد{[25400]} إليه واجتمع إلى آبائك ، كما توفي أخوك هارون في الجبل وصار إلى قومه ، {[25401]} ثم قال في آخر هذا{[25402]} السفر وهو آخر التوراة : فطلع موسى من عربوب{[25403]} - وفي نسخة : من بيداء موآب - إلى جبل نبو إلى رأس الأكمة التي قبالة{[25404]} وجه إريحا ، وأراه{[25405]} الله جميع{[25406]} جلعد إلى دان{[25407]} وجميع أرض نفتالي وجميع أرض إفرائيم{[25408]} ومنشا ، وجميع أرض يهودا إلى آخر البحر والبرية وما حول بقعة بلد إريحا مدينة{[25409]} النخل إلى صاغر{[25410]} ، فقال الرب لموسى : إن هذه هي{[25411]} في الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وقلت : إني لنسلكم أعطيها ، قد أريتكها بعينيك{[25412]} ، فأما أنت فما تدخلها ، وقضى عبدالله موسى بأرض موآب{[25413]} بأمر الرب ، فدفن - يعني في أرض موآب - حذاء بيت فاغور{[25414]} ، ولم يعرف أحد أين قضى إلى يومنا هذا ، وكان موسى وقت قضى{[25415]} ابن مائة وعشرين سنة ، لم يضعف بصره ولم يشخ جداً ؛ فناح بنو إسرائيل على موسى بعربوب - وفي نسخه : في بيداء موآب - ثلاثين يوماً ، وتمت أيام بكاء مأتم موسى ؛ وامتلأ يشوع{[25416]} بن نون روَح الحكمة ، لأن موسى وضع عليه يده ، وأطاع له بنو إسرائيل وامتثلوا ما أمر الرب به موسى - انتهى ما أردته من أخبار التيه وما يتصل بذلك من مساواتهم لجميع الناس في العذاب بالمعاصي والإلطاف بالطاعات ، الهادم لكونهم أبناء وأحباء .
وفيه مما يحتاج إلى تفسير : الجربي ، وهو نسبة إلى الجربياء{[25417]} - بكسر الجيم والموحدة{[25418]} ، بينهما مهملة ساكنة ثم تحتانية ممدودة ، وهي جهة الشمال ، والتيمنُ - بفتح الفوقانية وإسكان التحتانية وضم الميم ، وهو أفق اليمن الذي يقابل{[25419]} الشمال فالمراد الجنوب{[25420]} ، وفيه قاصمة{[25421]} لهم من{[25422]} إنكار النسخ في أمرهم بنص التوراة بالدخول إلى يبت المقدس ثم نهيهم{[25423]} عن ذلك لما عصوا ، فإنه قال : اصعدوا ورثوا الأرض{[25424]} كما قال لكم الله رب{[25425]} آبائكم ، لا تخافوا ولا تفزغوا ، ولما عصوا هذا الأمر وأعلمهم موسى عليه السلام بغضب{[25426]} الله عليهم وعقوبته{[25427]} بالتيه أرادوا امتثال الأمر في الصعود توبة ، فقال لهم موسى عليه السلام : وقال لي{[25428]} الرب : أنذرهم وقل لهم : لا تصعدوا ولا تجاهدوا لأني لست بينكم ، لئلا يهزمكم أعداؤكم - هذا نصه فراجعه . وأما دخول أبنائهم إلى بلاد القدس وغلبتهم على أهلها وتبسطهم في أرضها تصديقاً لمواعد الله على يد{[25429]} يشوع{[25430]} بن نون عليه السلام فسيذكر إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى في سورة يونس عليه السلام :{ ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق{[25431]} }[ يونس : 93 ] ، ولكن أقدم هنا من أمر يوشع بعد موسى عليهما السلام - والمعونة بالله - ما يبنى{[25432]} عليه بعض مناسبات الآية التي بعدها ، قال البغوي : فتوجه - يعني يوشع - ببني إسرائيل إلى إريحا ومعه تابوت الميثاق ، فأحاط بها ستة أشهر ، ثم نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة ، فسقط سور المدينة ودخلوا ، فقاتلوا الجبارين فقتلوهم ، وكان القتال في{[25433]} يوم الجمعة ، فبقيت{[25434]} منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فقال : اللهم أردد الشمس عليّ ! فردت عليه{[25435]} وزيد في النهار ساعة ، ثم قتلهم أجمعين ، وتبع ملوك الشام واستباح منهم واحداً{[25436]} وثلاثين ملكاً حتى غلب{[25437]} على جميع أرض الشام وفرق عماله في نواحيها ، وجمع الغنائم فلم تنزل النار ، فأوحى الله إلى يوشع أن فيها غلولاً فمرهم فليبايعوك ، فبايعوه فالتصقت يد رجل منهم بيده{[25438]} ، فقال : هلمّ ما عندك ! فأتاه برأس ثور من ذهب مكلل باليواقيت والجواهر ، فجعله في القربان وجعل الرجل معه ، فجاءت النار فأكلت الرجل والقربان - انتهى . ورأيت أنا في تاريخ نبوة يوشع بعد موت{[25439]} موسى عليهما السلام ما ربما يخالف هذا في الأشهر والبلد ، أما الأشهر فجعلها سبعة أيام ، وأما البلدة التي وقفت عندها{[25440]} الشمس فجبعون لا إريحا ، فإنه قال ما نصه : قال الرب ليشوع{[25441]} : انظر ، إني قد دفعت في يدك إريحا وملكها وكل أجنادها{[25442]} ، فليُحِطْ بالمدينة جميع الرجال المقاتلة ، ودوروا حول المدينة في اليوم مرة{[25443]} ، وافعلوا ذلك في ستة أيام ، ويحمل سبعة من{[25444]} الكهنة سبعة أبواق ويهتفون أمام التابوت ، حتى إذا كان اليوم السابع دوروا حول المدينة سبع مرات ، ويهتف الكهنة بالقرون ، وإذا هتفت الأبواق وسمعتم أصواتها يهتف جميع الشعب بأعلى أصواتهم صوتاً شديداً ، فيقع سور المدينة مكانه ، ويصعد الشعب كل إنسان حياله - انتهى .
