تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

فأوحى الله عز وجل إلى موسى ، عليه السلام : أما إذا سميتهم فاسقين ، فالحق أقول : لا يدخلونها أبدا ، وذلك قوله عز وجل : { قال فإنها محرمة عليهم } دخولها البتة أبدا ، { أربعين سنة } فيها تقديم ، { يتيهون في الأرض } في البرية ، فأعمى الله عز وجل عليهم السبيل ، فحبسهم بالنهار ، وسيرهم بالليل ، يسهرون ليلهم ، فيصبحون حيث أمسوا ، فإذا بلغ أجلهم ، وهو أربعون سنة ، أرسلت عليهم الموت ، فلا يدخلها إلا خلوفهم ، إلا يوشع بن نون ، وكالب بن يوقنا ، فهما يسوقان بني إسرائيل إلى تلك الأرض ، فتاة القوم في تسع فراسخ عرض وثلاثين فرسخا طول ، وقالوا أيضا : ستة فراسخ عرض في اثنى عشر فرسخا طول ، فقال القوم لموسى ، عليه السلام : ما صنعت بنا دعوت علينا حتى بقينا في التيه ؟ وندم موسى ، عليه السلام ، على ما دعا عليهم ، وشق عليه حين تاهوا ، فأوحى الله عز وجل إليه : { فلا تأس على القوم الفاسقين } ، يعني لا تحزن على قوم أنت سميتهم فاسقين أن تاهوا .

ثم مات هارون ، عليه السلام ، في التيه ، ومات موسى من بعده بستة أشهر ، فماتا جميعا في التيه ، ثم إن الله عز وجل أخرج ذرياتهم بعد أربعين سنة وقد هلكت الأمة العصاة كلها ، وخرجوا مع يوشع بن نون ابن أخت موسى ، وكالب بن يوقنا بعد وفاة موسى ، عليه السلام ، بشهرين ، فأتوا أريحا ، فقاتلوا أهلها ففتحوها ، وقتلوا مقاتلهم ، وسبوا ذراريهم ، وقتلوا ثلاثة من الجبارين ، وكان قاتلهم يوشع بن نون ، فغابت الشمس ، فدعا يوشع بن نون ، فرد الله عز وجل عليه الشمس ، فأطلعت ثانية ، وغابت الشمس الثانية ، ودار الفلك فاختلط على الحساب حسابهم منذ يومئذ فيما بلغنا ، ومات في التيه كل ابن عشرين سنة فصاعدا ، وموضع التيه بين فلسطين وإيلة ومصر ، فتاه القوم بعصيانهم ربهم عز وجل ، وخلافهم على نبيهم ، مع دعاء بلعام بن باعور بن ماث عليهم فيما بين ستة فراسخ إلى اثنى عشر فرسخا ، لا يستطيعون الخروج منها أربعين سنة ، ومات هارون حين أتم ثمانية وثمانين سنة ، وتوفي موسى بعده بستة أشهر ، واستخلف عليهم يوشع بن نون ، وحين ماتوا كلهم أخرج ذراريهم يوشع بن نون ، وكالب بن يوقنا .