فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

{ قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ( 26 ) }

{ قال فإنها } أي الأرض المقدسة { محرمة عليهم } أي على هؤلاء العصاة بسبب امتناعهم من قتال الجبارين { أربعين سنة } ظرف للتحريم أي أنه محرم عليهم دخولها هذه المدة لا زيادة عليها فلا يخالف هذا التحريم ، ما تقدم من قوله { التي كتب الله لكم } فإنها مكتوبه لمن بقي منهم بعد هذه المدة ، وقيل إنه لم يدخلها أحد ممن قال إنا لن ندخلها فيكون توقيت التحريم بهذه المدة باعتبار ذراريهم .

وقيل إن أربعين سنة ظرف لقوله { يتيهون في الأرض } أي يتيهون هذا المقدار فيكون التحريم مطلقا والمؤقت هو التيه ، وهو في اللغة الحيرة يقال منه تاه يتيه تيها أو توها إذا تحير فالمعنى يتحيرون في الأرض ، قيل إن هذه الأرض التي تاهوا فيها كانت صغيرة نحو ستة فراسخ كانوا يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا ، وكانوا سيارة مستمرين على ذلك لا قرار لهم .

وقيل ستة فراسخ في اثني عشر فرسخا ، وقيل تسع فراسخ في ثلاثين فرسخا ، وكان القوم ستمائة ألف مقاتل .

واختلف أهل العلم هل كان معهم موسى وهارون أم لا ؟ فقيل لم يكونا معهم ، لأن التيه عقوبة ، وقيل كانا معهم لكن سهل الله عليهما ذلك كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم .

وقد قيل كيف تقع هذه الجماعة من العقلاء في مثل هذه الأرض اليسيرة في هذه المدة الطويلة ؟ قال أبو علي يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التي هم عليها إذا ناموا إلى المكان الذي ابتدءوا منه ، وقد يكون بغير ذلك من الأسباب المانعة من الخروج عنها على طريق المعجزة الخارقة للعادة { فلا تأس على القوم الفاسقين } أي لا تحزن عليهم لأنهم أهل مخالفة وخروج عن الطاعة .

قل الزجاج : ويجوز أن يكون خطابا لمحمد صلى الله عليه وسلم أي لا تحزن على قوم لم يزل شأنهم المعاصي ومخالفة الرسل .

وأخرج ابن جرير وابن حاتم عن ابن عباس قال : تاهوا أربعين سنة فهلك موسى وهارون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون ، وهو الذي قام بالأمر بعد موسى ، وهو الذي افتتحها وهو الذي قيل له اليوم يوم جمعة فهموا بافتتاحها ، فدنت الشمس للغروب فخشي إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا فنادى الشمس أني مأمور وأنت مأمورة فوقفت حتى افتتحها ، فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط فقربوه إلى النار فلم تأت فقال فيكم الغلول ، فدعا رؤوس الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم فالتصقت يد رجل منهم بيده فقال : الغلول عندك ، فأخرجه فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من ياقوت وأسنان من لؤلؤ فوضعه مع القربان فأتت النار فأكلتها .

وعنه قال خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق ولا تدرن ، وكان عمر موسى مائة سنة وعشرين سنة ومات بعد هارون بسنة عليهما الصلاة والسلام .

وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعا قصة رد الشمس لنبي من الأنبياء ولم يسم يوشع ، واختلف الناس في حبس الشمس فقيل ردت إلى ورائها ، وقيل وقفت ولم ترد ، وقيل بطء حركتها ، ومات يوشع ودفن في جبل أفرايتم وله مائة سنة وست وعشرون سنة ، وقيل الذي فتح أريحاء هو موسى وكان يوشع على مقدمته ، وهذا أصح واختاره الطبري والقرطبي .