ثم ذكر امتثالهم لأمر الله وفتحهم لإريحا على ما قال الله ، وأما{[25445]} البلدة التي{[25446]} ردَّت فيها الشمس فهي{[25447]} جبعون ، وذلك أنه ذكر بعد فتح إريحا هذه أن سكان جعبون وهم الحاوانيون صالحوا يوشع بحيلة فعلوها ، ثم قال : وهذه أسماء قراهم : جبعون و{[25448]} الكفيرة وبيروت ويعاريم{[25449]} ، فلما سمع بذلك أدونصداق{[25450]} ملك أورشليم فرق فرقاً شديداً ، لأن جبعون كانت مدينة عظيمة كمثل مدن الملك ، وكان أهلها رجالاً جبابرة ، فأرسل إلى هوهم{[25451]} ملك حبران - وفي موضع آخر : حبرون - وإلى فرآم{[25452]} ملك يرموث ، وإلى يافع ملك لخيس ، وإلى دابير{[25453]} ملك عقلون - وقال لي بعض اليهود : إن المراد بهذه عجلون - وقال لهم : اصعدوا لتعينوني على محاربة أهل جبعون ، لأنهم قد صالحوا يشوع ، فاجتمع الخمسة من ملوك الأمورانيين{[25454]} وجميع عساكرهم فنزلوا على جبعون ، فأرسل أهل جبعون إلى يشوع{[25455]} فصعد يشوع{[25456]} من الجلجال هو وجميع أبطال الشعب ، فأوحى الرب إلى يشوع{[25457]} : لا تخف ولا تفزع منهم ، لأني قد أسلمتهم في يدك ، فأتاهم بغتة ، لأنه صعد من الجلجال الليل أجمع ، فهزمهم الرب بين يدي آل إسرائيل وجرحوا منهم جرحى كثيرة في جبعون التي بحوران{[25458]} ، وهربوا في طريق عقبة حوران ولم يزالوا يقتلون{[25459]} منهم إلى{[25460]} عزيقة ومقيدة{[25461]} ، فلما هرب الذين بقوا{[25462]} منهم ونزلوا عقبة حوران أمطر{[25463]} الرب عليهم حجارة برد كبار من السماء إلى عزيقة{[25464]} وماتوا كلهم{[25465]} ، فكان الذين ماتوا بحجارة البرد أكثر من الذين قتلوا ، ثم قام يشوع أمام الرب مصلياً في اليوم الذي دفع الرب الأمورانيين في يدي بني{[25466]} إسرائيل وقال : أيتها الشمس ! امكثي{[25467]} في جبعون ولا تسيري ، وأنت أيها القمر ! لا تبرح قاعَ أيلون ، فثبتت الشمس وقام القمر حتى انتقم الشعب من أعدائهم ؛ فكتبت{[25468]} هذه الأعجوبة في سفر التسابيح ، لأن الشمس وقفت في وسط السماء ولم تزل إلى الغروب ، وصار{[25469]} النهار يوماً تاماً ، ولم يكن مثل ذلك اليوم قبله ولا بعده - انتهى . وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة ، روى الشيخان : البخاري في الخمس والنكاح ، ومسلم في المغازي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " قال{[25470]} النبي صلى الله عليه وسلم : " غزا{[25471]} نبي من الأنبياء فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن{[25472]} بها ، ولا أحد{[25473]} بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها ، ولا أحد{[25474]} اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولادها{[25475]} ، فغزا فدنا{[25476]} من القرية صلاةَ العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علينا ! فحبست حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم ، فجاءت - يعني النار - لتأكلها فلم تطعمها ، فقال : إن فيكم غلولاً ، فليبايعني من كل قبيلة رجل ، فلزقت يد رجل بيده ، فقال : فيكم الغلول فلتبايعني{[25477]} قبيلتك ، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب{[25478]} فوضعوها ، فجاءت النار فأكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم ، رأى بعض{[25479]} ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا "
وفي رواية المسند للحافظ نور الدين الهيثمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي{[25480]} سار إلى بيت المقدس " ، قال : وهو في الصحيح ولم أر فيه حصراً{[25481]} كما هنا ؛ وفي سيرة ابن إسحاق ما ينقضه ، قال : حدثنا{[25482]} يونس عن الأسباط ابن{[25483]} نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفعة والعلامة عما في العير قالوا : فمتى تجيء{[25484]} ؟ قال : يوم الأربعاء ، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون{[25485]} وقد ولى النهار ولم تجىء ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس ، ولم ترد الشمس على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة .