الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

لما سَمِعَ موسى عليه السلام قولهم ، ورأى عصيانهم ، تبرَّأ إلى اللَّه منهم ، وقال داعياً عليهم : { قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي }[ المائدة :25 ] يعني : هارونَ .

وقوله : { فافرق بَيْنَنَا } دعاء حرجٍ ، والمعنى : فافرق بيننا وبينهم حتى لا نشقى بفسقهم ، { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } أي : قال اللَّه ، وحرَّم اللَّه تعالى على بني إسرائيل دخولَ تلك المدينة أربعين سنةً { يتيهونَ في الأرض } ، أي : في أرض تلك النازلة ، وهو فَحْص التيه ، وهو ، على ما يحكى : طولُ ثلاثين ميلاً ، في عَرْضِ ستَّةِ فراسِخَ ، ويروى أنه لم يدخلِ المدينةَ أحد من ذلك الجِيلِ إلاَّ يُوشَعَ ، وكَالُوث ، وروي أنَّ يُوشَعَ نُبِّىءَ بعد كمالِ الأربعين سنَةً ، وخرَجَ ببني إسرائيل من التيه ، وقاتل الجَبَّارين ، وفتح المدينةَ ، وفي تلك الحَرْب ، وقفَتْ له الشمسُ ساعةً ، حتى استمرَّ هزم الجبَّارين ، والتيه : الذَّهَاب في الأرض إلى غير مقصِدٍ معلوم .

وقوله تعالى : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين } معناه : فلا تحزَنْ ، والخطابُ بهذه الآية لموسى عليه السلام ، قال ابنُ عباس : ندم موسى على دعائه على قومه ، وحزن عليهم ، فقال الله له : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين } .